الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : النادى الأهلي قدوة أم قنبلة موقوتة؟

قد يغضب الكثيرون من هذا المقال، خاصة من الأصدقاء والزملاء الذين يحملون حبًا كبيرًا للنادي الأهلي، نادي القرن كما يطلقون عليه، وربما تصل الانتقادات إلى حد التجريح فيما يتضمنة المقال، لكن الحقيقة لا تعرف الألوان، ولا تقف عند حدود الأهلي أو الزمالك، نحن هنا لا ندافع عن طرف ضد آخر، بل ندافع عن سمعة الرياضة المصرية ومؤسساتها التي لا يجوز أن تُستخدم كأداة في صراع بين الأندية.
الجماهير كانت متشوقة لهذا اللقاء، سواء من المصريين أومن الدول العربية الشقيقة التي تتابع الدوري المصري بشغف،هذه ليست مجرد مباراة، بل هي مناسبة وطنية رياضية، والمساس بها هو مساس بسمعة الرياضة المصرية على الصعيد الدولي.
نادي القرن، بكل ما يحمله من ألقاب وتاريخ عريق، من المفترض أن يكون قدوة لبقية الأندية، لكنه اليوم بات كالقنبلة الموقوتة، ينتظر الجميع لحظة انفجاره بتصريحات وقرارات تشكك في الحكام واتحاد الكرة، ورابطة الأندية.
هذه ليست مسألة شخصية ولا مباراة عابرة، بل هي سمعة دولة بأكملها، سمعة حكامها الذين قدموا الكثير، وسمعة مؤسساتها الرياضية التي تبذل جهدًا كبيرًا لتنظيم بطولة نظيفة وعادلة.
لماذا أصبح الأهلي، الذي كان رمزًا للانضباط، يتصدر مشهد التشكيك والانسحاب؟ هل هذا هو النادي الذي يفتخر محبوه بأنه الأكثر تتويجًا؟ نادي المبادئ يجب أن يحترم الحكام المصريين واتحاد كرة القدم ورابطة الأندية، ويكون قدوة للأجيال المقبلة، لا أن ينزل إلى هذا المستوى من إثارة الفوضى والتشكيك.
يبدو أن نادي القرن لا يكتفي بالألقاب والكؤوس، بل يسعى اليوم لتصدر عناوين المفاجأت الرياضية بعد قراره الصادم بالانسحاب من مباراة القمة أمام الزمالك، وتهديده بالانسحاب من الدوري المصري.
كيف لنادٍ بحجم النادي الأهلي، الذي طالما تغنى جماهيره بأنه زعيم الكرة المصرية والأفريقية، أن ينزل إلى هذا المستوى من التشكيك في الحكام المصريين، وفي اتحاد الكرة ورابطة الأندية؟ هل أصبح الأهلي ناديًا فوق الجميع؟ أم أن فكرة "القرن" قد أصابت عيون مسؤوليه عن رؤية الحقائق وتحمل مسؤولياتهم أمام الجماهير والرياضة المصرية؟
حكامنا "مش قد المقام" ؟
في خطوة أقل ما يقال عنها أنها "إهانة"، قررالأهلي التشكيك في قدرة الحكام المصريين على إدارة مباراة القمة، هل وصل الحال بنادي الأهلي إلى أن يرى الحكام المصريين غير مؤهلين لإدارة مباراة كرة قدم ؟ هؤلاء الحكام الذين خاضوا غمار المباريات المحلية والدولية، هؤلاء الحكام الذين تحملوا الضغوط في أجواء مشحونة، سواء داخل الملعب أو من المدرجات، لماذا هذا التجاهل الفج لدورهم ولقدرتهم؟ هل الأهلي أصبح يرى نفسه فوق الكرة المصرية؟ وهل يحتاج "نادي القرن" إلى حكام أجانب ليضمن الفوز؟
الحقيقة أن النادي الأهلي يعاني من مشكلة ثقة، لا في الحكام فقط، بل في نفسه وفي لاعبيه، هذا الفريق الذي طالما عرفناه بقوته وإصراره على الفوز، أصبح اليوم يشكك في كل شيء حوله، أين الروح القتالية؟ أين الحماس والشغف الذي كان يدفع الأهلي دائمًا للانتصار في أحلك الظروف؟ الأهلي اليوم لم يعد ذلك الفريق الذي نعرفه، أصبح أسيرًا للأعذار والاتهامات.
اتحاد الكرة ورابطة الأندية في مرمى التشكيك
ولا يتوقف الأمر عند الحكام فقط، بل إن الأهلي يفتح النار على اتحاد الكرة ورابطة الأندية، هل وصل الأمر إلى التشكيك في قدرة هذه المؤسسات على إدارة الدوري؟ ما الذي يريده الأهلي؟ اتحاد كرة القدم الذي يدير اللعبة منذ عقود، ورابطة الأندية التي تعمل بجهد لتطوير المسابقة، أصبحا فجأة غير مؤهلين من وجهة نظر الأهلي، هل يعتقد النادي أنه وحده من يعرف مصلحة الكرة المصرية؟
عندما ينسحب "نادي القرن" بهذا الشكل الصادم، فإنه يرسل رسالة سلبية لكل الأندية الأخرى، كيف ستثق الفرق في عدالة المسابقات إذا كان "الكبير" يشكك في كل شيء؟ وما هو مصير اللعبة إذا كان الأهلي، بتاريخه وثقله، يعترض على كل قرار وكل حكم؟ هذه ليست مسألة مباراة أو قرار تحكيمي، بل هي هدم للثقة في المنظومة بأكملها.
الحكام المصريون.. أي إهانة هذه؟
نحن لا نهاجم الأهلي، بل ندافع عن شرف الحكام المصريين، الذين تعرضوا لإهانة كبيرة بتشكيك نادي القرن في قدرتهم على إدارة مباراة قمة، هذه ليست مجرد مباراة، بل هي اختبار لمكانة الكرة المصرية بأكملها، هل يرضى جمهور الأهلي أن يتم التشكيك في كفاءة هؤلاء الحكام الذين خاضوا مباريات دولية وأداروا مواجهات صعبة؟
من العيب أن نصل إلى مرحلة نشكك فيها في قدرة الحكام لمجرد أن ناديًا لم يعجبه قرار ما أو نتيجة معينة، الحكام بشر، يصيبون ويخطئون، لكنهم عماد أي بطولة، والكرة المصرية لا يمكن أن تستمر بدون ثقتنا فيهم.
العواقب الاقتصادية.. هل يدرك الأهلي حجم الخسائر؟
هل فكر الأهلي لحظة واحدة في العواقب الاقتصادية الكارثية التي ستترتب على هذا الانسحاب؟ الأندية المصرية تعتمد بشكل كبير على عقود البث والرعاية والإعلانات، وهذه العقود مبنية على استمرارية المسابقة وجاذبيتها للجماهير، عندما ينسحب نادٍ بحجم الأهلي، فإنه يضرب بعرض الحائط كل هذه العقود والالتزامات، هل سيتحمل الأهلي خسائر عقود البث والرعاية؟ ماذا عن تذاكر الجماهير التي دفعت أموالها لحضور المباريات؟ من سيتحمل هذه التكاليف؟
ثم هناك الغرامة المدوية التي فرضتها رابطة الأندية، والتي تصل إلى 20 مليون جنيه مصري، هل الأهلي مستعد لدفع هذا المبلغ الضخم مقابل قرار متسرع وغير محسوب؟ ماذا عن التكلفة النفسية على جماهيره التي تعيش حالة من الغضب والإحباط؟ الانسحاب لا يعني فقط خسارة مباراة، بل هو خيانة لكل جماهير الأهلي التي تقف خلف الفريق في السراء والضراء.
هل هذا هو الأهلي الذي نعرفه؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي ينسحب فيها الأهلي من مباراة أو بطولة، لكن كل مرة كانت أسوأ من سابقتها، عام 1941 انسحب الأهلي بعد تتويج الزمالك بالبطولة، في سلوك يعبر عن مرارة الهزيمة، وفي عام 1966، قرر الأهلي الانسحاب من القمة بعد 20 دقيقة فقط، بحجة عدم احتساب هدف، ثم جاء موسم 1972 ليشهد انسحابًا آخر، هذه المرة اعتراضًا على قرارات التحكيم. اليوم، نرى نفس السيناريو يتكرر، وكأن الأهلي لم يتعلم من أخطائه، هل هذا هو الفريق الذي يتغنى به محبوه على أنه "نادي المبادئ"؟
هل الأهلي يهرب من أزماته؟
لا يمكن تجاهل أن الأهلي يمر بفترة صعبة، سواء على المستوى الفني أو الإداري، ربما يكون هذا الانسحاب محاولة للهروب من مواجهة المشكلات الحقيقية داخل الفريق، فبدلًا من العمل على تحسين الأداء وحل الأزمات الفنية، يختار الأهلي الطريق السهل، وهو التشكيك في الحكام والانسحاب من البطولة، لكن الهروب لا يحل المشكلات، بل يزيدها تعقيدًا.
الأهلي اليوم يقف على مفترق طرق، هل سيختار المواجهة وتحمل المسؤولية؟ أم سيستمر في سياسة التشكيك والانسحاب؟ الأندية الكبيرة تُعرف بمواقفها، وليس بهروبها من التحديات.
نحن لا ندعو للانحياز لأي طرف، بل ندعو الأهلي، نادي المبادئ كما يحب مشجعوه أن يسموه، إلى أن يتخذ موقفًا أكثر نضجًا واحترامًا للمؤسسات الرياضية المصرية،ولا يجب أن تكون الأمور أهلي وزمالك، بل يجب أن تكون قضية سمعة مصر ورياضتها ومكانتها.
على النادي الأهلي أن يدرك أن احترام الحكام المصريين واتحاد الكرة ورابطة الأندية هو احترام للرياضة المصرية بأكملها، هذه المؤسسات لا تخدم ناديًا واحدًا، بل تخدم مصلحة الكرة المصرية بكل أنديتها وجماهيرها.