راح يشتغل ما رجعش.. نهاية مأساوية لشاب تحت الونش

كان صباحًا باهتًا في شبرا الخيمة، والشارع لا يزال يرمش من أثر النوم، حين أغلق محمد الباب خلفه ومضى، يحمل على كتفيه حقيبة صغيرة بداخلها سندويش من يد أمه ودعوة صامتة منها ألا يصيبه مكروه، لم يكن في جيبه سوى بطاقة عمله، ولا في قلبه إلا أمنية بسيطة: أن يمر اليوم دون متاعب، وأن يعود كما خرج.
كان في السابعة عشرة، لكنه بدا أكبر من عمره بكثير، شاب نحيل الوجه، تشققت كفاه من التعب، تعلّم كيف يواجه الحياة بيدين عاريتين، وكيف يتحمل المسؤولية في سنٍ مبكرة دون أن يشكو أو يتراجع.
وصل إلى مصنع العبوات في مدينة العبور، ودخل بين صفوف الحديد والمعدن والزحام، كعادته، دون أن يدري أن هذه المرة ستكون الأخيرة، وأن المصنع لن يحتفظ له إلا بصدى صوته، وبعض الدماء على الأرض.
في لحظة خاطفة، وبينما كان يعمل بهدوء، اهتزت الرافعة فوق رأسه، سقط الحديد الثقيل كأنه غضب القدر، لم يصرخ طويلًا، بل سُمع له صوت واحد، ثم عمّ المكان سكون لم يعهده العمال من قبل.
هرول الجميع نحوه، وجدوه مُمددًا لا يقوى على التنفس، عيونه نصف مفتوحة، ودمه يسيل بلا توقف، حملوه مسرعين إلى أقرب مستشفى، كانوا يتشبثون بأي أمل، لكن المستشفى لم يمنحهم سوى الصدمة، فقد رحل محمد، ولم يعد.
الجهات المختصة بدأت التحقيق في تفاصيل الحادث، وتم احتجاز صاحب المصنع لحين استيضاح ملابسات ما حدث، خاصة في ظل الاشتباه بوجود إهمال جسيم، كما طلبت النيابة من الهيئة العامة للتنمية الصناعية بيانًا حول وضع المصنع القانوني، وهل هو مرخص أم لا.
ولم تتوقف الإجراءات عند هذا الحد، بل جرى تشكيل لجنة ثلاثية من هيئة السلامة والصحة المهنية لفحص ظروف العمل داخل المصنع، ومراجعة مدى الالتزام بمعايير السلامة المعمول بها، على أن يتم إعداد تقرير شامل عن أي تقصير قد يكون السبب في هذه المأساة التي أنهت حياة شاب خرج يبحث عن لقمة عيش، فعاد جثة بلا حياة.