دكتور محمد الشرقاوي يكتب جوهر الطبيب الإنسان
بين المهام العلاجية اليومية داخل صروح وأروقة المستشفيات والوحدات الصحية من جانب، وبين إعداد البحوث والكتب العلمية لأغراض التدريس، أوالترقية، أو الاستزادة المعرفية العامة من جانب آخر، يأتي الطبيب البشري؛ مطالبًا بالتوفيق بين الجانبين، بل وأداء نشاط بحثي آخر مهم يكمن في حضور الفعاليات العلمية؛ كالندوات، والمؤتمرات، والورش التدريبية، والتي يلزم على الطبيب المشاركة فيها؛ سواء كمدرب أو متحدث أو حتى كمجرد زائر؛ كي يزكي هذه الأحداث، ويمنحها الصبغة الأكاديمية المطلوبة؛ كشرعية علمية لا يقوى على منحها سوى الطبيب.
هذا هو الطبيب البشري؛ شخص اعتاد منذ التحاقه بكليته؛ مرورًا بتخرجة وتدرجه في المناصب المهنية والبحثية على تحمل المسئوليات، وتأديتها على الوجه الأمثل، ولم لا؟! فهو الشخص الذي ينظر له الجميع علي أنه المثل الأعلى والقدوة التي ينبغي الاقتداء بها في كل شيء؛ في مظهره، وتصرفاته، وأسلوب حديثه، وطرق تفاوضه وإقناعه؛ في مزيج إنساني فريد؛ يجمع بين سمات الهدوء، والمرونة، والرزانة، والثقة بالنفس، والتي لا تخلو من روح الود والألفة، بل قل من حزم وصرامة محسوبة؛ دون تعصب أو انفعال، تعاطف ولين؛ بلا ذلة أو انكسار.
وإن أردت الاقتراب أكثر من التركيبة الشخصية للطبيب البشري، فألخص لك الأمر في كونه الشخص الذي نشأ منذ نعومة أظافره على فلسفة حب التميز عن الآخرين، والتحليق بعيدًا عن سرب القولبة والتنميط، والهروب من الدوائر الفكرية المغلقة إلى عالم الابتكار والإبداع؛ متخذًا من عقيدته الإيمانية الراسخة وأساليب التفكير العلمي الممنهج وسيلة لتقديم أفكاره البناءة ، والسعي قدمًا نحو بلوغ آليات تطبيقها، فهدفه الأسمى ليس مجرد تحويل النماذج النظرية المجردة لتكنيكات علمية، بل إضفاء اللمسة الإبداعية على المنتج العلمي؛ سواء كان بحثًا أو كتابًا أو تطبيقًا عمليًا؛ يلائم احتياجات العصر، ويلبي رغبات الجمهور، ويحقق لهم أرقى معدلات الإشباع والرضا نحو تبنيه.
والطبيب الجامعي المبتكر يقرأ أكثر مما يكتب، وينصت أكثر مما يتحدث؛ يترفع دومًا عن الصغائر التي تحول دون تطبيق أبحاثه أو الاستزادة المعرفية المتراكمة التي تشبع شراهته البحث اللامتناهية؛ قدوته في ذلك نبي الله وكليمه موسى (عليه السلام) الذي كان على أهبة الاستعداد للمضي أحقابًا زمنية متواصلة أو بلوغ مجمع البحرين الأحمر والمتوسط؛ في سبيل بلوغ منتهاه من البحث والتعلم؛ لكنه وقف عاجزًا عن الصبر أمام العلم الإلهي الذي اختص الله به أحد عباده المخلصين، وهو سيدنا الخضر (عليه السلام) ليظل طالب العلم يسعى طيلة حياته نحو آفاق أهدافه البحثية المتجددة؛ فما إن يصل إليها؛ حتى تبرز له أهداف أخرى.
يقول تعالى بسم الله الرحمن الرحيم "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" ( فاطر:28) صدق الله العظيم.