الكاتب الصحفى سعد صديق يكتب: اروح لمين ومين يرجعلى النت

"أروح لمين؟" سؤالٌ طرحته كوكب الشرق السيدة أم كلثوم على مسرح الغرام، وأعيدُ أنا طرحه من مسرح العذاب التكنولوجي اليومي، بعدما تحولت شبكة الإنترنت في منزلي من وسيلة للاتصال بالعالم إلى وسيلة لفقدان الأعصاب، ومن أداة للإنتاج الصحفي إلى أداة للتأمل الصامت في دوائر التحميل التي لا تنتهي، "أروح لمين؟ وأقول يا مين؟ ينصفني منك يا شركة الإنترنت؟!"
لقد صارت علاقتي بالإنترنت تشبه علاقة فنانٍ عجوز بمسرحٍ متهالك؛ أكتب كلماتي ثم أراقبها وهي تتعذب في الطريق إلى الخادم، تتوسل أن تصل، أن تُنشر، أن تُرى، لكن عبثًا.
في زمن السرعة، تحولت شبكة الإنترنت لديّ إلى سلحفاة هرِمة، تتنفس بصعوبة، وتتحرك بجنازير من الحنين إلى عهد الـDial-up،ومع كل محاولة لفتح بريد إلكتروني، أو إرسال تقرير، أو حتى تحميل صورة، أشعر وكأني أدفع طائرة ورقية في مواجهة إعصار، والشلل الذي أصاب عملي الصحفي لم يكن بطيئًا، بل زاحفًا... قاتلًا... ولا عزاء للضحية.
نعم، نحن نعيش في عصر السرعة، لكن يبدو أن الإنترنت لديّ قرر أن يكون وفديًا قديمًا، يؤمن بالمفاوضات الهادئة والبروتوكولات المتهالكة، رافضًا كل أشكال التقدم، إلا في الفاتورة التى تصل الى 900 جنية شهرياً.
لم أعد أحتاج من يخبرني بوفاة تليفوني الأرضي، فقد كنت الشاهد الوحيد على اللحظة التي لفظ فيها أنفاسه الأخيرة، وتحول إلى جثة هامدة. بلا كفن، بلا عزاء، وبلا بارقة أمل في عودته، كل ما تبقى منه هو صوت الصمت، ورنين لا يُسمع
تليفوني الأرضي ليس عاطلًا منذ 15 يومًا فقط، بل هو في حالة أعطال مستمرة لا تنتهي، وتزداد سوءًا يومًا بعد يوم، حتى باتت الـ15 يومًا الأخيرة هي القشة التي قصمت ظهر الصبر. لا حرارة، لا اتصال، لا إنترنت... فقط فواتير تتوالى وكأن الخدمة تعمل بكفاءة "خيالية"
أنا صحفي أعيش بخبري العاجل، أتواصل مع مصادري على مدار الساعة، أكتب، أرسل، أستقبل، وكل ذلك لم يعد ممكنًا، توقفت عجلة عملي، تعطلت حياتي، لا لأنني كسول أو مهمل، بل لأن البنية التحتية لقطاع الاتصالات في منطقتي تنهار بهدوء،وأنا أنهار معها ،اتصلت بخدمة العملاء مرارًا وتكرارًا، ردود محفوظة، ووعود بائسة، وحلول مؤقتة لا تصمد أكثر من ساعات – إن صمدت أصلاً، أشعر وكأنني أصرخ داخل زجاجة، لا أحد يسمع، ولا أحد يهتم
العنوان واضح، والصوت يجب أن يكون أوضح، رقم التليفون الأرضي0228741114 ، الاسم: سعد صديق البسيوني محمد ، المنطقة: عزبة النخل – سنترال المرج – محافظة القاهرة
رسالتي إلى الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات،هل يُعقل أن يفقد صحفي عمله بسبب خدمة تليفون وإنترنت لا تليق بعام 2025؟ هل من العدل أن أُجبر على التفكير في ترك مهنتي الوحيدة التي مارستها على مدى 15 عامًا لأنني لا أملك إشارة أو خطًا مستقرًا؟ ما البديل؟ أن أتحول إلى بائع فشار؟ أو أن أعمل في تفسير الأحلام لمن يرون الراوتر يعمل في المنام؟هل أصبح مصير الصحفي في مصر مرهونًا بكابل متهالك أو راوتر يحتضر؟
هذه ليست شكوى شخصية، بل صرخة مجتمع بأكملهأعيدواا لنا حقنا في خدمة مستقرة، أعيدوا لنا مهنتا ،أعيدوا لنا الإنترنت قبل أن نتحول إلى طوابير بطالة جديدة، ضحايا لانقطاع الخدمة لا، لانقطاع الأمل.
معالي وزير الاتصالات، هل ستنقذ مستقبلي الصحفي؟ هل ستقف بجانبي؟ سؤالي ليس رفاهية، وليس طلبًا استثنائيًا، بل هو نداء استغاثة حقيقي من مواطن مصري قرر أن يُخلص عمره للصحافة، أن يكون عين الناس وصوتهم، أن يكتب ليكشف الحقيقة، لا ليكتب الشكاوى... لكنني اليوم أناشدك – كمسؤول وكمواطن قبلك – أن تتدخل بشكل مباشر لإنهاء هذه الأزمة التي تهدد رزقي وعملي وحياتي المهنية.
هل يُعقل أن صحفيًا قضى 15 عامًا في المهنة، يُجبر على التفكير في تركها، ليس لأنه فقد الشغف أو القدرة، بل لأن سلك تالف حرمه من الدخول على الإنترنت، ومن إرسال تقاريره، ومن مواكبة مجريات الأحداث؟
معالي الوزير، هل ستتركني فريسة لأعطال لا تنتهي، في وقت أصبح فيه الإنترنت شرطًا أساسيًا لممارسة الصحافة؟ هل ستقف مكتوف الأيدي بينما تُسحب من تحت قدمي الأرض الوحيدة التي أقف عليها؟هل أُعاقب لأني اخترت أن أعمل بكرامة، دون واسطة، دون منصب، دون حماية، سوى حماية الدولة التي أؤمن بها؟
أنا لا أطلب امتيازًا، فقط أطلب حقًا بسيطًا أن أعمل ولا يضيع مستقبلى المهنىالذى قارب على الـ 15 عاماً