وكيل الأزهر: العناية بذوى الهمم ليست تفضلا وإنما واجب دينى يفرضه الإسلام
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن الإسلام اهتم بذوي الهمم من خلال جملة من المبادئ الأخلاقية والقيم الحضارية التي تعصم النفوس، وتحفظ الأرواح، وتضبط حركة الحياة والأحياء، فلا فرق في الإسلام بين بني الإنسان بسبب اللون، أو الجنس، أو اللسان، فهم جميعا من أصل واحد: أب واحد، وأم واحدة، قال تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء»، وفي ضوء هذه العدالة الإلهية التي تعنى بالجميع وفق قدراتهم وطاقاتهم وإمكاناتهم كان اهتمام الأزهر الشريف بذوي الهمم.
وأكد وكيل الأزهر خلال كلمته في فعاليات الندوة الشهرية لمجلة الأزهر، بعنوان: «دَعْمُ ذوي القدرات والهِمَم واجبٌ دينيٌّ ورسالةٌ إنسانيةٌ.. قراءة في وثيقة الأخوَّة الإنسانية»، أن العناية بذوي الهمم ليست تفضلا ولا منة، وإنما هو واجب ديني يفرضه إسلام السماحة، وواجب مؤسسي تمليه عقيدة الأزهر، انطلاقا من هذه المفاهيم الراقية التي قرأها الأزهر في مقاصد الإسلام، وعلى رأسها: «المواطنة» و«الأخوة الإنسانية»، فلقد ورث الأزهر الشريف من النبوة أنوارها، واستنبت من هذه الأنوار وثائق هادية تؤصل لمعان راقية تشتد حاجة المجتمعات المعاصرة إليها، في ظل ما تلقاه من كراهية وحروب.
وأشار الدكتور الضويني إلى وثيقتي الأزهر والتي صدرت إحداهما عام 2017 بعنوان: «إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك»، والثانية عام 2019، تحت عنوان: «وثيقة الأخوة الإنسانية»، مبينا أن الوثيقة الأولى أكدت أن «المواطنة» مصطلح أصيل في الإسلام، ترجمه الصحابة إلى واقع عملي، ظهرت ثمراته في حياتهم مع غيرهم، وأن «المواطنة الحقيقية» لا إقصاء معها، ولا تفرقة فيها، وإنما تقبل التعددية الدينية والعرقية والاجتماعية، وأن «المواطنة الصادقة» تستلزم بالضرورة إدانة كل التصرفات والممارسات التي تفرق بين الناس بسبب من الأسباب، ويترتب عليها ازدراء أو تهميش أو حرمان من الحقوق، فضلا عن الملاحقة والتضييق والتهجير والقتل، وما إلى ذلك من سلوكيات يرفضها الإسلام، مضيفا أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» ولدت من فكر أزهري مستنير، لتكون موجهة إلى العالم كله، بدءا بقادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصادية العالمية، من أجل وقف الحروب وسيل الدماء غير المبرر، ونشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، وتقف بما فيها من مبادئ في وجه هذا الانحدار الثقافي والأخلاقي الذي يعارض القيم والثوابت.
وبين أن ديننا الإسلامي ضرب أروع الأمثلة في توفير الرعاية الكاملة لذوي الهمم، والعمل على قضاء حوائجهم، وجعل لهم الأولوية في التمتع بكافة الحقوق التي يحصل عليها غيرهم دون تمييز، فقد عاتب الله سيدنا محمد ﷺ في سورة عبس بشأن عبد الله بن أم مكتوم، وهو (كريم العينين)، في انصرافه عنه وانشغاله بدعوة وجهاء قريش، ورغم أن عبد الله بن أم مكتوم لم ير انصرافه عنه إلا أن الله عاتب النبي بآيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو النموذج الفريد في الرحمة والتعاطف والإنسانية، مع أن النبي لم ينشغل عنه لهوى في نفسه، وإنما شغلته دعوة رجال من قريش في إسلامهم مصلحة كثير من المسلمين! لكن كأنه إعلان رباني أن ذوي الهمم لا يقلون عن غيرهم، وأن رعايتهم والعناية بهم وتقديم الخدمات لهم مبدأ إسلامي مهم من مبادئ وقيم الإسلام العظيمة الخالدة، ويذكر هنا أن النبي كان بعد هذه الحادثة يبسط رداءه لابن أم مكتوم ويقول مداعبا: أهلا بمن عاتبني فيه ربي.
وأوضح الدكتور الضويني أن اهتمام الأزهر الشريف بأبنائه الطلاب من ذوي الهمم في جميع مراحل التعليم الجامعية وقبل الجامعية واجب يقوم به عن إيمان ورضى، مضيفا أن ذوي الهمم في الأزهر الشريف يتجاوز عددهم 4135 طالبا وطالبة، منهم ألفا طالب كريمي البصر، للأزهر بهم عناية خاصة، مستعرضا جهود الأزهر في خدمة ودعم ذوي القدرات الخاصة، مبينا أن الأزهر قام بخطوات كبيرة من أجل تعليم أبنائه من ذوي الهمم، منها على سبيل المثال: إنشاء مركز «إبصار» بالجامعة بفروع مدينة نصر، وأسيوط، وطنطا، بالإضافة إلى المركز الموجود بفرع الدراسة بكلية أصول الدين، وقد زودت هذه المراكز بأحدث أجهزة الكمبيوتر اللازمة، ويتم تدريبهم على أيدي أساتذة في مثل حالاتهم «متحدي إعاقة بصرية» لكنهم أصحاب خبرات جيدة في هذا المجال.
وأضاف أن الازهر لم يكتف بذلك بل أنشأ صندوق للتكافل الاجتماعي بالجامعة، خاص بالطلاب والطالبات ذوي القدرات الفائقة، يوفر لهم كل ما يحتاجونه من أجهزة تعويضية أو دراجات مجهزة، أو أي أدوات تيسر لهم تحدي الإعاقة، كما عقد العديد من الدورات لتأهيل الطلاب وتعليمهم القراءة والكتابة بطريقة «برايل» في المرحلة قبل الجامعية، والتي كان آخرها بالتعاون مع مؤسسة أخبار اليوم، كما عقد شراكة مع وزارة التضامن لتوفير بطاقة الرعاية الشاملة التي تعطيهم الكثير من الميزات، فضلا عن توفير الأجهزة التعويضية للمحتاجين وصرف إعانة شهرية لهم من بيت الزكاة والصدقات المصري الذي يشرف عليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
وأكد وكيل الأزهر أن دفع الظلم عن ذوي الهمم من الواجبات الدينية، وقد روي أن عبد الله بن مسعود كان على شجرة أراك يجتني منها فهبت الريح، وكشفت عن ساقيه، فضحكوا، فقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد»، وهذا نهي صريح عن أن تتخذ الاختلافات الخلقية سببا للتندر أو التقليل من شأن أصحابها أو السخرية منهم، ومن أعظم صور العناية بذوي الهمم إتاحة الفرصة لهم ليقوموا بدورهم في الحياة الاجتماعية ويندمجوا مع مجتمعاتهم بشكل طبيعي، وهو ما يتجلى في قصة الصحابي عمرو بن الجموح، حيث كان شديد العرج ومنعه أبناؤه من الجهاد، فأتى رسول الله فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك، فوالله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال النبي: أما أنت فقد أعذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله يرزقه شهادة، فقاتل فكان شهيدا، فقال رسول اللّه: والذي نفسي لقد رأيته يطأ الجنة بعرجته، وهكذا فإننا نرى بوضوح أن تقدير ذوي الهمم واحترامهم توجه إسلامي وقيمة دينية كبرى، حظي في ظلالها ذوو الهمم بكل مساندة ودعم وتقدير، حتى وصل بعضهم إلى درجات كبيرة من العلم والمجد والنبوغ.
وبين الدكتور الضويني أن الرضا بقضاء الله وقدره علامة على صدق الإيمان وسبب قوي لتحصيل الراحة والطمأنينة في الحياة، وبهذا يعيش ذوو الهمم في راحة تجعل الأصحاء المعافين يتخذونهم قدوة لهم في الصبر والتسليم، وقد يكون المبتلى أعظم قدرا عند الله أو أكبر فضلا على الناس: علما وجهادا وتقوى وعفة وأدبا، مؤكدا أن ما يقدمه الأزهر لذوي الهمم وما زال يقدمه يتوافق مع حزمة الإجراءات التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية «قادرون باختلاف»؛ التي تستهدف إبراز قدرات ذوي الهمم وإبداعاتهم، والأزهر الشريف وإمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حريص على إتاحة كافة سبل الدعم والمساعدة للطلاب وبخاصة من ذوي الهمم لإتاحة فرص التعلم لهم في سهولة ويسر.
وأوضح الدكتور الضويني أنه تزامنا مع اليوم العالمي لذوي الهمم؛ أعلن الأزهر عن إطلاق مشروع «الكتاب المسموع» على منصات الأزهر التعليمية، لطلاب المعاهد الأزهرية من ذوي البصائر، تيسيرا عليهم، وتخفيفا للعبء الكبير عن أسر الطلاب من ذوي البصائر في البحث عن سبل وأدوات تسهل على أبنائهم عملية تحصيل العلم والمذاكرة، وتماشيا مع رؤية مصر 2030، التي تنادي بضرورة الفهم الحقيقي لقضايا الإعاقة وإتاحة فرص تعليم مناسبة تلائم احتياجاتهم وتمكنهم من الاستفادة الكاملة من كافة الفرص المتاحة لهم، وبدأت المرحلة الأولى من مشروع «الكتاب المسموع» بمادة التجويد للمرحلة الإعدادية، تحت إشراف قطاع المعاهد الأزهرية، وذلك ضمن استراتيجية كاملة ينتهجها الأزهر لإتاحة خدمة «الكتاب المسموع» في كافة المواد المقررة على مراحل التعليم الأزهري للتعليم قبل الجامعي للطلاب من ذوي البصائر، للتغلب على المعوقات التي تواجههم.
واختتم الدكتور الضويني كلمته بأن قطاع المعاهد الأزهرية أتاح «الكتاب المسموع» في مادة التجويد لطلاب المرحلة الإعدادية في بداية الفصل الدراسي الثاني على أسطوانات «cd»، ويمكن للطلاب تحميله من خلال المنصة التعليمية لقطاع المعاهد الأزهرية، كما تم طباعة الكتاب «بطريقة برايل» بالإضافة لتطبيق تجريبي باسم «الكتاب المسموع» متاح لكل الطلاب على متجر التطبيقات "Google Play" بشكل مجاني وبتقنية تناسب الطلاب ذوي البصائر، ويتضمن التطبيق المسموع مجموعة من التدريبات والأنشطة لتحقيق الأهداف التعليمية وتحفيز قدرات الطلاب الذاتية.