منى النشار تكتب .. مصر فى البريكس (1) هل لازال عدم الانحياز ممكنا ؟
بعد الانتصار السياسى الساحق , الذى حققته مصر وأشقاؤها السعودية والإمارات بالإنضمام إلى مجموعة بريكس , تساؤلات عدة تطرح نفسها فى هذا السياق خاصا على ضوء تنامى الصراع بين معسكرى الشرق والغرب وتضاؤل فرص إحتوائه .
على رأس تلك التساؤلات , ما هى اللحظة الزمنية التى نشأت فى إطارها البريكس ودلالاتها المستمرة حتى اللحظة .
كيف يمكن لأعضاء البريكس القدامى والجدد احتواء التناقضات الخطيرة بينهم , وكيف تؤثر تلك التناقضات على صلابة موقفهم فى مواجهة الخصم الأمريكى , وهل إضافة أعضاء جدد بينهم هذا القدر الحاد من الصراع , مصر, السعودية , الإمارات , إثيوبيا , إيران إضافة إلى ما بين الصين والهند أصلا من صراع , يمثل قوة للبريكس أم خطأ استراتيجيا بما يمكن اعتباره " مغامرة " قد تؤدى إلى التفجير الذاتى .
ما الجديد الذى يمكن للصين وروسيا والسعودية والإمارات تقديمه لمصر فيما يتعلق بسد النهضة .
والسؤال الأكثر خطورة , هل إنضمام مصر إلى البريكس انحياز صريح إلى تلك المجموعة , أم مجرد سعى لمكسب اقتصادى وهل هو تنويع للاختيارات أم حسم لتلك الاختيارات .
وقبل أن نقفز إلى الغد , علينا أن نتدارس اليوم , فمجموعة بريكس هى
– الجبهة المناوئة للغرب – والسعى للإنضمام إليها أمر يعتبر من وجهة نظر المكارثية الأمريكية وقوف فى خندق الأعداء و مبدأ إذا لم تكن معى فأنت مع الآخرين ضدى .
وعلى الرغم من حرص مصر الصادق وأشقائها فى الخليج على التوازن بين الجبهتين الأمريكية و- الآخرين - والنأى بالنفس عن الصراعات الدولية , إلا أن تلك المكارثية الأمريكية لا تساعد على هذا المنحى .
ومنذ اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية , حرصت مصر وأشقاؤها فى الخليج بجهد دؤوب وإرادة صادقة على التوازن بين معسكرى موسكو وواشنطون .
وعلى عكس تحالفات مصر التاريخية تجاه الغرب خلال الحربين العالميتين , سعت القاهرة بكل قوة للإنضمام إلى مجموعة بريكس , ليس بهدف معاداة واشنطون , وإنما لإقامة علاقات متوازنة مع كل الأطراف الفاعلة فى النظام الدولى على أسس من الاحترام المتبادل والندية والمصالح المشتركة , وإتساقا مع متغيرات الواقع الدولى الجديد فى الحرب المتوقعة هو حرية القرار المصرى , حيث فرض الإحتلال البريطانى ومعاهدة 1936 تخندق مصر فى جبهة الحلفاء فى الحربين العالميتين .
أما الآن فتمسك مصر على التوازن وهو كالجمر يدمى يديها. فهناك حيث الماضى الأليم انكب المصريون يقاتلون ويقتلون فى حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل وانتصر من انتصر وانهزم من انهزم ثم رحل الجميع تاركين ملايين القنابل تفترس الأرض الطيبة , وهناك حيث الغد الأليم يموج الصراع المحموم فى الأفق كأنه كوكب يدور الشيطان من حوله ينفخ فى الكير ويقرع طبول الحرب .
شاءت الأقدار أن يزج بمصر فى المعارك الدولية حامية الوطيس .
إن العالم ليأبى على بلد يمر فى أرضه قناة السويس وأفاض عليه التاريخ بوافر الحضارة وعظيم التأثير أن يجلس فى مواقع الجمهور .
لقد ضنت الجغرافيا على مصر بعدم الانحياز وعزت عليها الاختيارات فلا خيار لنا إلا باختيار إحدى الجبهتين .
وعدم الانحياز كحلم جميل , يرى فيه النائم نفسه وقد حفته الطيور الراقصة وأمتعته بشدوها و لكن ما إن يستيقظ يجد نفسه فريسة مسجاة قد تكالبت عليها الذئاب والضباع .
حتى مشاركة مصر فى تأسيس كتلة عدم الانحياز كانت السبب الرئيسى فى النكسة .
وبخلاف ما هو شائع من الحديث الآن عن مظاهر قوة المجموعة , ولماذا تم اختيار الأعضاء الجدد , ورد الفعل الأمريكى , وما هى الفوائد المنتظرة .
هذة السطور تحاول الغوص فى ما هو أعمق من ذلك , وبعيدا عن المبالغات , محاولة الإجابة على التساؤلات المطروحة .
وستتناول فى الجزء الأول المحور الخاص بالسياق التاريخى لنشأة مجموعة بريكس , بينما يتناول الجزء الثانى المحور الخاص بالتناقضات بين الأعضاء .
نشأت مجموعة البريكس أو البريك عام 2006 بعضوية كل من روسيا والصين والهند والبرازيل , كفكرة مناوئة للعولمة التى وسمت النظام الدولى ما بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى . ولاحظ التوقيت أنه جاء بعد الإحتلال الأمريكى للعراق الحبيب - ودون ترخيص من مجلس الأمن -
والعولمة اصطلاح اقتصادى يعنى شبكة معقدة من العلاقات الدولية اقتصادية وسياسية عابرة للدول وللحدود فى زمن تساقطت فيه حواجز المكان والزمان بفعل تكنولوجيا الإتصالات , وفى زمن القطب الأوحد بعدما انهار الآخر السوفيتى .
وأهم ركائزها الفلسفية , الإنسان العالمى الجديد , اللازمن واللامكان , وأهمهم جميعا الخيار الوحيد , بمعنى عدم وجود طريق آخر بحيث لا مهرب من ذاك المصير الذى فرضته تطورات النظام الدولى .
وتنطلى العولمة على لفظ الأمركة بمعنى فرض القيم الأمريكية ومعاييرها, ليختزل العالم بأسره فى أعين واشنطون تقرر نيابة عن الجميع ما الذى يجب فعله وما هو الصحيح من الأمور وغير ذلك من شتى تفاصيل الحياة الإنسانية بصرف النظرعن الموروث الثقافى لكل مجتمع وأولوياته وجذوره التاريخية , ليصبح الإنسان العالمى الجديد هو الإنسان الأمريكى , والصحيح من القرارات هو التقدير الأمريكى , والأمم المتحدة ومجلس الأمن هو القرار الأمريكى .
مع عدم وجود بديل أو حتى فرصة للاختيار , وأهم شعارات العولمة هو أنها أمر حتمى , وإلا أصبحت متخلفا قد تجاوزه الزمن .
نظر لهذة اللحظة الزمنية الفيلسوف الأمريكى فرانسيس فوكاياما خلال كتابه الإنسان الأخير ونهاية التاريخ , وتقوم فكرته الأساسية على انتصار الليبرالية أو المعسكر الغربى بزعامة الولايات المتحدة بحيث لم يعد هناك آخر أو فرصة للتطور .
يعزز فوكاياما ركائز العولمة ومسلماتها باعتبار واشنطون- الخيار الوحيد- هى النموذج المعيارى للحياة الإنسانية الحديثة بحيث يصبح الجميع أصداء لها.
وقبل أن تسدل الحرب العالمية الثانية ستائرها والولايات المتحدة تسعى للهيمنة واحتلال موقع القوى العظمى التقليدية - البائدة - بعد أن وجدتهم أى الحلفاء أو لنقل " الخصوم " فى بريطانيا وفرنسا قد أنهكتهما الحربين العالميتين وانهزما أمام المانيا التى انتصرا عليها , وأصبحا أسودا عجوزة مهشمة الأنياب , لا يقدران على الايفاء بمتطلبات القوى العظمى , فقالت لهما واشنطون لقد انتهى زمانكما , ولم يعد أمامها بعد إزاحتهما والتخلص من الخصم الثالث فى اليابان بطريقة عدت الأكثر وحشية فى التاريخ الإنسانى , إلا التخلص من الخصم الرابع فى الإتحاد السوفيتى . ولكن امتلاك موسكو للسلاح الذرى حال دون مبتغى واشنطون , ووجدت نفسها مرغمة أن تكون قطبا أمام قطب منافس , فكانت الحرب الباردة.
عدت واشنطون الخطط بعيدة الأمد للتخلص من غريمها حتى كان لها ذلك فى مطلع تسعينيات القرن الماضى بانهيار الإتحاد السوفيتى .
فكان عصر القطب الأوحد , عصر قالت فيه واشنطون للجميع أنا ربكم الأعلى , وجلست – منفردة – على عجلة قيادة العالم , وعاثت فسادا وتجبرا , وعصفت بالشرعية الدولية فى أشد لحظات النظام الدولى إختلالا وإحتلت العراق الحبيب - دون ترخيص من مجلس الأمن -
لم يرق هذا الوضع وتلك الركائز والمسلمات للجميع , فهناك من أبى أن يساق إلى بيت الطاعة الأبيض أو أن ينتفى كيانه , وتشبث بجذوره التاريخية , واستقلالية قراره ورأى أن لديه من المقومات الثقافية والاقتصادية والبشرية ما يجعله قادرا على أن يكون - الآخر - رافضا شعار المرحلة مؤكدا على وجود البديل وتنوع الإختيارات فكانت البريكس .
إن البريكس هى الآخر المفتقد منذ إنهيار الإتحاد السوفيتى , وهى تجعل العالم أكثر عدالة , بإيجاد هامش للمناورة هو ضيق بالأساس إبان الحرب الباردة , خاصا لتلك الدول التى ضجت بالصراع الدولى وتقاتل بين أنياب الأقوياء لايجاد الفرص والاختيارات لتحقيق آمال شعوبها البسيطة والعادلة بعيدا عن التخندق فى أيهما .
إن البريكس هى الكفة التى أعادت للعالم بعض التوازن والانضباط المفتقد منذ تفردت واشنطون وحدها بعجلة قيادة العالم , وأذاقت الإنسانية خلال تلك السنوات الثقال مرارة العربدة وأحط الجرائم الإنسانية .
إن البريكس هى البديل الأكثر آمانا خاصا لتلك الدول التى أثقلت كاهلها المشروطية الأمريكية , من تعددية حزبية وليبرالية إقتصادية وتقييد الدور التنومى للدولة وفرض للقيم الأمريكية الشاذة عن الفطرة الإنسانية السوية, كشروط يلبيها الفقراء أملا فى قليل من الدولارات تطعم الجائعين فلا تخلف إلا مزيدا من الاحتياج .
كانت الصين وروسيا على رأس الدول الرافضة للهيمنة الأمريكية , وبعد وصول الرئيس الروسى فلادمير بوتين إلى السلطة تبلورت لدى الدولتين إضافة إلى الآخرين رؤيا موحدة لعالم مختلف عن العالم القائم حينها.
وسعت إلى تغيير هذا الواقع الدولى - غير العادل - متوحدين على الرغم من الخلافات بينهم على مناهضة سياسات القطب الأوحد .
هذه الفكرة وإن كانت الأرض الصلبة التى يقف عليها الأعضاء المؤسسون, إلا أنها المتفق عليه الوحيد بينهم وحتى الآن بعد مرور سبعة عشر عاما على إنشائها لم يتفق مؤسسو بريكس على سياسات نقدية ولم يرق مستوى التعاون بينهم لما يضاهى الإتحاد الأوروبى مثلا.
فكان النجاح الأبرز الذى حققته بريكس هو رسالة الإحتجاج التى وجهتها للولايات المتحدة وخلق الخيار الآخر بما يعصف بالركيزة الأبرز للعولمة.
على مستوى الصين وروسيا كدول دائمة العضوية , كشف تنسيق المواقف بينهما فى مجلس الأمن إزاء القضايا البارزة , عبر حق الفيتو الذى أجهض القرار الأمريكى , كتوجيه ضربات عسكرية أمريكية إلى الجيش السورى , الدلالة الأبرزعلى تغيرات جذرية فى موازين القوى الدولية.
فما نجحت فيه واشنطون - بالبلطجة - فى إحتلال العراق الحبيب عام 2003 , فشلت فى تكراره فى سوريا 2013 .
سياقات مشابهة تكررت وشهدت ذات التنسيق الصينى الروسى, أبرزها فى 2014 بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية , ثم القرارات الأممية المتعلقة بالعدوان الروسى على الآراضى الأوكرانية الجارى الآن.
كما فشلت واشنطون فى استقطاب الكثير من دول العالم إلى صفها وتوقيع العقوبات الاقتصادية على روسيا , وفشلت أيضا فى عزلها سياسيا كما ادعت , وذلك على خلفية الحرب الأوكرانية . بخلاف بكين وموسكو الذين يحققان نجاحا بإستمالة عدد كبير من الدول .
أما ما مثل النقلة النوعية فى النظام الدولى وبدأت بإسره المرحلة التاريخية التى نعيش تطوراتها الآن , هى العدوان الروسى على جورجيا فى 2008 والاعتراف بالإقليمين الإنفصاليين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية كدول ذات سيادة بعد العملية العسكرية التى أطلقها الرئيس بوتين إخضاع جورجيا للسلام عصف خلالها بأحلام رئيس الوزراء الجورجى ميخائيل سكاشفيلى– رجل الناتو – بتحقيق الأهداف الأمريكية باستدراج جورجيا إلى الناتو وتطويق روسيا من البحر الأسود .
هنا قال بوتين رسالة واضحة وقوية , إن عصر روسيا الكسيحة عقب انهيار الإتحاد السوفيتى وحكم الرئيس السكير بوريس يلسين قد انتهى وأصبح العالم أمام روسيا جديدة وقد استعادت أنيابها.
كل هذه الدلالات تكشف بجلاء عصرا جديدا تعيشه الإنسانية , عصر تسرب من بين أصابع واشنطون فلم يعد فى إمكانها أن تأمر ليطيعها أحد .
على الجانب الآخر , لم يرق لواشنطون مجموعة بريكس واعتبرتها منذ ولادتها تغييرا لقواعد النظام الدولى , وتمردا غير مقبول على الطموحات الأمريكية , وخصما من نفوذها , وإجهاضا لما سعت إليه قبل أن تقول الحرب العالمية الثانية وداعا .
لكن الولايات المتحدة التى ذاقت حلاوة الغطرسة , وراق لها صوت السياط تجلد به المختلفين عنها , تأبى إلا أن تعيش إلى الأبد
- الخيار الوحيد - لا تنفك واشنطون عن عبادة فوكاياما قد شغفها حبا ففتنت به , وجعلت من نظرته منهاجا , ومن نهاية التاريخ عقيدة , ونسجت من هذا المنطق خيوط عنكبوت ظنتها فولاذية تعيش إلى الأبد وصنعت به قضبانا تمترست خلفها , وكأنها جنان لاتزول تنمو وتثمر بها مصالحها .
ولما دار الزمان دورته , ونهضت روسيا من كبوتها , واغتنمت الصين موقعها بين الكبار , لم تستطع واشنطون أن تخرج من تلك القضبان , فأنكرت على النظام الدولى تغيراته , ورفضت تطوراته , دون أن يكون لديها الفكر البديل , أفلس العقل الأمريكى , فراحت تزمجر وتزأر وتتوعد كطفل جاءه أبواه بما لا يحب فراح يصرخ حتى أنهكه التعب .
إن قلعة الحرية لا ترى العالم إلا عبيدا قد أدمت معصمهم بما تسميه واشنطون " القيم الأمريكية الراقية " ولم تجن من تلك السياسة إلا مزيدا من الفشل فى السيطرة على العالم .
وأصبحت واشنطون هتلر جديد قد أعمت انتصاراته الساحقة البصيرة والعقل لديه , فلم يعد يرى العالم إلا راكعا كأوروبا الذبيحة تحت أقدامه , ومن قمة الانتصارات جاءت النهاية .
هاجم هتلر المفتون بنفسه الإتحاد السوفيتى فكانت معركة ستالين جراد
– بداية النهاية – فلم يكبد أحد الهزائم للألمان كما فعل الروس , أما هتلر فقد توسع أكثر مما يجب , وفقد تمييز اللحظة التى ينبغى التوقف عندها , وهاجم الجميع حتى أطبق عليه الجميع .
أما الروس فلا ينهزمون قط , قد يخسرون معركة , ولكن الحرب لهم .
أما واشنطون لم تع الدرس , وتوسعت أكثر مما يجب وأسرفت فى استخدام قوتها الغاشمة , وظنت أنها ملكت الحاضر والمستقبل وكأن الزمان انتهى تحت أقدامها , وأخذت تبطش وتتغطرس بلا حساب وكأنها النهار الأبدى فلا ضرائب ستدفعها , ولا قيامة لروسيا ولا نهضة لأحد , قد بات البيت الأبيض قبلة يطوف حولها الجميع .
والآن تهاجم واشنطون بكين وموسكو معا , فهى لم تدرك أن من بين الأمجاد تتسلل الهزائم , ومن رحم القوة يولد التدهور , ومن على قمة الجبل يبدأ الإنزلاق .
الآن نعيش لحظة مشابهة لتلك اللحظة قبيل الحرب العالمية الأولى , حينما كان الصراع الفرنسى الألمانى يقود التحالفات الدولية والصراع فى أوروبا , وكان هناك خندق المانيا وحلفائها أمام خندق فرنسا وحلفائها
فبالإمس نظرت المانيا إلى النظام الدولى بكثير من الاستياء لأنه غير عادل , حيث هيمنت بريطانيا وفرنسا على عجلة قيادة العالم , لا المانيا قبلت أن تكون على الهامش ولديها كل هذة المقومات الثقافية والبشرية والاقتصادية , فسعت إلى تغيير قواعد النظام الدولى لاغتنام موقعها تحت الشمس , ولا بريطانيا وفرنسا قبلتا بتغيير تلك القواعد ومزاحمة المانيا على عجلة القيادة , فكان الصدام .
وما إن انطلقت رصاصة سراييفو قاتلة ولى عهد النمسا حتى خرجت الأمور عن السيطرة وانزلق الجميع فى مغبة الحرب .
أما بلجيكا - المحايدة - لم يصمد حيادها أمام هجمات الألمان , فإنضمت إلى جبهة الحلفاء , كان ذلك قدرها الذى فرضه عليها موقعها الجغرافى .
الآن لا الصين وروسيا يقبلان الهيمنة الأمريكية ويكونان فى ظلها على الهامش , ولا الولايات المتحدة تقبل بتغيير قواعد النظام الدولى أو أن يحرمها أحد باحتكارعجلة القيادة وسيحدث الصدام .
الآن نعيش خندق الصين وروسيا وحلفائهما أمام خندق الولايات المتحدة وحلفائها , ولن يكون صعبا خروج الأمر عن السيطرة ولنفس السبب .
وبعد الثلاثة والثلاثين عاما , ها نحن من جديد فى عالم ثنائى القطبية.
طرف يريد أن يبقى إلى الأبد وحدة يقود العالم , وأطراف تتمرد - وتغتنم لنفسها مكانا تحت الشمس -
قطبان يحكمان العالم , فعدنا مرة أخرى إلى عالم شرقى وعالم غربى , عالم تحكمه واشنطون , وعالم تحكمه موسكو وبكين عالم مجموعة السبع وعالم بريكس ، ومن جديد عادت الإنسانية إلى الاستقطاب وإلى ضيق الخيارات ، فأنت إما مع توقيع عقوبات على روسيا مع واشنطون ضد موسكو ،أو ترفض تلك العقوبات فتصبح مع موسكو ضد واشنطون .
الأمر الذى يجعل من الحرب العالمية الثالثة حقيقة تنقشع عنها السحب يوما بعد آخر , فتظهر شمسها المحرقة , بينما تزدحم طرق المفاوضات بين القوى المتحاربة بغيوم ملبدة , أحالت أية صيغة لتسوية سلمية بينهم إلى سفينة تتقاذفها الأمواج فى بحرهائج وقد ضلت طريق الشاطئ , بينما تنتشر الجبال من حولها كوحوش قد تأهبت للإنقضاض .
كارهو الاستقطاب والباحثون عن التوازن بين هذة العواصف العاتية مثل مصر والسعودية والإمارات والهند وغيرهم يتلمسون طرقاتهم بين لهيب مستعر, يبحثون عن بعض الظل فلا يجدون إلا الحرائق وقد أوشكت على الإمساك ببيوتهم الخشبية .
هذا الصراع قد لاحت مآلاته , فهناك حيث تنفذ فرص المفاوضات وتشيخ التسويات ويتعذرالتلاقى, حيث كل متمترس فى موقعه قد أعد العدة وكشف عن أنيابه الغليظة , سيتباعد الجميع ليقتربون من النهاية التى شيدوا بأنفسهم أعمدتها , وسيصمت الجميع إلا عن اللهيب من القول , هنا سيشق ضجيج الصمت دوى المدافع وأنين الضعفاء , فلا حوار أجدى ولا مفاوضات أثمرت قد أخرجت الأرض أثقالها وتزلزلت ، وكل أحلامنا عن تفادى هذا المصير ستبيت ماض، كانت صرحا من خيال فهوت , إنها الحرب العالمية الثالثة .
لا مجال لمنع حدوثها وكل الجهود المبذولة الآن هى فقط لإرجاء المواجهة , ليعد كل طرف عدته لمواجهة خصمه أكثر قوة .
وعندما يأتينا هذا المصير , لن يكون هناك مجال للتوازن والحياد , سيحترق الجميع , ولا نجاه من تلك الحرائق إلأ بالتحاف نيران أحد الفريقين ضد الآخر .
فهل إنضمام مصر إلى البريكس تنويع للاختيارات أم حسم لتلك الاختيارات ؟
كاتبة المقال منى النشار خبيرة شؤون خارجية