الطيب: ليس هناك خيارٌ في علاج أزماتنا المعاصرة سوى «الأخوة الإنسانية» ذلكم الفردوس المفقود
أكَّد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، أنَّ الأزمات التي تُخيِّم على إنسان العصر الحديث، هنا في الشرق، وتزحف الآن بقوَّة لتُضيق عليه الخناق في الغرب، ما كان لها أن تكون لو أنَّ حضارتنا الحديثة وثقافتنا المعاصرة لم تبالغ في التنكُّر للدِّين، ولم تلقِ به وبتعاليمِه وراء ظهرها ولو أنها تعلَّمَتْ من هَدْي السَّماء حُرمةَ الدِّماء، وقيمة «العدل» ومحوريَّته في استقرار الأفراد والمجتمعات، موضحًا أنه ليس هناك خيار أكثر فعالية في علاج أزماتنا المعاصرة من «الأخوَّة الإنسانيَّة»، ذلكم الفردوس المفقود.
وقال فضيلته، في كلمة تاريخية هي الأولى من نوعها لرمز ديني إسلامي بارز أمام مجلس الأمن الدولي ، إننا -نحن المؤمنين بالله- لا يسعنا إزاء هذه الأزمات إلا أن نواصل الدعوة إلى نشر السَّلام والمحبَّة بين الشُّعوب قَدْرَ المستطاع، والتصدِّي لخطاب الكراهية بين الناس، واستغلال الأديان والمذاهب في إشعال الحروب بين الشعوب، وبث الخوف والرُّعب في قلوبِ الآمنين.
وأوضح فضيلة الإمام الأكبر أن هذا ما سعى ويسعى إليه الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين، بالتعاون مع الكنيسة الكاثوليكيَّة والكنائس الغربيَّة والشرقيَّة والمؤسسات الدينية الأخرى؛ من أجلِ إحياء ثقافة الحوار والتَّعارُف بين أتباع الأديان، وترسيخ مبدأ السَّلام والتَّعايش السلمي، حتى قدَّمنا مع الأخ العزيز البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، للعالم ومن أبوظبي في الرابع من فبراير عام 2019م وثيقة الأخوَّة الإنسانيَّة من أجل السَّلام العالمي والعَيْش المشترك.
وتابع : لقد أكَّدنا مرارًا ضرورة مبادئ الأخوة الإنسانية كأساس للسلم والأمن الدوليين في مؤتمرات زُعماء الأديان في كازاخستان، ومُلتقى حوار الشَّرق والغرب في البَحْرين، ومؤتمرات أخرى في إفريقيا وأسيا وأوروبا، لافتًا إلى أن الأزهر الشَّريف يعمل بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، والكنيسة الكاثوليكيَّة وكنيسة كانتربيري، وغيرها من المؤسسات الدِّينيَّة المختلفة، على تنظيم تجمُّع لقادة الأديان ورموزها للتشاور حول هذه الأزمات وتحديد المسؤوليَّة المشتركة في مواجهتها، وبخاصَّةٍ قَضيَّة التَّغيُّر المناخي وتزايد وتيرة الحروب والصِّراعات.
وبَيَّنَ شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين أن هذه الجهود تحتاجُ لدعمِ القادة السياسيِّين وصُنَّاع القرار في المجتمع الدولي، حتى تؤتيَ ثمارها المرجوَّة في تحقيق الهدف المشترك بين الجميع، وهو تحقيق السلم والأمن الدوليين، على أرض الواقع وفي حياة الشعوب، وليس فقط بمجرد قرارات وتوصيات لا يلتزم بها أحد أو يُلقِي لها بالًا.
وأشار الإمام الأكبر إلى أنه من العدلِ، ولا من العِلْمِ في شيء ما يُقال من أنَّ الإسلامَ دينُ السَّيف ودين الحروب، مؤكدًا أن الحرب في الإسلام حالة استثنائيَّة وضرورة من ضرورات الدفاع عن النَّفْسِ وعن الأرضِ والعِرْض والشَّرف، وأن المسؤول الأوَّل عن ظاهرة «الإرهاب» التي يَبْرأ منها الإسلام نفسه قبل غيره، هو: سياساتُ الهَيْمَنة العالميَّة، والفلسفاتُ الماديَّةُ، والمذاهبُ الاقتصاديَّة المتنكِّرة لضوابط الأخلاق.
المسؤوليَّة الفَرْديَّة والأسريَّة والمجتمعيَّة، لذلك حرَّم القرآن كل ما يُصادِر هذه الحقوق أو يعبث بحرمتها، حتى إنَّه لَيُحَرِّمُ أيَّة ممارسة لإجبار الناس على تغيير عقائدهم وأديانهم، موضحا أنه في ظلِّ هذه نظرية التعارف التي أقرها القرآن في العلاقات الدوليَّة: لا مكانَ لنظريَّاتِ الصِّدام والصِّراع، أو نظريَّة العِرْق، أو نَظَريَّة رسالة الرَّجُل الأبيض وهَيْمَنته على باقي عباد الله، واستعمار بلادهم واستنزاف خيراتهم .. فقط علاقةُ «السَّلام» بين النَّـاس هي ما يعتمده الإسلام، وسائر الأديان الإلهيَّة من قَبلِه..
وأكَّد فضيلة الإمام الأكبر أنَّ مصر هي واحة السَّلام ومُلْتقى الأديان، وبلد الحضارة والتاريخ، والأمن والأمان، معربًا عن تقديره لجهود دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس الدورة الحالية لمجلس الأمن، تلكم الدولةُ العربية الإسلامية التي لا تدَّخر وُسعًا في بذلِ كل جهدٍ مخلصٍ لنشر السَّلام بين الناس، وترسيخ مبادئ الأخوة الإنسانيَّة والتسامح والعَيْش المشترك.
كما وجَّه فضيلته التحية لصوت الحكمة الذي عبَّرَ عنه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في كلمته وإيمانه الواضح بأهمية دور الأديان وقيم الأخوة الإنسانية في تحقيق السلام العالمي.