الكاتب الصحفي محمود نفادي يكتب.. ”نواب أبوالهول” وراء تكريم نقابة الصحفيين لي
فى منتصف عام ١٩٨٧، اى منذ نحو ٣٤ عاما وبعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان الانتخابات بنظام القائمة المطلقة، وبالصفحة الاولى لعدد الجمهورية الاسبوعى، وبتشجيع ودعم من الكاتب الصحفى محمد ابوالحديد الذى تولى رئيس مجلس الإدارة بعد ذلك، وحاليا هو كاتب متفرغ، نشرت اهم خبر فى مسيرتى الصحفية.
كان عنوان الخبر هو "لقب ابو الهول للصامتين فى مجلس الشعب". وكان الصامتون ٢١١ نائبا من الحزب الوطنى، و١٨ نائبا وفديا. وكتبت اسماء هؤلاء النواب لانهم لم يتحدثوا، ولو لمرة واحدة خلال عمر هذا المجلس الذي لم يتعد العامين ونصف العام.
وكنت قد قمت باستخلاص اسماء "نواب ابو الهول" من المضابط ،من خلال حصر اسماء الذين تحدثوا، لان المضابط تسجل من تحدث فقط. وبمطابقة هذه الاسماء وجدت ان هناك ٢٢٩ نائبا لم تسجل اسماؤهم فى المضابط على الإطلاق، وأطلقت على هؤلاء لقب "ابو الهول"، رغم ان البعض قال لى بعد ذلك اننى ظلمت "ابو الهول" رمز الحضارة المصرية.
وفور نشر الخبر، كان هؤلاء النواب يستعدون لخوض انتخابات برلمان ٨٧ /٩٠، فوقع الخبرعليهم كالصاعقة، وأثر عليهم خلال الانتخابات، وانطلقت الشرارة الاولى من احدى دوائر محافظة المنوفية، ورُفع شعار فى مواجهة احد "نواب ابو الهول"، وهو "مش باليافطة مش بالقول مش عايزينك يا ابو الهول". وقد اصيب النائب بأزمة قلبية ولم يخض انتخابات ١٩٨٧، ووقتها قال لى زعيم الاغلبية كمال الشاذلى:"منك لله يا نفادى ضيعت الراجل".
واتذكر وقتها ان نواب "ابوالهول" اتهموا الحكومة بتسريب اسمائهم لى، ونفى اللواء زكي بدر، وزير الداخلية وقتها مسئولية الحكومة او الداخلية عن نشر قائمة "نواب ابو الهول"، واتجه النواب بعد ذلك الى المستشار سامى مهران، امين عام مجلس الشعب وقتها للحصول على خطابات تنفى عنهم لقب "ابو الهول".
وانتقلت المعركة الى ساحة القضاء من خلال رفع ١١٨ قضية ضد رئيس تحرير الجمهورية وقتها، الراحل محسن محمد وانا، امام محكمة جنح الازبكية واستعنت بمحامى شاب قريب لى، هو المرحوم محمد نوح، للدفاع عنى امام هذا السيل من القضايا. وكما اتذكر، فإن احد نواب اسوان حضر للجريدة وقابل مدير التحرير وقتها الراحل محمد الحيوان، وطلب منه ان انشر له خبرا باسمى انه ليس ضمن "نواب ابو الهول"، لان ابناءه لا يذهبون للمدرسة لان زملاءهم يقولون لهم "يا ولاد ابو الهول"، ورفض الراحل محمد الحيوان طلبه، وقال له:"انشر اعلانا بفلوس قول فيه هذا الكلام على لسانك".
وفى يوم الجلسة المحددة لنظر الدعاوى القضائية، فوجئت بان احد المحامين وهو محمد البلشى، وهو شقيق النائبة الوفدية -على ما أتذكر- فوزية البلشى يتهمنى باننى عميل للحكومة لتشويه سمعة نواب المعارضة الوفدية، ورد عليه القاضى وقتها:"طب وأسماء نواب الحكومة، قاصدا نواب الحزب الوطنى المنشورة اسماؤهم فى الخبر، حرضته المعارضة الوفدية لتشويه سمعتهم".
واصبح محمد البلشى صديقا لى بعد ان اصبح عضوا بمجلس الشعب عن الحزب الوطنى، وكان يحرص على دعوتى كلما ذهبت للاسكندرية فى المطعم الشهير المملوك له على البحر بمنطقة الشاطبي ولكنه باعه الان.
وقد أطلعني القاضى خلال نظر القضايا، على خطابات صادرة من المستشار سامى مهران، امين عام المجلس، تؤكد ان بعض هؤلاء النواب قدموا طلبات احاطة وأسئلة، فقلت للقاضي:"اننى استشهد بمضابط المجلس، وعلى النواب أن يقدموا المضابط التى تثبت انهم تحدثوا، وأنهم لا يستحقون لقب (ابو الهول)".
وانتهت القضايا ببراءتى وصحة لقب "ابوالهول" لهؤلاء النواب.
وبعد اسابيع قليلة، اعلنت نقابة الصحفيين فوزى بجائزة مسابقة نقابة الصحفيين لأفضل خبر صحفى نشر عام ١٩٨٧، ووقتها قال لى الراحل العظيم مصطفى شردى وكان رئيس تحرير جريدة الوفد انه كان يتمنى نشر هذا الخبر بجريدة الوفد. وتسلمت الجائزة فى احتفالية حضرها الدكتور على لطفى، رئيس مجلس الشورى، وصفوت الشريف وزير الاعلام، وابراهيم نافع نقيب الصحفيين.
واصبح لقب "ابو الهول" ماركة صحفية برلمانية مسجلة، وأحدث تغييرا كبيرا، من حيث الكم فى الممارسة البرلمانية، وزيادة عدد النواب المتحدثين تحت القبة، خاصة خلال جلسات مناقشة بيان الحكومة ليرتفع عدد المتحدثين من ٥٠ نائبا الى ٢٠٠نائب.
وفى احدى الجلسات، وقف نائب على المنبر، وقال:"انا طلبت الكلمة حتى لا يقال عنى (ابو الهول)"، ونزل من على المنبر وسط ضحكات الاعضاء فى القاعة.
ومرت السنوات وتعددت المجالس، واصبح لقب "ابو الهول" شبحا يطارد كل نائب تحت القبة يرفع شعار:"ان الصمت فضيلة والحديث رذيلة"، وما اكثر هؤلاء النواب حاليا الذين يشعرون ان الحديث قد يجلب عليهم المشاكل، وان الصمت وعدم الحديث يضمنان لهم العودة مرة أخرى الى مقاعدهم تحت قبة البرلمان، وان لقب "ابو الهول" فخر لهم، وليس إدانة لهم.
واليوم، فى عام ٢٠٢١، لو نشر صحفى برلمانى قائمة نواب "ابو الهول" بالبرلمان الحالى، لحصل على جائزة من نواب "ابو الهول" أنفسهم، وليس من نقابة الصحفيين.