بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

حمدي كسكين يكتب يوم في ذاكرتي:: ( ليلة خسوف القمر )

الكاتب
-

بينما كنت ألهو وألعب مع بعض الصبية صغيرا في احدي الليالي بجوار بيتنا ...فوجئت بامي وأمهات الصبية ينادونهم للرجوع للبيت بدأ الظلام يشق طريقه في سماء قريتنا وبدأت ملامح الليل البهيم بسواده وعتمته تطبق علي المكان

سمعت دبيبا ونمنمة وكلام غير مفهوم بالنسبة لطفل مازال صغيرا .....كانت امي في تلك الليلة تجلس علي المصطبة امام بيتنا الكبير......تفترش حصيرا من سمار المر وهونوع رخيص من الحصير....تتجمع حول أمي النسوة من أقاربنا وبنات العائلة وبعض الصبية الصغار ......تتوسط الجميع جدتي بتقاسيم وجهها المشرق البسام وقد حفر الزمن بأهاته وصعابه اخاديد من الهم والمشقة علي وجهها ....النسوةوامي مشغولين بتبادل الضحكات التي ترتسم علي محياهم الجميل بعد يوم من مشقة التعب ......وفجأة وبدون مقدمات تعلو الاصوات والهمهمات وتتجمع حول جدتي النسوة وتتعالي الاصوات رويدا رويدا واجري مسرعا نحو صوت اخي الاكبر وابناء عمومتي وشباب القرية يتجمع رويدا رويدا وتزداد الجلبة والضجيج والكل يجري مسرعا بلا هدف والاعين كلها متطلعة للسماء محملقة ببصرها نحو القمر الذي بدأ نوره يخفت رويدا رويدا بعد ان كان واضحا جليا منيرا في تمام الكمال الوضوح .... بدأ القمر يظهر عليه علامات الأعياء ويتحول لونه الي اللون الأحمر الدموي وكأن بنات الحور نجحوا في احكام قبضتهم عليه وبنات الجنة هن الاخريات يريدون احكام قبضتهم عليه ليقع في قبضتهم وهو واضح للعيان وكأنه يخوض معركة الوجود لينجو من بين أيديهم تظهر بقايا قرص القمر بلون أحمر دموي وكأنه يتفلت من أيديهم طالبا النجاة والصبية الصغار بأغطية الحلل وألأواني النحاسية يطرقونها لتحدث ضجيجا ومازال قرع الطبول لعمي جمعة الطباع يقود أسراب الجموع التي تسير وراءه علي غير هدي

ويعلو أصوات الجموع بالصياح والندب ..يابنات الجنة الجنة --فكوا قمرنا خلوه يتهني.........يابنات الحور الحور فكوا قمرنا خلوه ينور واسمع نحيب جدتي وهي تضرب علي صدرها وحشرجتها بالبكاء وهي تتوسل للسماء لعل الله يستجيب لدعائها وينقذ القمر من ايدي جلاديه من بنات الحور وبنات الجنة المتصارعين عليه وما زالت الوفود تملأ الشوارع وتطرق الصفيح أو اغطية الحلل النحاسية وتقرع طبول الريس عبدالعال ابوسليم طبال اكياد البحرية وتتعالي اصوات قرع الطيول بواسطة الريس جمعة طبال اكياد القبلية والكل شاخص البصر صوب القمر الذي يختفي في هدؤ مغادرا ضؤه... الليل يسدل باستاره علي المكان وكل الابصار شاخصة الي السماء تستطلع المجهول وانا لا أفهم شيئا ولا يدرك عقلي الصغير حقيقة الامور وما زلت اجري مهرولا بساقين دقيقتين وجسد نحيل وسط الحشود البشرية خلف الريس عبدالعال بالطبل البلدي يقابله عمي جمعة الطبال وحوله اهالي القرية الكل عيونهم مازالت شاخصة للسماء تبحث عن القمر الذي اختطفته السماء ويعلو صوت جدتي التي ضاع حذاءها وسط الزحمة والصخب و الضجيج وهي ترفع صوتها في مشهد جنائزي رهيب ومخيف لا يقطعه الا اغاني الجميع علي دقات الطبول

يابنات الحور الحور........سيبوا قمرنا خلوه ينور

يابنات الجنة الجنة ......سيبوا قمرنا خلوه يتهنا

وانا اردد وراءهم متمتما بكلمات اسمعها وغير مفهومة ونجوب جميعا شوارع القريبة في هذا المشهد المؤثر الرهيب نتوسل لبنات الحور مرة ...وبنات الجنة مرة اخري ان يطلقوا سراح قمرنا لينير هذا الكون الجميل

وفجاة وبلا مقدمات تطلق بنات الحور وبنات الجنة سراح قمرنا ....الذين اختطفوه وارادوا خنقه واغتياله والقضاء عليه حسب معتقد جدتي..........ويبدأ القمر ينشر ضؤه ويسترد عافيته ويستكمل قرصه الذي يدل علي اطلاق صراحه بعد ان تعاطفت معه جموع أهالينا الطيبين الذين شاركوه معركة الخلاص من ربقة خنق بنات الحور والجنة له وتظهر علامات

الرضا والسعادة والسرور علي محيا جدتي الجميل بعد ان قادتنا في غزوة الانعتاق والحرية لقمرنا لينير سماء قريتنا الهادئ الرحب الفسيح

تمر السنون وتمضي الايام ومازالت هذه الاهازيج والاغنيات محفورة في وجداني

ارددها كلما تعرض القمر لمكروه