نص كلمـــة أحمـد أبـو الغيـط فــي المؤتمر الخامس لرؤساء المجالس والبرلمانات العربية
حصلت "بوابة الدولة الأخبارية" علي نص كلمة أحمـد أبـو الغيـط الأمين العام لجامعة الدول العربية، فــي المؤتمر الخامس للبرلمان العربي لرؤساء المجالس والبرلمانات العربية ..والتي جاءت علي النحو التالي:
معالي السيد عادل بن عبد الرحمن العسومي
رئيس البرلمان العربي
معالي السيد شيف فورتين تشارمبيرا
رئيس برلمان عموم أفريقيا
أصحاب الدولة رؤساء المجالس والبرلمانات العربية
السادة أعضاء المجالس والبرلمانات العربية
السلام عليكم ورحمة الله وبركات،
يسرني ويشرفني الترحيب بكم جميعاً في مقر جامعة الدول العربية "بيت العرب" بمناسبة انعقاد "المؤتمر الخامس للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية"... وأتوجه بالشكر والتقدير إلى معالي عادل بن عبد الرحمن العسومي رئيس البرلمان العربي.. متمنياً للجميع التوفيق والسداد في تحمل المسئولية الوطنية والقومية في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها العالم، والمنطقة العربية.
وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم مثلكم بخالص المواساة وصادق العزاء في ضحايا الزلزال المُدمر الذي ضرب تركيا وسوريا.. داعياً الله عز وجل أن يتغمد الضحايا بواسع الرحمة، وبالشفاء العاجل للمصابين.. وأقول إن دعم الشعب السوري والتركي في هذا المُصاب الجلل.. هو واجبٌ قومي وإنساني.. يرتفع فوق الخلافات السياسية أو التباين في المواقف.
السيد الرئيس،
إن جامعة الدول العربية، كمؤسسة حاضنة للعمل العربي المشترك، تظل الركيزة الأساسية للجهود العربية الرسمية والبرلمانية لتنسيق السياسات الفاعلة في إطار منظومة العمل العربي .. ولا شك أن مؤسسات التمثيل والتشريع والرقابة، ممثلة في البرلمانات العربية، تُعد ركناً أساسياً في منظومة الحكم الرشيد الذي يقوم على إشراك الشعوب في العملية السياسية والتنموية، باعتبار أن الإنسان هو جوهر العملية التنموية وأداتها وغايتها في الوقت نفسه.
وأتصور أن هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية تحتاج إلى تفعيل أكبر لدور هذه المؤسسات... فالمصاعب الاقتصادية تضغط على الجميع... وأوضاع التضخم والركود وارتفاع تكلفة المعيشة لها تبعات وارتدادات اجتماعية نرصدها في العالم باتساعه، وفي عالمنا العربي بطبيعة الحال.. وللأسف، فإن هذه الأوضاع الصعبة، وتلك الأزمات الضاغطة، سوف تستمر معنا لفترة ليست بالقصيرة.. طالما ظل الوضع الجيوسياسي العالمي مُلتهباً على نحو ما نشهد في الحرب بين روسيا وأوكرانيا... وطالما ظل الاقتصاد العالمي يُعاني من تبعات كورونا وغيرها من الأزمات، والتي أفرزت مزيجاً خطيراً من الركود والتضخم.
وتقديري أن التماسك السياسي والاجتماعي يظل مفتاحاً مهماً لتجاوز تلك الأزمات، وتعزيز صمود المجتمعات في مواجهتها... وهنا، فإن دور المجالس النيابية، ومؤسسات التمثيل والتشريع يُعد محورياً في توفير القناة الواصلة بين الحكومات والشعوب... فالشعوب من حقها أن تفهم وتُدرك أبعاد الأزمة وسبل المواجهة، والتكاليف المرتبطة بذلك.. والحكومات من واجبها أن تضع شعوبها في صورة ما يجري، بكل أمانة وشفافية.. ومن واجبها أيضاً أن تشرح برنامجها وخططها للمواجهة والصمود.. وتظل البرلمانات هي الوسيط الذي لا غِنى عنه للحوار المطلوب بين الحكم والشعب.. وساحةً مهمة للمناقشات الضرورية لكافة البدائل وكُلفتها وتبعاتها.
وفي هذا الخصوص.. فإنني أناشد كافة البرلمانيين العرب أن يكونوا صوتاً أميناً للشعوب في التعبير عن معاناتها وآلامها.. وأيضاً تطلعاتها وأحلامها... وأن تكون المجالس النيابية، في الوقت ذاته، منصة أساسية لتنوير الرأي العام بالحقائق والخيارات.. بكل ما تقتضيه هذه المهمة من العقلانية والتجرد.
كما أدعو البرلمانيين إلى إيلاء الاهتمام الواجب للقضايا التي تهم الأمة العربية في مجموعها.. والتي تؤثر تأثيراً مباشراً على حياة المواطن العربي في كل مكان... وأشير هنا على نحو خاص إلى قضية الأمن الغذائي العربي، الذي يتعرض لتحديات خطيرة بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، وما تسببت فيه من اضطراب في سوق الحبوب العالمي.. فضلاً عن تصاعد التضخم وما يرتبط به من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، وبخاصة الضرورية منها... وربما تعرفون أن الجامعة العربية قد تبنت في قمة الجزائر في نوفمبر الماضي استراتيجية شاملة لتحقيق الأمن الغذائي العربي.. ويقتضي الأمر عملاً متضافراً بين الدول العربية من أجل تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس، وبرامج عمل قابلة للتنفيذ.
السيدات والسادة،
إن الأوضاع العربية لا زالت أسيرةً للأزمات الممتدة.. وأخطرها على الإطلاق تلك التي تتعلق بوحدة بعض الدول وتماسك كيانها الوطني.. مثلما نشهد في اليمن وسوريا وليبيا... وبعد عقدٍ ويزيد من الصراعات الداخلية، لا زالت هذه الدول في حاجة ماسة إلى تسويات سياسية لاستعادة وحدتها ودرء مخاطر التدخلات الأجنبية والإقليمية في شئونها على نحو يُشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي العربي في مجموعه.
ولا يخفى عليكم ما تمر به القضية الفلسطينية من لحظةٍ حرجة وبالغة الصعوبة.. فالاحتلال الإسرائيلي يتبنى رؤية يمينية بالغة التطرف تسعى إلى تصفية القضية، وقضم الأرض عبر البناء الاستيطاني، والقضاء على الهوية الفلسطينية بالتهويد والقمع.. وترى الجامعة العربية أن استمرار هذه الأوضاع، في ظل صمتٍ دولي مريب، من شأنه أن يزج بالمنطقة كلها، وليس فلسطين وحدها، في دوامة خطيرة من انعدام الاستقرار والاضطراب.. بل سيقود إلى الدفع بالتيارات المتطرفة إلى صدارة المشهد على الجانبين... فالتطرف لا يولِّد إلا تطرفاً مضاداً.
إن انسداد الأفق السياسي يعني حرمان الفلسطينيين من كل أمل في تحقيق حلمهم بالاستقلال وإقامة الدولة على حدود الرابع من يونيو 1967.. ومن دون مشروع للتسوية، فإن المجال سيبقى مفتوحاً لمتطرفي الحكومة الإسرائيلية لكي يُمارسوا مخططاتهم بالغة الخطورة، على نحو ما نشهد في القدس وغيرها من مدن الضفة...إن من مسئولية محبي السلام كافة، بل من واجبهم، العمل على التصدي لهذه المخططات المشؤومة، وتعزيز رؤية الدولتين التي يريد هؤلاء المتطرفون القضاء عليها.
وغداً سوف تستضيف الأمانة العامة للجامعة العربية لمؤتمراً دولياً حول القدس.. يشرفه بالحضور عددٌ من القادة والزعماء العرب والوزراء وكبار المسئولين والسياسيين والخبراء.. والهدف الأساسي هو التعريف بما يجري في القدس، لكي يدرك العالم الصورة على حقيقتها.. والعمل على تعزيز صمود أهلنا في هذه المدينة المقدسة، العزيزة على قلوبنا جميعاً، بكل سبيل ممكن.. وأدعوكم جميعاً إلى متابعة نتائج أعمال هذا المؤتمر وتوصياته والعمل على تفعيلها من خلال العمل البرلماني الذي يمثل رديفاً لا غنى عنه للعمل السياسي والدبلوماسي لنصرة القضية الفلسطينية وقضية القدس.
دعوني أرحب بكم مجدداً، متمنياً لاجتماعكم النجاح في أعماله والتوفيق في التوصل إلى نتائج تعكس حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقكم.
شكراً لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،