الكاتبة الصحفية أمال ربيع تكتب.. الاستهزاء والشعور بالنقص
انتشر بين الناس في معظم مجالسهم وتجمعاتهم آفة السخرية والاستهزاء بالآخرين، وهذا مرض اجتماعي سيء، وحكمه التحريم في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وهناك نوعين من الاستهزاء ، الصريح وهو ما كان صراحة بألفاظه وأقواله وأفعاله، لا يختلف عليه اثنان،وغير الصريح وهو ما كان بالإشارة والتلميح، والهمز واللمز؛ والاستهانة بأقدار الناس وكرامتهم واحتقارهم واستصغارهم سواء كان استفزاز بالكلام ،أو بالإشارة أو بأي طريقة أخرى وهما علامة وبرهان على الاستكبار، وعدم التنشئة والتربية السليمة التي تؤدى الى أحتقار الآخرين.
ونؤكد إن الشخصيات التى تستمتع بالسخرية و" التريقة "على الآخرين يعانون من اضطراب فى الشخصية أو مرض الفصام ،وفى الغالب تعانى هذه الشخصيات من اكتئاب وكبت كما تعانى من مرض التعالى والغرور وتحطيم كل الأطراف من حولها يخرجونه فى صورة هزار وسخرية على انفسهم ،وعلى الاخرين،مما يزيد من الشعور بالاحتقار والتقليل تجاه الآخرين ويشعر دائما أنه أفضل شخص فى العالم.
في الحقيقة إن السخرية ماهي إلا لعبة كبيرة يقف خلفها إبليس ، والسخرية تعبر عن اشد حالات الضيق التي تعتري عقلية من يتبناها ، فما يحدث حقيقة ان الشيطان يضحك حد الانبطاح من الذي يسخر من الآخرين ، لأن الساخر في الحقيقة لايسخر إلا من ” نفسه “ ،نعم فحين تشير بأصابع السخرية لشخص ما فأن بقية الأصابع تشير إليك أنت ! ، فهل لاحظت ذلك من قبل ؟
هناك أناس كانوا يتفنون في السخرية من الآخرين ودارت الأيام فأصبح الساخرون في حاله مؤلمه ، بينما من سخروا منهم في أحسن حال وأصبحوا من الناجحين في المجتمع ، فمن الذي المفترض إن يسخر من الآخر ؟
يحكي لي احدهم هذه القصة بنفسه ، ويقول لي ، كان بيننا زميل نكثر عليه السخرية ولانلقي له بالاً وأخذنا نتندر على حاله ونأخذ من وجوده فرصة للاستهزاء لإضحاك الجميع عليه ، ومضت الأيام وتركت ذلك المكان ولم أشاهده من يومها ، وبعد سنوات دخلت لأحد المؤسسات الكبرى وكانت لي معامله معطله حتى ظننت إنها لن تنتهي أبدا ، فقلت سوف اذهب للمدير فقد يساعدني ، وحين دخلت للمدير صعقت ، فمكن كان يجلس على كرسي المدير كان نفس ذلك الشخص الذي كنا نسخر منه منذ سنوات !! كنت أقف أمامه كالذليل الذي يطلب حاجته وانا اسأل نفسي هل سوف ينتقم من معاملتي السيئة له في الماضي ؟ ، وإذا به يبتسم في وجهي وقد عرفني ، ثم قال لي ، اجلس لقد عرفتك أنت فلان ابن فلان ، كيف حالك ، وقام بضيافتي ، وسألني إن كان يستطيع أن يخدمني ، وبصراحة لم تزدني معاملته إلا خجلاً من نفسي وشعرت بصغر نفسي ، فقلت له أن لدي معامله لديكم وأنا معطل عليها وشرحت الوضع له .. فقال لي ، هل هذا فقط ماتريده ، اذاًابشر ، ورفع سماعة هاتفه وخاطب
مسئول القسم الذي تعطلت معاملته فيه ، ثم أغلق الهاتف ونظر لي بابتسامه ،معاملتك انتهت وهي جاهزة وتستطيع استلامها !!
كان صاحب القصة يشرح لي الأحداث وفي عينيه نظرة ندم وخجل ،واخذ يقارن حالته اليوم بحالة ذلك الشخص ، فقد أصبح شخصاً ناجحاً بينما هو بقي على حاله إن لم يزد سوء ، وكانت علامات الندم لاتحتاج لمزيد من الشرح.
هنا سألت نفسي، هل يدرك كل إنسان حقيقة مايحيط به ؟
يتصرف الشخص أحيانا بطريقة تجعله يغرق في الضحك ، بينما لايدرك انه في الحقيقة يضحك من نفسه؟!! ولكن هل يدرك الساخر انه يفضح أمور أخرى في نفسه دون ان يشعر! فالحقيقة تقول إن من يسخر من الآخرين يعاني من شعور بالنقص في شخصيته ويحاول تغطيته بالسخرية من الآخرين ،وعكس ذلك تماماً تجد الشخص الواثق المعتز بنفسه ، فتجده يترفع عن السخرية من الآخرين في وجودهم أو غيابهم لأنه يدرك أن ذلك ينقص من قدر نفسه هو وليس غيره !
أقول للساخرين عليكم أن تعلموا إن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدى القرآن مجتمع له أدب رفيع، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس، أقول أيضاً إياكم والسخرية من الناس أو الهزء بالبؤساء فأنتم تجهلون الدور الذي تعده لكم الأقدار غدا.