التجربة الصينية في مكافحة الفقر.. ثروة مشتركة لكل دول العالم
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية وحتى كسب المعركة الحاسمة ضد الفقر في عام 2020، ظلت مكافحة الفقر جزءاً مهماً من أعمال الحكومة الصينية والبناء الاجتماعي، فمن الصعب أن نتخيل أنه كان هناك عدد من الصينيين يعملون طوال النهار، ولا يجدون ما يأكلونه ليلاً، لذا فلم يكن بإمكانهم سوى النوم لاستعادة قوتهم. لقد كان هذا قبل تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، أما بعد تنفيذها، فقد أصبح البناء الاقتصادي مهمة مركزية للحكومة الصينية.
فنفذت الصين استراتيجيات مختلفة للحد من الفقر في فترات مختلفة مثل تعزيز إصلاح النظام الاقتصادي الريفي لدفع الحد من الفقر، والتخفيف من حدة الفقر من خلال التنمية الإقليمية، والتخفيف من حدة الفقر على نحو شامل وما إلى ذلك، وبذلك أنشأت الصين تدريجياً آلية عمل نظامية للحد من الفقر، وحقق نموذج الحد من الفقر تحولا كبيرا من الإغاثة إلى التنمية ثم إلى المشاركة، حسبما ذكر تشن جي الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة (صن يات سون) الصينية.
لقد وضعت الصين معيار التخفيف من حدة الفقر لأول مرة في العام 1986 بتحديد خط الفقر عند 206 يوانات، وبلغ حينها عدد الفقراء 125 مليون نسمة وفقا لهذا المعيار، وفي عام 1994، وفقًا لمعيار خط الفقر البالغ 500 يوان من الدخل السنوي للفرد الصافي حينئذ، كان عدد الفقراء في الريف الصيني يبلغ 80 مليونًا نسمة.
وعندما صاغت الصين خطة التنمية والتخفيف من حدة الفقر في الريف الصيني (2001-2011) للقرن الجديد في عام 2001، تم رفع معيار التخفيف من حدة الفقر إلى 865 يوانا، وهو ما يعادل حوالي 94 مليون نسمة من الفقراء.
أما في عام 2009، فقد ارتفع هذا المعيار إلى 1196 يوانا. وفي عام 2011، انعقد المؤتمر المركزي لأعمال التنمية والتخفيف من حدة الفقر في بكين، فقرر أخذ الدخل الصافي للفرد من الفلاحين بـ 2300 يوان كمعيار وطني جديد للتخفيف من حدة الفقر، أي ما يعادل تقريباً دولاراً أمريكياً واحداً لكل يوم. ووفقاً لهذا المعيار، فقد ازداد عدد الفقراء في البلاد إلى 128 مليون نسمة.
وقال جي إنه في القرن الحادي والعشرين، طرحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني هدف بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وأدخلت تعديلات كبيرة على مهمة وأهداف التخفيف من حدة الفقر، مع الأخذ في الاعتبار المناطق الوسطى والغربية كمناطق رئيسية للتخفيف من حدة الفقر، وتم اختيار 150 ألف قرية فقيرة على أساس 592 محافظة فقيرة رئيسية كأهداف للعمل الوطني للتخفيف من حدة الفقر. ووفقاً لمعايير التخفيف من حدة الفقر في ذلك الوقت، فقد انخفض عدد الفقراء في المناطق الريفية في الصين إلى حوالي 27 مليون نسمة، وانخفضت نسبة حدوث الفقر إلى 2.8% بحلول نهاية العام 2010.
وأوضح تشن جي الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة (صن يات سون) الصينية أنه مع دخول الصين حقبة جديدة من التنمية، أصبحت عملية تخليص جميع الفقراء الريفيين من الفقر، ومحو وصمة الفقر عن جميع المحافظات الفقيرة، ومعالجة الفقر الكلي الإقليمي، قضايا مهمة على الحكومة مواجهتها في العصر الجديد.
وفي 25 فبراير 2021 عُقد المؤتمر الوطني للاحتفال بإنجازات البلاد في القضاء على الفقر المدقع وتكريم نماذجها المثالية في مكافحة الفقر في بكين، وأعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ فيه رسمياً أن الصين قد حققت "انتصاراً كاملاً" في معركتها ضد الفقر؛ وفي 9 مارس العام نفسه، أرسل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ لتهنئة الصين على إنجازاتها التاريخية في القضاء على الفقر.
واليوم، فمن المعروف أن الصين قد حققت انتصارا كاملا في المعركة ضد الفقر بالتزامن مع الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، ووفقاً للمعايير الحالية، تم انتشال 99 مليون نسمة من براثن الفقر في الريف، ومحو وصمة الفقر عن 832 محافظة فقيرة، وتخليص 128 ألف قرية فقيرة من الفقر، حيث حلت الصين مشكلة الفقر الإقليمي وأنجزت مهمة شاقة للقضاء على الفقر المدقع، وحققت معجزة إنسانية سجلتها الصين في تاريخها العريق، وأقامت نُصبا تذكاريا في تاريخ الحد من الفقر.
ورأي تشن جي الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة (صن يات سون) الصينية أن هناك رؤيتين داخلية وخارجية بعد قضاء الصين على الفقر المدقع. تتمثل الرؤية الداخلية في توطيد وتوسيع إنجازات التخفيف من حدة الفقر، وتعزيز نهضة الأرياف بشكل شامل، والتماشي نحو الرخاء المشترك. وتتمثل الرؤية الخارجية في تحقيق هدف الحد من الفقر في خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة مع جميع دول العالم. لذلك، نلاحظ أن الصين طرحت "مبادرة التنمية العالمية". فهذا هو شعور إنساني لدى الصين كقوة مسؤولة، وهو يتماشى مع مبادرة الصين لبناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.