ظاهرة جديدة تشق طريقها بصعوبة: الكنائس والنوادي الثقافية ببغداد ترفع شعار البعد عن السياسة والدين
بغداد حية فى المنتديات الثقافية والاهتمام بالتراث الحضارى وتشهد ظاهرة جديدة فى اهتمام المثقفين فى اجتماعاتهم الشهرية وفى اللقاءات الاجتماعية التى تشهدها الكنائس التى تضم أطيافًا مختلفة من المجتمع العراقى على اتباع أسلوب محدد وواضح للحوارات والمناقشات وهو البعد عن الدين والسياسة تمامًا لتجنب الخلاف والانشقاق وهو منهج جديد يمثل ظاهرة بدأت تشق طريقًا صعبًا داخل المجتمع العراقى بين بعض الفئات والمثقفين للعبور من النفق المظلم الذى تعيش فيه العراق الذى يمزق وحدتها فى الصراع السياسي والديني منذ عقدين من الزمان، وهذه الأحداث داخل بغداد ترصد التوجه الجديد وتروى بوضوح إيقاع الحياة الطبيعية داخل المجتمع العراقى.
فالحدث الأول يربط الحياة بالثقافة والفكر فى بغداد فقلبها ينبض بقوة، وهى تهتم بالثقافة والكتب وهو ارتباط راسخ طوال تاريخها وتقوم الآن المجالس الثقافية البغدادية بدور مهم في إحياء الثقافة العراقية وتتبع منهج واحد وثابت فى انعقادها شهريًا بانتظام هو مناقشة كافة القضايا بعيدًا عن الدين والسياسة بعد أن ثبت أنها تفرق ولا تجمع وتزيد من الصراعات.
وتنتشر النوادى والمجالس الثقافية بالمدن في معظم المحافظات ويحضرها بصفة دائمة الأدباء والشعراء والمثقفون وأساتذه الجامعات لمناقشة الكتب والإصدارات الجديدة ويحرص على استمرار انعقادها مثقفون يقومون باستضافة اللقاءات شهريًا في منازلهم ودعوة المثقفين لحضورها.
ويصف دورها صادق جاسم الربيعي رئيس الرابطة بأنها رئة مهمة للغاية للثقافة في العراق تجمع كل المثقفين دون استثناء، وتلعب دورًا كبيرًا في استمرار الاهتمام بالثقافة بالعراق وخارجه فى متابعة أحوال الثقافة والفكر والإبداع بكافة الدول العربية، بينما ألمح ضياء زلزله نائب رئيس الرابطة على أهمية اللقاءات بين المثقفين العرب داخل هذه الروابط كلما زاروا العراق، وتعمل على تعزيز العلاقات التاريخية والعريقة بين الدول العربية خاصة اللقاءات مع الوفود المصرية باعتبار أن الشقيقتين مصر والعراق يشكل عمقهما الثقافي والحضاري علامة مميزة في التراث الإنساني.
ويقع الحدث الثانى على بعد مئات الأمئار داخل العاصمة بغداد فى الكنيسة الكندالية بحي بغداد الجديد وبمجرد دخولها تسترجع تاريخ الكنائس الكندالية التى بدأت أيام الغساسنة، ويروى الأب عصام مسكوتي أحد الآباء بالكنيسة أنها منفتحة تجاه كافة مكونات الشعب العراقي وأنها ملتزمة بالانفتاح على الآخر في كافة نشاطاتها وأعمالها وتعقد لقاء ثقافيًا اجتماعيًا في الخميس من الأسبوع الثاني في كل شهر يحضره أطياف متنوعة من المجتمع العراقي يتم خلاله تناول كل الموضوعات الثقافية والاجتماعية ولايتم تناول أو مناقشة أي قضية مرتبطه بالدين والسياسة كمنهج في عقد هذه اللقاءات حتى إن فريق كرة القدم بالكنيسة من الأطفال والشباب المسلم ويدربه مدرب مسلم ويتواجدون في أي وقت بالكنيسة للتدريب وأداء المباريات ويلقون كل اهتمام ورعاية فابواب الكنيسة مفتوحة لهم طوال تاريخها.
والحدث الثالث يكشف عن اهتمام أهل العراق بتاريخهم وتراثهم ويوجد داخل بهو أحد الفنادق على نهر دجلة الذى يتواجد به مرسم صغير تنتشر به لوحات زيتية تجذب الأنظار للوهلة الأولي من استخدام ألوان مبهجة تحمل إضاءة عالية للصور المرسومة على القماش وبإطار ذهبي وفي نهاية الممر يجلس فنان شاب يمارس هوايته في رسم البيئة والتراث وذكريات الزمن الجميل على ضفاف الرافدين التي فقدت جزءًا من روحها ليذكرك بتفاصيل الحياة القديمة، التى لا يزال أهل العراق يتمسكون بها.
ويهتم الفنان سيف الخزعلي "٣٠" عامًا برسم تفاصيل طبيعية وواقعية للمنازل والملابس التراثية العراقية والأحياء القديمة والنقوش التراثية المنتشرة على جدرانها وأسلوب الحياة من نشاط وحركة وتجارة ومشاركة السيدات في الصيد والرعي وتنزه الأطفال بعد المدرسة في طريق عودتهم.
وكلها تشرح معالم الحياة وسعادتها التى كانت بالعراق فى زمن مضى وولى، لكنها لن تموت فالرسوم تحيي الأمل من جديد في النفوس لاستعادته لأنها تربط الماضي بالحاضر وتشعرك وأنت تشاهدها بأنك زرت مناطق كثيرة داخل العراق وغصت في أعماق تاريخه رغم أنك لم تبرح مكانك، فأهل العراق يريدون أن يستعيدوا وطنهم ومكانته التاريخية من جديد من خلال هذه المشاهد الحية الجميلة..
الكنائس والنوادى الثقافية ببغداد ترفع شعار البعد عن السياسة والدين