الكاتب الصحفى .. عبد الناصر محمد .. يكتب.. أسرار وحكايات .. من زمن فات ظهور ” ريا وسكينة ” فى عهد السلطان الظاهر بيبرس !!
فى السنة الرابعة من حكم السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى وتحديدا سنة ٦٦٣ هجرية / ١٢٦٤ ميلادية والتى كانت الأحوال فى مصر لا تزال سيئة إزدادت معدلات الجريمة داخل المجتمع وبخاصة السرقات بحثا عن لقمة العيش .. ولكن أغرب القضايا وأكثرها دموية وإثارة والتى لم يعتد عليها المجتمع المصرى والتى تحدث للمرة الأولى فى تاريخ مصر على مر كل العصور وهى جريمة إختطاف بعض الناس وقتلهم بقصد سرقة ما معهم من أموال أو ثياب أو حلى أو ما شابه ذلك وهذه القصة رغم وقوعها قبل قصة " ريا وسكينة " بنحو ٦٥٥ سنة إلا أنهما قريبتا الشبه فى كثير من الوقائع وإن كانت جرائم " ريا وسكينة " هى الأشهر والتى وقعت فى نهاية عام ١٩١٩ و إستمرت أكثر من سنة عاش فيها المجتمع المصرى وبخاصة مدينة الأسكندرية أياما من الرعب والفزع.
وإلى تفاصيل حكاية " ريا و سكينة " الأقدم التى جرت أحداثها أثناء فترة حكم ركن الدنيا والدين السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى ...
سيدة شابة فارعة الطول قوية البنيان متوسطة الحجم ليست بدينة ولا نحيفة فى منتصف العشرينيات من عمرها تقيم بمفردها فى شقة بالدور الأرضى بمنطقة قريبة من الخليج المصرى _ شارع بورسعيد حاليا _ اشتهرت بين الناس بإسم " الغازية " .. وهذا الإسم أطلقه عليها أهل الحى ظنا منهم أنها كانت تعمل راقصة لدى أمراء المماليك وكبار التجار والأغنياء خاصة وأنها كانت ترتدى ملابس خليعة تتنافى تماما مع الشكل العام لنساء مصر فى ذلك العصر فقد كان كل همها هو العمل على إظهار مفاتنها.
تعرفت السيدة على العديد من الراغبين الطامعين فيها وكانت تقضى معهم ليال حمراء ماجنة تمارس فيها الرذيلة مقابل بضع دراهم أو بعض الأطعمة .. وفى هذه الأثناء قفزت إلى ذهنها فكرة شيطانية وهى العمل على إستقطاب مريديها وزبائنها إلى منزلها وإستغلال إنشغال " الزبون " فى التأمل فى مفاتنها تقوم هى بالإنقضاض عليه وتقتله ثم تحصل على ما يمتلكه من أموال وحلى وثياب فاخرة وتتخلص من جثمانه من خلال دفنه فى نفس الشقة التى تسكنها بعد أن تقيم حفرة لذلك ولكنها كانت تخشى أن تخدعها قوتها وينكشف أمرها ولذلك إستعانت بسيدة عجوز قرصها الجوع فوافقتها على تنفيذ مخططها الدموى المشبوه ثم تمت الإستعانة بأثنين من الرجال فكونوا الأربعة تشكيلا عصابيا إجراميا وفريقا لإعدام كل من لهث وراء شهواته.
وكانت غازية بمعاونة العجوز توقع بالرجال والشباب عن طريق وقوف «غازية» فى الطريق بعدما تتجمل بأجمل ثيابها وتتحلى بأحلى حُليها حتى تميل قلوب الرجال لها وتجذبهم بجمالها وتسحرهم بدلالها وتخدعهم بمكرها وعندما تجد العجوز أن أحد الشباب قد مال إلى «غازية» تقول له: «هذه لا يمكنها أن تجتمع بأحد إلا فى منزلها خوفا على نفسها»، وعندما يذهب معهما من أراد «غازية» يكون فى انتظارهم الرجلان اللذين يتوليان قتله وسلب ما عليه من ثياب وسرقة ما معه من أموال.
ودارت دائرة الدم والقتل وقامت الغازية بإصطياد الضحايا واحدا تلو الآخر وتعددت البلاغات لوالى القاهرة عن إختفاء العديد من الأفراد وذاع صيت تلك الحكاية الغريبة غير مسبوقة الحدوث فقررت الغازية " زعيمة العصابة " هجر شقة الخليج المصرى والإنتقال إلى مكان آخر وهو ما حدث أكثر من مرة وتزايدت عمليات الإختفاء المريبة ليس فقط للرجال بل لعدد من النساء وأمام تزايد البلاغات وقلة حيلة الوالى ورجاله وصل الأمر إلى السلطان الظاهر بيبرس الذى أمر على الفور بتشكيل فريق بحث من رجاله ليكونوا تحت قيادة الوالى للعمل على حل هذا اللغز ولكن كل المحاولات بائت بالفشل بسبب مكر ودهاء الغازية وعصابتها والذين إستعانوا فى هذه الأثناء برجل ثالث يعمل فرانا فى أحد قمائن الطوب ويكون دوره طمس معالم وتشويه جثامين الضحايا بعد قتلهم وقبل إلقائهم فى نهر النيل حتى لا يتعرف أحد على الضحية وتستمر الحيرة لدى فرق البحث التابعة للسلطان والوالى وحتى يعتقد أن القتل بقصد الإنتقام من الضحية أخذا بالثأر أو ما شابه ذلك للتمويه والتضليل.
وذات يوم إستيقظ أهالى القاهرة على مشهد بشع للغاية حيث مثير من الجثث تطفو فوق سطح الماء بالقرب من خليج القاهرة مما زادهم حنقا وسخطا وغضبا على الوالى وأعوانه وطالب الناس بضرورة إقالة الوالى لفشله فى حل اللغز وكشف تفاصيل هذه الجرائم الشنيعة.
وفى يوم من الأيام وبعد أن إنتقلت العصابة إلى سكنها الأخير بمنطقة باب الشعرية وقع إختيار العصابة على سيدة ثرية تعمل " ماشطة " _ والماشطة هذه كانت تقوم بتوفير إحتياجات العروس فضلا عن قيامها بتزيينها وتجهيزها لليلة العرس _ وقامت العجوز بزيارة الماشطة بمنزلها وأخبرتها أنها تريدها لتقوم بإحضار ما لديها من أقمشة ومصاغ لإبنتها العروس وتركت لها العنوان وإنصرفت بعد أن وعدتها بمبالغ ضخمة.
وبالفعل قامت الماشطة بالذهاب إلى شقة العروسة وهى لا تدرى أنها ذاهبة إلى نهايتها وقامت خادمتها بتوصيلها إلى منزل العروس بمنطقة باب الشعرية ولسوء حظ العصابة لم ير أحد تلك الخادمة التى إتفقت معها سيدتها على العودة فى هذا العنوان صباح اليوم التالى لتقوم بتوصيلها إلى منزلها.
وحين عاودت الخادمة الذهاب فى الموعد المتفق عليه وطرقت باب الشقة خرجت إليها العجوز فسألتها عن سيدتها " الماشطة " وهى لا تدرى أنها أصبحت فى عداد الأموات وفوجئت الخادمة بأن المرأة العجوز أنكرت تماما معرفتها بسيدتها أو حتى رؤيتها من قبل.
شكت الخادمة فى الأمر والتى كان قد سبق أن تطرق إلى مسامعها حكاية إختفاء بعض الرجال والسيدات فهرعت إلى الوالى وحكت له تلك الواقعة المريبة والذى قام على الفور على رأس قوة كبيرة بإقتحام المنزل وإلقاء القبض على الغازية والعجوز ثم بعد ذلك قبض على الرجلين واللذين أرشدا عن الفران والذين إعترفوا بجميع جرائمهم وعلى الفور أصدر السلطان الظاهر بيبرس قرارا ب " تسمير " جميع أفراد العصابة _ أى دق أجسادهم بمسامير بعد وضعها على ألواح خشبية _ وتعليقها تحت القلعة وليس على باب زويلة كما يعتقد البعض وبعد ذلك تدخل بعض الأمراء للعفو عن السيدة العجوز من قصة التسمير تلك لكبر سنها والإكتفاء بحبسها وهو ما حدث بالفعل ولكنها ماتت بعد بضع أيام.
وقد أطلق العامة على هذه العصابة إسم " الغازية الخناقة " نظرا لأن العصابة كانت تخنق الضحية وأطلق عليها أيضا إسم " الغازية والعجوز".
كاتب المقال الكاتب الصحفى .. عبد الناصر محمد ..مدير تحرير موقع بوابة الدولة الاخبارية .. والخبير فى الشأن الاقتصادى