الكاتب الصحفى محمد المصرى..الاستجوابات دخلت البرلمان .. ولم تخرج !
لا أدرى ما الذى أصاب الدور الرقابى فى البرلمان فى سنواته الأخيرة ؟.
لقد تم إجهاض أهم وسيلة رقابية على الحكومة وهى أداة الاستجواب التى تعتبر أقوى أسلحة النواب وأخطرها لمحاسبة الوزراء والمسئولين .. وكفلها لهم الدستور واللائحة الداخلية .
فاللأسف الشديد كنا نلاحظ أن الاستجوابات التى كان يقدمها النواب كانت تدخل أدراج هيئة مكتب المجلس .. ولا تخرج منها بفعل فاعل .!
فهل يصدق أحد أن فصل تشريعى كامل ( 5 سنوات ) لم يناقش فيه سوى استجواب واحد فقط “ هزيل “ تقدم به النائب محمد الحسينى عن مساوىء مستشفى بولاق العام وقلة امكانياتها وسوء أحوالها .. وانحصرالكلام عن هذا المستشفى فقط ، ولم يتعرض للحالة المتردية للكثير من المستشقيات الحكومية فى المحافظات والوحدات الصحية فى القرى والنجوع .!
وكان رد وزيرة الصحة السابقة فى ذلك الوقت أكثر هزلاً من كلام المستجوب.. وعشنا ساعات طويلة وقتها للبحث عن إجابة حول سؤال : هل الصور التى قدمها المستجوب عن المستشفى تعتبر جزءاً من الاستجواب أم لا ؟! .
وفى نفس الفصل التشريعى نجد استجواباً مهماً عن تلوث البيئة وعن مقالب الزبالة المفتوحة ، وعدم إغلاقها رغم أضرارها ،وعدم مراقبة المنشأت الصناعية وفق الشروط الفنية، وعن استيراد النفايات من الخارج تقدمت به النائبة السابقة د. شرين فراج إلى وزيرة البيئة ولكنه لم ير النور فى المجلس لسنوات طويلة بحجج واهية .!
أما بالنسبة للفصل التشريعى الحالى والذى مضى منه 3 دورات برلمانية حتى الآن فلم يناقش فيه أى استجواب رغم أن المجلس وافق على تحديد موعد لمناقشة استجواب مقدم من النائب نادر مصطفى من تنسيقية الشباب لوزير الإعلام السابق حول فشله في تنفيذ الاختصاصات التى صدر بها قرار رئيس مجلس الوزراء الخاصة بوزارة الإعلام ولم يتحقق منها شيئ وعدم التنسيق بين الهيئات الإعلامية ،و عدم وضع استراتيجة واضحه للإعلام كما جمع الوزير بين منصب الوزارة ورئاسته لمدينة الإنتاج الإعلامى .. ولكن استقالة الوزير كانت أسبق من موعد المناقشة وسقط الاستجواب بإستقالة الوزير!
وأذكر أننى كنت أستمع للدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب السابق وهو يقدم تبريرات غريبة وعجيبة لاجهاض هذه الوسيلة الرقابية الخطيرة .. فبعض الاستجوابات لم تتوافر فيها الشروط الشكلية والموضوعية كما كان يقول.. وأن الاستجواب هو إجراء خشن يترتب عليه سحب الثقة من الحكومة أو توجيه الشكر لها ثم الانتقال إلى جدول الأعمال وفى الحالتين الحكومة تكسب الجولة وليس المجلس النيابى ، وأن الاستجوابات تم الغاؤها من بعض الدساتير ومنها الدستور الفرنسى ، وأنه فى ظل المراحل الانتقالية يكون استخدام مثل هذه الاجراءات قليل جداً والتركيز يكون على الأداء التشريعى خاصة أن المؤسسات الدستورية فى المراحل الانتقالية تكون ضعيفة .
ولا أعرف ما علاقة كل هذا الكلام والتبريرات بأن يمارس النواب حقهم الدستورى فى مراقبة أعمال الحكومة فالاستجواب جرس إنذار يقدمه النائب للحكومة عن فساد ما أو تردى الأوضاع فى قطاع من قطاعات الدولة أو تقصير فيها أوإهمال، فالاستجواب ليس كله شر كما كان يظن د. على عبد العال و لا يعطل مسيرة التنمية .!
وقد عاصرت عشرات الاستجوابات وكنت شاهداً عليها .. ومازال بعضها عالقا فى ذاكرتى وكأنه حدث بالأمس القريب .. وأتذكر بعض المفرادات التى قالها المستجوبون الذين كنا نتابع استجوابتهم بكل شغف وشوق .. و كنت أشعر فى بعض الأحيان أن القاعة تهتز وأن بعض الوزراء كان يتصبب منهم العرق من هول ما يسمعون .. رغم مقاطعات المنصة أو تشويش حزب الأغلبية.!
فهؤلاء النواب الشرفاء كانوا يدافعون عن مصالح المواطنين خارج القاعة .. ويكشفون الفساد فى كل العصور والأزمنة.. وانقذت هذه الاستجوابات مصرفى بعض الأحيان .. فلا يمكن أن ننسى استجواب المستشار الجليل ممتاز نصار الذى كشف فيه عن صفقة بيع هضبة الأهرام ْلإحدى الشركات الأجنيية المشبوهة لاستثمارها سياحياً ، وتدخل الرئيس السادات وقتها لوقف هذه الصفقة بعد الاستجواب .. أو استجواب المستشار عادل عيد لوزير الأوقاف الشيخ الشعراوى عن الفساد فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية .. ولا استجواب نائب الدرب الأحمر علوى حافظ عن طهارة الحكم فى التسعينيات والتربح من صفقات نقل شحنات السلاح الأمريكى لمصر .. أو استجوابات النائب الوفدى أحمد ناصر عن شركات توظيف الأموال وكشوف البركة .. أو استجوابات البدرى فرغلى لوزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى عن إهمال الآثار .. واستجوابات أبو العز الحريرى عن شركات الحديد والصلب .. أو استجوابات النائب القدير كمال خالد الذى حلت قضاياه أمام المحكمة الدستورية العليا مجلس الشعب مرتين .. و استجوابات نائب الساحل أحمد طه فى التسعينيات فى دفاعه عن الطبقة العمالية ،ونهب المال العام فى القروض التى منحتها البنوك للمقترضين بدون ضمانات كافية ، وهروب بعضهم من التسديد.. وغيرها كثر.
لقد شاهدت على مدى 40 سنة عشتها تحت القبة استجوابات وأسئلة وطلبات إحاطة قدمها المئات من النواب الشرفاء الذين كانوا لا يبغون من ورائها سوى صالح الناس والوطن .. وكنت شاهدا عليها وعايشتها بكل تفاصيلها .
اننى أتمنى أن تعود للرقابة البرلمانية الى قوتها مرة أخرى.. فنحن فى حاجة إليها ونحن نبنى مصر الجديدة . ولله الامر من قبل ومن بعد .!
كاتب المقال الكاتب الصحفى محمد المصرى مدير تحرير مجلة اكتوبر والمؤرخ البرلمانى