الكاتب الصحفي مختار محمود يكتب.. السفهاء
"السَّفه" يعني نقصًا في العقل. و"سُفِه" أي: صار سفيهًا. و"سَفِه الحق" أي: جهله. قال "صاحب تفسير المنار": "السَّفَهُ وَالسَّفَاهَةُ: الاضطرابُ فِي الرَّأْي وَالْفِكرِ أَوِ الْأَخلَاق. يُقَالُ: سَفَّهَ حِلْمَهُ وَرَأْيَهُ وَنَفسَه. وَاضطِرَابُ الْحِلْمِ - الْعَقْلِ - وَالرَّأْيِ : جَهْلٌ وَطَيْشٌ، وَاضْطِرَابُ الْأَخلَاقِ: فَسَادٌ فِيهَا لِعَدَمِ رُسُوخ مَلَكَة الْفَضِيلَةِ".
وتحدث القرآن الكريم عن السفهاء غير مرة، وحذر منهم ومن شرورهم وقُبحهم وقَيحهم وسخائفهم وسخائمهم وتجاوزاتهم وأباطيلهم وضلالاتهم؛ قال تعالى: "سيقولُ السفهاءُ من الناس: ما وَلَاهم عن قِبلتهم التي كانوا عليها". وقال أيضًا: "ولا تؤتوا السفهاءَ أموالَكم". وقال: "ولا يرغبُ عن ملةِ إبراهيمَ إلا من سَفِهَ نفسَه". وفي موضع رابع: "وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً". وفي موضع خامس: "أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ ولكنْ لا يِعلمونَ". والسفاهة درجة متقدمة من الجهل، والقرآن الكريم يقول: "وعبادُ الرحمن الذين يمشونَ على الأرضِ هونًا وإذا خاطبَهم الجاهلون قالوا سلامًا".
وقديمًا قالوا: قد يجرحُك كلام أحد السفهاء، لكن تذكّر أنّ الصواعق لا تضرب إلا القمم..كما يقول "نيتشه". ولراحة بالك.. تجاهل السفهاء وسامِح إنْ استطعت.. كما يرى "غاندي". وراحة الحُكماء في وجود الحق، وراحة السُّفهاء في وجود الباطل.. كما كتب "سقراط". ولا تكن ممّن يجمع علم العلماء، وحِكم الحُكماء، ويجري في مجرى السفهاء..كما ينصح "الحسن البصري". ومن الحِكم البالغة أيضًا: اعتنق الصمتَ أمام السفهاء..كما يقول "آل باتشينو". وأفقر الناس هم السفهاء. والسَّفيه والأحمق صِنوان، وفي ذلك أنشد أبو العلاء المعري: لكل داء دواء يُستطبُّ به/ إلا الحماقةَ أعيت من يُداويها. والسَّفاهة مرض نفسي مُعقد، والسفيه مريض نفسي يتطلب علاجه جهدًا عظيمًا من أهل العلم الاختصاص؛ حتى يردَّه إنسانًا طبيعيًا..ولن يردوه غالبًا. والتجاهُل انتقامٌ راقٍ صدقة جارية على فقراء الأدب..كما يقول "جبران خليل جبران"، والسفيه أحدُهم إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق. والسفيه لا يصون معروفًا، ويقول مُنكرًا من القول وزورًا. والسفهاء -في كل زمان ومكان- هم العدو الأول للأنبياء والحكماء والعلماء وأهل الرشاد والحلم.
يتعمد السفيه إثارة غضبك وزيادة انفعالاتك بتصرفات كيدية، تشبه كيد النساء، فلا تغضب ولا تنفعل؛ لأن مكايد السفهاء واقعة بهم كما يقول "المتنبي".. يقول "الشافعي" رحمه الله تعالى: يُخاطبني السفيهُ بكلِّ عيبٍ/ فأكرهُ أنْ أكونَ لهُ مُجيبا/ يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حِلْمًا/ كعودٍ زادَهُ الإحراقُ طيبا. ويُلحُّ "الشافعي" في عدم التعاطي مع السفهاء ويعظ بإهمالهم ناظمًا: إذا نطقَ السفيهُ فلا تُجِبْهُ/ فخيرٌ من إجابتِهِ السكوتُ/ فإن كلَّمْتَهُ فرَّجْتَ عنــْهُ/ وإن خلَّيْتَهُ كمدًا يموتُ. ينصحك "الشافعي" أيضًا بألا تدفعك نفسُك الأمَّارة بالسوء إلى الرد على السفيه مهما عظمت درجة غضبك: أعرِضْ عن الجاهلِ السّفيهْ/ فكلُّ ما قال فهو فيه/ ما ضرّ بحرَ الفراتِ يومًا/ أن خاضَ بعضُ الكلابِ فيهْ. وإن عاتبك بعضهم عن عدم توبيخ السفيه فتذكر حكمة "الشافعي" أيضًا: قالوا سكتَّ وقد خوصِمْتَ قلتُ لهم/ إن الجوابَ لبابِ الشرِّ مفتاحُ/ والصمتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ/ وفيهِ أيضًا لصونِ العِرضِ إصلاحُ/ أما ترى الأُسْدَ تُخشى وهيَ صامتَةٌ/ والكلبُ يخسى لَعَمْري وهو نبَّـــاحُ؟!