مجلس الأمن تأخر 13 سنة.. الذكاء الاصطناعي يشعل سباق التسلح
،عقد مجلس الأمن جلسة، ناقش فيها لأول مرة فى تاريخه، قضية (الذكاء الاصطناعى)، وكما انعقد فجأة، تلاشى أيضا أى ذكر لأجندة الجلسة وما نتج عنها، وتداول المشاركون عبارات عامة تخص المنافع والأضرار، بطريقة فتحت الباب لعشرات الأسئلة، التى ربط أصحابها بين (الأمن الدولى)، والذكاء الاصطناعى، وبرغم مرور أسابيع، فإن أحدا لم يلق إجابة!
السؤال المنطقى، ما الدافع وراء اهتمام مجلس الأمن بتطبيقات الذكاء الاصطناعى؟.. وهل أفضى استخدام تطبيقاته (عسكريا)، من بعض الجيوش فى الشرق الأوسط والغرب، إلى دق جرس إنذار؟
السؤال الأعمق، عن أخلاقية استخدام تطبيقات تسمح لمعدات عسكرية ذاتية القيادة، باتخاذ قرارات تنتهك أعراف الحرب، للدرجة التى يتوجب معها عقد اتفاقية دولية بشأن الحد من التسلح (فائق التكنولوجيا)، أو إعادة صياغة اتفاقية جنيف 1949، الخاصة بمعاملة الأسرى والمرضى؟
السؤال الأخطر، عن مدى الاستقلالية التى تتمتع بها آلات القتال الجديدة، التى تتعلم ذاتيا، وتتخذ قرارات بشكل أسرع، ومدى تأثيرها على المقاتل البشرى، وعلى نمط الفكر الإستراتيجى فى المستقبل، والأكثر إثارة، ماذا إذا قام الذكاء الاصطناعى أثناء الصراع، بعصيان الأوامر؟!
الصين .. البداية
المؤكد أن المهمة الجوهرية لمجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، هى الحفاظ على (الأمن والسلم) فى العالم، وإذا كان هذا المجلس قد عقد جلسة خاصة فى 18 يوليو الماضى، بشأن الذكاء الاصطناعى، فإن المنطق يفرض أن النقاش داخل أرفع تجمع أمنى فى العالم، يتعلق بالمخاطر والتهديدات، لا الفرص، تلك الأخيرة لا تستدعى الخوف أصلاً!
وفى كلمته التى نشرت على موقع الأمم المتحدة، قال أنطونيو جوتيريش، السكرتير العام للأمم المتحدة: إننا أمام نقطة فارقة فى (خطاب الكراهية)، و(التضليل)، داعيا إلى إيجاد آلية أخلاقية مسئولة، وقال المشاركون: إن المجتمع الدولى عليه أن يواجه بشكل عاجل الواقع الجديد لأنماط الذكاء الاصطناعى، خصوصا فى ظل وجود (ثنائية)، تتعلق بالمنافع والمخاطر تحيط بهذه التكنولوجيا الجديدة.
لقد عرض جوتيريش، مقارنة عجيبة بين اختراع المطبعة، واختراع الذكاء الاصطناعى، وقال: إن البشرية قضت 50 عاما قبل أن تنتشر الكتب المطبوعة، وبالذات عبر أوروبا، أما تطبيق شات جى بى تى Chatgpt، فقد وصل إلى 100 مليون مستخدم فى ظرف شهرين!!
وقد أشار السكرتير العام، إلى الخواص التى يمكن أن تنشر التحيز وتعزز من مكانة التمييز العنصرى وتعظيم آفاق مستويات الرقابة التسلطية على البشر!
والحق أن ما ذهب إليه أرفع مسئول دولى، يخفى فى طياته مخاوف أخرى، أعلن عنها بوضوح حلف شمال الأطلنطى (الناتو)، وبالذات فى تلك الدراسة التى نشرها أربعة من أبرز علماء الوكالة السويدية للأبحاث العسكرية، بعنوان (إمكانيات وتحديات تطبيقات الذكاء الاصطناعى العسكرية)، العلماء هم: الدكتور بيز سفنمارك والدكتور لينوس يوتسينين، والدكتور ماتياس نيلسون، والدكتور جوهان شوبيرت، وقد انتهت الدراسة المطولة إلى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى الجيوش بلغت مستوى استخدامها فى الاستطلاع وحرب الألغام تحت سطح الماء، واختراقات الأمن السيبرانى، وهى بسبيلها للاستخدام فى التجسس الجوى باستخدام المسيرات حاليا، وأجهزة الاستشعار عن بعد، وهناك تقييم مخاطر يجرى حاليا بشأن أنظمة الدفاع الجوى، وما يمكن أن تتعرض لها من جراء تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وكذلك أثر هذه التطبيقات على التحليل الاستخبارى للأوضاع على الأرض، وباقى أنظمة التحكم والسيطرة، وبرغم كل شىء يتوجب أن يشمل النظر التحديات الجديدة التى تتصل بالشفافية، فى ضمان استمرارية الأداء فيما يتعلق بالمتطلبات العسكرية، وكذلك الاختراقات التى يمكن أن تفضى إلى تقليل كفاءة هذه الأنظمة والتطبيقات، وكذا اعتبارات عدم كفاءة المعلومات اللازمة للتدريب (المعدات التى تعتمد على التعليم الآلى)، وأن هناك مخاطر عديدة فى هذه التطبيقات، من شأنها أن يستخدمها الخصوم، وبالتالى مهما كانت المنافع من الذكاء الاصطناعى، تظل هناك مخاطر من شأنها أن تهدد الجيوش التى تستخدمه.
والواقع أن استخدام الذكاء الاصطناعى، فى الصراعات الدولية، هو أمر غاية فى التعقيد، ويثير العديد من قضايا تتعلق بأخلاقيات ومعايير القتال بأكثر مما تتعلق بكفاءة آلة الحرب ذاتها.
السلاح النووى
واحد من أخطر تعقيدات استخدام الذكاء الاصطناعى، فى العمليات العسكرية، وفى خدمة الجيوش عموما، ما أشار إليه البروفيسور ماتيس ماس، وهو باحث فى القانون الدولى، يعمل فى مركز الصراعات والأزمات والقانون الدولى، التابع لجامعة أوكسفورد البريطانية، فى دراسة له عنوانها (ما مدى فاعلية المعاهدات الدولية الخاصة بالتحكم فى الأسلحة فى ظل الاستخدام العسكرى للذكاء الاصطناعى؟ ثلاثة دروس من الأسلحة النووية)، قال فى مقدمتها: إن العديد من المراقبين يتوقعون سباق تسلح بين الدول التى تسعى لتطبيقات الذكاء الاصطناعى فى جيوشها، وبعض هذه التطبيقات تثير الكثير من الشكوك، بشأن الأرضية الأخلاقية والقانونية للصراعات، وكذا ما يتعلق بالمخاطر الطارئة على الاستقرار، وأن درس امتلاك الدول للسلاح النووى يمكنه أن يلقى الضوء على ثلاث إشكاليات تتعلق بعسكرة الذكاء الاصطناعى، الدرس الأول يتعلق بمؤسسة تنظيم قواعد امتلاك وتشغيل هذه التطبيقات عسكريا، والثانى يتعلق بوعى الخبراء بشأن التحكم فى هذه التطبيقات، والثالث أن بعض التطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعى ستظل محل شك فى قدرتها على تقيين المخاطر الطبيعية، وأن هذه الدروس الثلاثة، ينبغى النظر إليها بدقة، ونحن نحرز تقدما وتطورا جديدين فى عالم التسلح وإدارة الحرب، وأن ما تعلمته البشرية من درس حيازة واستخدام السلاح النووى، ينبغى أن يكون ماثلا فى الأذهان أمام التطبيقات الجديدة للذكاء الاصطناعى، خصوصا أنها تقوم بتحليل المخاطر وتقوم بالاستجابة، بشكل ذاتى ومستقل عن التقدير البشرى.
والحق أن مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعى، فى التطبيقات العسكرية، كانت وراء دراسة قام بإعدادها مركز تكنولوجيا الأمن القومى فى الولايات المتحدة فى 24 يناير الماضى، بعنوان (كيف يقوم الذكاء الاصطناعى بتغيير مستقبل إستراتيجيات الدفاع العسكرى)، وقالت الدراسة: إن الإحصائيات الحديثة بشأن الذكاء الاصطناعى، تدفع بالخبراء لأن يتوقعوا أن تنمو سوق تطبيقات الذكاء الاصطناعى، إلى 60 مليار دولار، وأنه فى وقت القتال، فإن القرارات السريعة والحاسمة تصبح الأكثر إلحاحا، وأن الذكاء الاصطناعى فى حاضره اليوم، يواكب التطور الحاصل فى مجال التكتيك والإجراءات المضادة، وأنه حاضر بقوة فى مجال (الحرب الإلكترونية)، وأن هناك تجارب تحدث اليوم فى مجال الرادار، وأن الخبراء لم يعد منهم من يخشى وجود (تجمعات للمعلومات)، ذلك أن المعالجات الضخمة للبيانات، لم تعد عائقا أمام الجيوش، لأن التكنولوجيا الجديدة تستخدم طاقة أقل ومخرجات أكثر، وهو ما يعنى أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى، تعزز القدرات العسكرية بطرق أكثر ذكاء، إذ يمكن لهذه التطبيقات من خلال (الخوارزميات) أن تتيح قدرات أكبر خلال أوقات الضغط، ويمكنها اتخاذ القرار بسرعة أكبر!
لكن أخطر ما كشف عنه، هذا المركز، هو أن القرارات الناتجة عن المعلومات بعيدا عن العواطف البشرية، هى قرارات أكثر فاعلية، وإن كان اختبار هذه الفرضية لم يتأكد بعد حتى اليوم، لكن بالمقابل، فإن من شأن الذكاء الاصطناعى أن يسد الفجوة فيما بين نظم الدفاع العسكرية، ذلك أن معالجة البيانات، تتم من خلال مصادر متعددة، وهى بفضل السرعة تجعل القوات أكثر أمنا أثناء القتال، ذلك أن ساحة القتال هى مكان غير آمن، وأن من شأن تطبيقات الذكاء أن تقلل من هذه المخاطر، من خلال تزويد المقاتلين بالتطبيقات القادرة على تمييز الخطر، وتقديم الإرشادات للمقاتلين بطريقة التعامل مع المخاطر المحتملة.
والحق أننا نخلص من هذه الدراسة، إلى أن الذكاء الاصطناعى، هو الذى سيقود العنصر البشرى فى القتال، لكن بالنظر إلى موضوع اتخاذ القرار، نجد أن المعركة ستكون فى النهاية (أسيرة)، تطبيقات الذكاء الاصطناعى، وهو أمر أشارت إليه الدراسة، عندما أكدت أن المعدات العسكرية والمسيرات فى عالم اليوم، باتت لديها قرون استشعار أكثر ذكاء، وبالتالى فإن الحاجة للعنصر البشرى تقل تدريجيا!
سباق عسكرى
والحق أن هناك بالفعل سباق تسلح، فى مجال استخدام الذكاء الاصطناعى، بدأ فى منتصف 2010، وبالذات بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما تم الكشف عنه فى دراسات صدرت 2014، أبرزها ما كشف عنه الخبير فى الذكاء الاصطناعى ستيف أومشوندرو، الذى قال: إن معدات القتال المستقلة ذاتيا، تشهد سباق تسلح، وإن مستوى الإنفاق العسكرى على الروبوتات المقاتلة، بلغ عام 2010، مبلغ 501 مليار دولار، وأن هذا الرقم بلغ 7.5 مليار دولار عام 2015.
وطبقا لما نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز، فإن الصين هى اللاعب الأكبر فى مجال أبحاث الذكاء الاصطناعى، وأنها تجاوزت الولايات المتحدة فى عام 2016، لكن المفاجأة ظهرت فى 2017، عندما أعلن الجنرال الروسى فيكتور بانداريف، رئيس أركان القوات الجوية الروسية، أنه فى فبراير 2017، عملت روسيا على تطوير صواريخ تعمل بالذكاء الاصطناعى، من شأنها أن تقرر أن تستبدل هدفا مكان هدف أثناء التحليق، وأن اللجنة الصناعية العسكرية الروسية، قد وافقت على تخصيص 30 بالمائة من قوة القتال الروسية، من الأسلحة التى تعمل عن بعد، والأسلحة التى تستخدم الذكاء الاصطناعى بحلول 2030، وقد أشارت تقارير صحفية روسية إلى أن استخدام الجيش الروسى لتطبيقات الذكاء الاصطناعى، زادت من منتصف عام 2017، ونقلت فى مايو 2017، عن رئيس مجلس إدارة مجموعة كرانستاد العسكرية، قوله: إن هناك بالفعل أنظمة دفاع روسية تعمل بشكل ذاتى تمام وإن هذه الأنظمة تتفاعل مع بعضها بعضا أثناء القتال.
وفى فبراير 2019، كشف الباحث جريجورى آلن، من مركز الأمن الأمريكى، عن أن القيادة الصينية تعتقد أن ريادة الصين للتطبيقات العسكرية للذكاء الاصطناعى أمر حيوى لمستقبل الصراعات الدولية، وأن الهدف الرئيسى (آنذاك)، هو تقليل الفجوة ما بين الصين والقوى الدولية المتقدمة فى هذا المجال، وأن العلاقات القوية ما بين الصين وسيليكون فالى الأمريكية، وكذلك الطبيعة المنفتحة لعالم الأبحاث فى أمريكا، قد جعلت أكثر الأبحاث الغربية تقدما، متاحة للصين.
وفى أكتوبر 2021، صدر تقرير عن مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة، يؤكد أن أغلب معدات الجيش الصينى العاملة بتطبيقات الذكاء الاصطناعى، قد وجدت فى الجيش بعد 2010، وقدر المركز أن إنفاق الصين على هذه التطبيقات، يبلغ سنويا نحو 15 مليار دولار، وكانت صحيفة (يابان تايمز)، قد نشرت فى 2018، أن الاستثمارات الصينية فى الذكاء الاصطناعى، هى أدنى بقليل عن 7 مليارات دولار.
على أن الصين، قد نشرت ورقة تقرير موقف عام 2016، تساءلت عن كفاءة القانون الدولى فى مواجهة ظواهر انتشار الأسلحة التى تعمل بشكل ذاتى مستقل، واعتبرت بذلك أول عضو فى مجلس الأمن الدولى الذى يقترب من هذه القضية.