رئيس جامعة الأزهر الأسبق: اللغة العربية وعاء ديننا الحنيف اصطفاها الله دون سواها
قال الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إنَّ مكونات الهوية والشخصية الوطنية لأي مواطن في أي دولة في العالم لا تخرج عن ثلاثة أشياء: اللغة والدين والتاريخ، واللغات عمومًا تمثل وعاء الحضارات وهي مكون الثقافات والمفهوم والصورة الحضارية لأي شعب من الشعوب، ومن حسن الطالع أن لغتنا هي وعاء ديننا وقد اصطفاها الله -سبحانه- دون سواها، لأن هذه اللغة غريبة النشأة غريبة الاستمرار بما فيها من إمكانات وكأن الله أوحى بوحي الإلهام والإرشاد أهل هذه اللغة لاصطفاء نظامها الصوتي فهي متفردة.
وأضاف الدكتور الهدهد خلال كلمته في ندوة «من جهود مجلة الأزهر في النهوض باللغة العربية ودعم الهوية الوطنية» بمركز الأزهر للمؤتمرات أنَّ الأصوات هي الحياة للغات، وقد كان ابن جني -رحمه الله- شديد الذكاء حين عرَّف اللغة بأنها: «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»، وقد رأينا الإنجليزية التي هي أكثر لغات العالم شيوعًا قبل مئة عام كانت حبيسة الأدراج والأوراق لا يستطيع أن يفهمها ولا أن يتحدث بها إلا من تخصص في قرن من القرون السابقة، فإنجليزية اليوم ليست إنجليزية الأمس وليست لغة العصر السابق حتى أن اللغة الإنجليزية الأمريكية الآن صارت كأنها لغة أخرى، وذلك لأن الارتباط بالأصول ليس ثابتًا في هذه اللغات، وقد انفصلت عن اللغات لهجات فصارت لغة أخرى، فأم هذه اللغات اللاتينية ماتت وبقي أولادها مؤقتًا ثم يزولوا، فلا يتحدث أحد اللاتينية ولا يفهمها إلا من تخصص فيها فهي حبيسة ميتة.
وأكد رئيس جامعة الأزهر الأسبق أنَّ لغتنا العربية عجيبة في نشأتها فلم يعرف لها تاريخ ابتداء وإنما وردت إلينا فتيَّة هكذا، حتى إن الشعراء الجاهليين قالوا: ما نرانا نقول إلا معارًا. فأنت تتحدث عن لغة ما وصل إلينا مكتملًا ناضجًا في صورتها الإبداعية قبل 1650 عامًا وما زلنا وما زال طلابنا يفهمون هذه اللغة وكلام الشعراء بمجرد حل مجموعة من شفرات قليلة من القصيدة نفهم ما قاله هؤلاء الشعراء القدامى، فبالقطع وباليقين لا يمكن أن يكون ذلك التاريخ تاريخ ابتداء، ولكنه يكون تاريخ نضج وفتوَّة، فالله أودع في هذه اللغة ما يكتب لها الحياة، فهي أوسع لغات العالم من حيث المدرج الصوتي فعندنا أربعة وثلاثون صوتًا كل الجهاز الفيسيولوجي التشريحي يشارك في تكوين هذه الأصوات.
وأشار الدكتور الهدهد إلى أن العربية غنية وثرية وتستطيع أن تمثل الصوت المنطوق بحرف واحد لكن في اللغات الأخرى تحتاج إلى عدة حروف حتى تُكوّن صوتًا واحدًا يقابل الحرف في العربية، فهي بذلك لغة اقتصادية، ومن جانب الوقت فإن أي لغة أخرى إذا نقل منها نص إلى العربية ينقص منه على الأقل ثلث حجمه، فهذا توفير في كل شيء، وهذا راجع لاقتدار هذه اللغة في ذاتها، ولا ينكر أحد فضل القرآن وفضل الإسلام على استمرار صيانة العربية، ولكن الله من قبل ذلك قد أعدها لذلك على مستوى الاشتقاق فهي لغة اشتقاقية تستطيع أن توجد ألفاظا من ذاتها.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر الأسبق، أنَّ هذه اللغة عجيبة فقد نقلت إلينا تراث اليونان والإغريق في لغتهم العلمية وفي المنطق وفي كل شيء، واستطاعوا أن يضعوا ألفاظًا عربية لتلك المنقولات العلمية الغربية، وعندنا تراث علمي هائل مخطوط ما زال الغرب يعتمدون عليه إلى الآن، مع أنه نقل أساسا في دورته الأولى من الثقافة اليونانية والإغريقية إلى اللغة العربية، فقدرت على احتوائه.
ودعا في ختام كلمته، أكد عضو مجمع البحوث الإسلامية أن مجلة الأزهر لم تنفصل يومًا عن العربية منذ نشـأتها وكانت منذ نشأتها تحت اسم «نور الإسلام» مجلة تنوير تعنى بالقضايا الفكرية الإسلامية، وكانت كل قضية أو إشكال يحضر في نفوس الناس ترى صداه على ألسنة العلماء والمفكرين، موجهًا فضيلته الدعوة للباحثين أن يبحثوا في هذه المجلة وجمع ما فيها من تراث العلماء الأعلام من قضايا تجديد في الشريعة الإسلامية ومن قضايا موائمة الخطاب الديني لوقته في كل زمن، وأن يوازن بين الحالة التي كانت موجودة آنذاك وبين الخطاب الدين الذي كانت تتبناه مجلة الأزهر في كل زمن، ليرى صورة الأزهر الشريف وكيف أنه يواكب الزمان بكل دقة ولم ينفصل عن عصره ولم ينفصل عن أحواله المسلمين في يوم من الأيام، والبحوث في جوانب اللغة العربية الستة وأن يجمعوا من تراث مجلة الأزهر ما عرض في خدمة هذه اللغة الشريفة.