بوابة الدولة
الأحد 22 ديسمبر 2024 06:05 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية
مشاركة متميزة للاولمبياد الخاص المصري في احتفالية الاكاديمية العربية بمناسبة اليوم العالمي لذوي الاعاقة نائب رئيس الوزراء: التحقت بجامعة القاهرة عام 1979 والانتقال لها كان بالأتوبيس عقد اجتماعات الدورة (44) لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالبحرين مصر المتحف المصرى الكبير المتحف الكبير السياحة فى مصر تليجراف الرئيس السيسى يوجه باستمرار العمل على تطوير منظومة الطيران بشكل متكامل نائب رئيس الوزراء: التحقت بجامعة القاهرة عام 1979 والانتقال لها كان بالأتوبيس الرئيس السيسى يطّلع على موقف تطوير منظومة الطيران المدنى بجميع مكوناته الرئيس السيسى يوجه باستمرار العمل على تطوير منظومة الطيران بشكل متكامل الرئيس السيسى يطّلع على موقف تطوير منظومة الطيران المدنى بجميع مكوناته بالصور.. دينا فؤاد تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بإطلالة ملكية أنيقة البحيرة تحقق نقلة نوعية في قطاع الصحة باستثمارات تتجاوز 3 مليار جنيه و 10.4 مليون مستفيد من الخدمات الصحية تعليم الشرقية :افتتاح معرص التربية الفنية والاقتصاد المنزلى

منى النشار تكتب .. مصر فى البريكس (2) هل تقتل المجموعة نفسها ؟

 منى النشار خبيرة الشئون الخارجية
 منى النشار خبيرة الشئون الخارجية

جليد قابل للإشتعال هكذا هى مجموعة بريكس ,حيث يختلف الأعضاء المؤسسون والجدد أكثر مما يتفقون ,وعلى الرغم من نجاح الأطراف المؤسسين فى تجميد الصراعات بينهم ,وعلى وجه الخصوص الصين والهند إلا أن أسباب الصراع تنام كذئب تعكر بطنه الجائعة صفو العلاقة. فما بالك بإضافة أعضاء جدد تشتعل التناقضات بينهم وتتصاعد الأدخنة بينما يجلسون على الطاولة ,على رأسهم مصر والسعودية والإمارات , إثيوبيا , إيران.
والحقيقة أن المتفق علية الوحيد بين الأعضاء هو رفض الهيمنة الأمريكية, أو اصلاح النظام الدولى , علاوة على تفاهمات اقتصادية لا ترقى لمستوى سياسات نقدية تضاهى الإتحاد الإوروبى مثلا.
فما مصير تلك التناقضات ومدى تماسك المجموعة وصلابة موقفهم سواء بين بعضهم البعض أو أمام الخصم الغربى ,وما الذى يمكن أن تقدمه بريكس لمصر فيما يتعلق بقضية سد النهضة ,وهل تنجح روسيا فى طمأنة مصر والسعودية والإمارات المنزعجين من البرنامج النووى الإيرانى , هل يظل الصراع الصينى الهندى فى الحدود المسيطر عليها.
هذة السطور تحاول الإبحار فى عالم بريكس ,محاولا الكشف عن الصراعات التى تسبح بين الأعضاء كأسماك قروش تتغذى على الإنسجام الضعيف بينهم.
ولقد تحدثنا فى الجزء الأول من المقالة بعنوان مصر فى البريكس عن اللحظة الزمنية التى نشأت فى إطارها المجموعة ,كما تحدثنا عن السياق التاريخى والسياسى الذى إنضم خلاله الأعضاء الجدد.
هذا الجزء من المقال يعرض التناقضات الكبيرة بين الأعضاء سواء المؤسسين أو الجدد ,وهناك أكثر من مستوى للتناقض ,الأول يتعلق بالعلاقات البينية للمجموعة ,والثانى يتعلق بالتناقضات بين أعضاء المجموعة إزاء الصراع مع الولايات المتحدة ,فليس كل أعضاء المجموعة على درجة واحدة من الصراع مع واشنطون , وتتباين دوافعهم.
وسنتوقف هنا عند الخليج والصين والهند على وجه الخصوص.

بالنسبة للمستوى الأول المتعلق بالتناقضات البينية سنوضح هذا الأمر عبر ثلاثة محاور من الصراع .
المصرى الإثيوبى , العربى الإيرانى , الصينى الهندى

فيما يتعلق بالصراع المصرى الإثيوبى , فيثار تساؤل هل إنضمام مصر وإثيوبيا إلى البريكس فرصة أم عائق لحل الصراع المتعلق بسد النهضة ؟
مبدأيا علينا أن نتفق على معيار الانتصار والهزيمة فى هذة القضية. إن استمرار الأعمال الإنشائية لسد النهضة خلال عقد من المفاوضات العبثية للحد الذى يجعل السد أمرا واقعا فرضته إثيوبيا على مصر بلى الذراع , وصنع صنبور ماء تتحكم فيه أديس أبابا تغلقه متى تشاء وتفتحه متى تشاء هو انتصار إثيوبى سواء نجح الطرفان فى التوصل لاتفاق قانونى ملزم أم لم ينجحا.
لإن التوصل لاتفاق قانونى ملزم – إن تم – فليس ضمانة للحقوق التاريخة المصرية , فالاتفاقات يسهل التنصل منها.
ولنا فى نهر هلمند لعظة ,وهو نهر دولى تقع عليه أفغانستان وإيران , وعلى الرغم من وجود معاهدة بين الدولتين بشأن تقاسم المياه ,إلا أن أفغانستان دولة المنبع دأبت على بناء السدود ,مما أدى إلى نقص فى التدفقات المائية إلى إيران ومؤخرا وقع تبادل لإطلاق النار بين الطرفين أسفر عن قتلى ومصابين .
أما السؤال الذى يطرح نفسه , ما الذى يجعل مجموعة بريكس وهى تبحث عن الأطراف التى تزيدها قوة ,أن تجد فى إثيوبيا إغراء وهى دولة تعانى من حروب أهلية وفى وضع اقتصادى وسياسى غير مرض.
إنه موقعها الجيوسياسى فى القرن الإفريقى ,وعلى الرغم أن إثيوبيا حرمت من اطلالتها التاريخية على المضيق الأكثر أهمية فى العالم , مضيق باب المندب وأصبحت دولة حبيسة ,إلا أنها نجحت فى تحويل نقطة الضعف هذة إلى مصدر للقوة تجذب اللاهثين لايجاد موطئ قدم للنفوذ فى إفريقيا وخاصا منطقة القرن الإفريقى.
ولكى نفهم ما الذى يبحث عنه الكبار فى إثيوبيا علينا أن نأخذ فى الاعتبار المتغيرات التالية :
- إثيوبيا دولة ثقل إقليمى فى محيطها الجغرافى ,ولها قوات عسكرية معتبرة لها دور فاعل فى عمليات حفظ السلام ,سواء على نطاق الأمم المتحدة ,أو الإتحاد الإفريقيى.
- إثيوبيا تقع فى القلب من المناطق الساخنة ,فهى الفاعل الرئيسى فى القضية الصومالية -الدولة التى تحظى باهتمام بالغ ويتكالب عليها الكثيرون -وما ترتب عليها من تنامى الجماعات الإرهابية وعلى رأسها حركة شباب المجاهدين ,استدعت من واشنطون التوسع فى بناء قواعدها العسكرية فى المنطقة والتى من بينها قاعدة فى جيبوتى ,استفزت الصين وروسيا.
- إثيوبيا تقع على بعد خطوات من مضيق باب المندب مما استدعى النفوذ الإيرانى التى تسعى لحصد المزيد من أوراق الضغط الفاعلة بخلق نفوذ لها قوى فى مناطق الاختناق المرورى فى العالم للسيطرة على حركة الملاحة الدولية ,الأمر الذى استدعى من الخليج القفز الموازى ,أى ايجاد موطئ قدم لهم فى المنطقة.
- إثيوبيا بالإضافة لقربها من مضيق باب المندب ,المضيق الخطير لواردات الصين من الطاقة ,فهى تقع أيضا على طريق الحرير وتقع بالقرب من مناطق الثروات المعدنية والعمالة الرخيصة ,الأمرالذى استدعى النفوذ الصينى.
- متغيرات ترتبط بعلاقة أديس ابابا بالقوى العظمى ,فعبر تاريخ إثيوبيا الحديث والمتقلب ,غيرت أديس ابابا قبلتها لأكثر من مرة ,فأبان حكم الإمبراطور هيلاسيلاسى كانت غربية ,ثم حدث الانقلاب العسكرى من قبل ما يعرف بنظام مانجستو الشيوعى فأصبحت شرقية ,ثم حدث الانقلاب على مانجستو ,ولكن كان هذا بالتزامن مع انهيار الإتحاد السوفيتى ,فاصبحت إثيوبيا دولة منفتحة براجماتية ,تفتح ذراعيها لمن يخطب ودها بعيدا عن الأيديولوجيات التى تجاوزها الزمن.

ووفقا لتلك المتغيرات ,فإثيوبيا أصبحت تتمتع بأهمية بالغة لكل من الخليج والصين وروسيا.
فمن جانب الخليج لديهه أهداف لتأمين مضيقى هرمز وباب المندب ,وكبح النفوذ الإيرانى ,علاوة على الأمن الغذائى حيث تعتبر إثيوبيا الرقم الصعب فى واردات الخليج من اللحوم.
ومن جانب الصين فلديها أهداف لتأمين ممرات الطاقة ,علاوة على سياسة عقد اللؤلؤ ,وهى تعنى فرض النفوذ الاقتصادى والسياسى على مناطق الاختناق المرورى فى العالم ,إضافة لتأمين طريق الحريروالثروات المعدنية ,والفوز بنصيب دسم من مشاريع البنية التحتية التى تفتقر إليها إثيوبيا.
ومن جانب روسيا فلديها هدف للعودة بقوة إلى مناطق نفوذها التقليدية بعد سنوات من الفتور نتيجة سوء الأوضاع السياسية فى روسيا ,علاوة على الفوز بنصيب الأسد من واردات السلاح لقارة ابتليت بالنزاعات الحدودية والعرقية والطائفية .
لهذة الأسباب أصبحت إثيوبيا كعروس يتهافت عليها الخطاب يقدمون المهور الثمينة ويجزلون عليها بالفرص الواعدة الإستثمارية والقروض الميسرة والدعم السياسى.
لكل هذة الأسباب مصر ليست فى مواجهة دولة ضعيفة كما يظن الكثيرون ,وبقدر حرص الصين وروسيا على علاقات خاصة للغاية مع مصر , بقدر حرصهما أيضا على نفس الود مع إثيوبيا ,أما الخليج فهو غير مستعد للتضحية بعلاقاته مع إثيوبيا أيضا.
فما الذى يمكن أن تقدمه تلك الدول لمصر ؟ هذا سؤال تصعب الإجابة عليه , يبدو أن إثيوبيا ماضية بقوة فى أهدافها من بناء - سدود -على النيل انطلاقا من أن النيل - يخصها - وهى تفيض علينا - إحسانا - ببعض الماء, ويبدو أيضا أن الأشقاء والأصدقاء قد قدموا كل ما يستطيعون تقديمه.
قد تنجح هذة الدول قى إلزام إثيوبيا بتوقيع اتفاق مع مصر وهذا
- إن تم – فهو أقصى ما تستطيع تقديمه , لكنها لن تنجح فى إزالة الأسباب الجذرية لأكبرتهديد أمن قومى يواجه مصر.
وعلى العكس قد تكون مجموعة بريكس التى تطوق لحالة السلام بين الأعضاء معيقة لأى إجراء مصرى تراه مناسبا لحماية حقوقها التاريخية المكتسبة.

فيما يتعلق بالمحور العربى الإيرانى ,فأسباب الصراع العربى الإيرانى يمكن إيجازها فى ستة أسباب ,التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية ,إثارة الاضطرابات فى مناطق الاختناق المرورى التى يعتمد عليها الخليج فى واردات الطاقة ,مضيقا هرمز وباب المندب ,دعم ميليشيات الحوثى الإرهابية ,استقطاب المواطنين الشيعة ودعم الولاءات العابرة للدولة , ودعم الرئيس السورى بشار الأسد " عدو السعودية " واحتلال الجزر الإمارتية الثلاثة.
وتلعب روسيا الدور الأكبر فى التهدأة بين المعسكرين ,وتحرص على أن تكون البديل الأكثر فاعلية من الولايات المتحدة فى بث رسائل الطمأنة للدول العربية الثلاثة ,مصر والسعودية والإمارات ,الذين باتوا أكثر إيمانا من الماضى بقدرة إيران على امتلاك السلاح النووى.
وبينما ضج الخليج العربى بالخيانات الأمريكية التى لا تنتهى ,بحيث أصبحت واشنطون " حليف غير جدير بالثقة " وعانى من غطرستها تقدم موسكو نفسها باعتبارها صديق - مهذب - وشفاف له نفوذ واسع على طهران ,وأكبر قوة نووية فى العالم ,وشريك مهم فى مجموعة أوبك|+ بحيث رأى الخليج فى روسيا الكثير من الإغراء لعمل مناورات مع الولايات المتحدة.
ولكن يجمع روسيا وإيران علاقات ذات طبيعة خاصة ,تجعل من قدرة روسيا على احتواء الصراع العربى الإيرانى محل تساؤل ,وعلى حسب الموقف المعلن من روسيا فهى ترفض امتلاك إيران للسلاح النووى ,لكن طهران تنظر - لقنبلتها - النووية باعتبارها هدف دونه الموت.
تحتاج إيران من روسيا الغطاء الإستراتيجى والتكنولوجيا النووية , وتحتاج روسيا من إيران موقعها الجغرافى والثقل الإقليمى والأدوات الإقليمة المزعجة للولايات المتحدة.
أما موقف الصين كموقف روسيا ,تلهث خلف القوى المناوئة للولايات المتحدة الفرق أن لعابها يسيل على أى دولة نفطية فى العالم ,الأمر الذى يجعل موقفها معقدا إزاء كل من الخليج وإيران ,لكن الصين لديها من الحكمة والدهاء ما يذلل لها تلك التناقضات ,ويحافظ على العلاقات الاقتصادية الضخمة للغاية مع الخليج.
فيما يتعلق بالمشكلة السورية ,فتحتل مكانة بارزة فى خريطة العلاقات الخليجية الروسية ,فالرياض وموسكو يقفان على طرفى نقيض إزاء الرئيس السورى الذى تراه الأولى أحد أهم الإرتكازات الإيرانية فى المنطقة العربية ,صحيح أن موقف ولى العهد السعودى محمد بن سلمان أكثر مرونة ,لحد عودة سوريا لمقعدها فى جامعة الدول العربية ,إلا أنه ليس هناك صيغة توافقية محددة بين الرياض وموسكو حول وضع إيران فى المنطقة العربية وهى محل تناقض كبير وحلوله ضبابية.
بالأخير قوة الروابط التى تجمع الصين وروسيا بإيران تقوض تلبية الطموحات العربية ,لكن يبدو أن الأطراف جميعا اتفقت ألا تختلف
- إلى حين- فتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة قد فرض نفسه كأولوية.
السؤال الذى يطرح نفسه , طالما يعجز الجميع عن وقف البرنامج النووى الإيرانى ,فهل من المفضل أن تداوى الدول العربية أمنها القومى بنفس الداء ؟ أى امتلاك السلاح النووى ,على طريقة الهند وباكستان ,وهل لدى روسيا استعداد لذلك ؟

فيما يتعلق بمحور الصراع الصينى الهندى ,فهناك أربعة أسباب رئيسية , دعم الصين لباكستان , العدو التاريخى للهند ,والخلافات الحدودية بينهما فى منطقة الهيمالايا والتى تؤدى إلى اشتباكات من حين لآخر.
والمنافسة الكبيرة بين الدولتين ,والسياسات الصينية فى محيطها الجغرافى فى بحر الصين الجنوبى وعسكرة بعض الجزر والإدعاء بأن معظم مساحاته مياة إقليمية صينية ,وكذلك ما يعرف بسياسة عقد اللؤلؤ المشار إليها.
الأمر الذى استفز دول الجوارالجغرافى للصين واعتبروا هذا السلوك عدائيا ,ومن بينهم الهند المدخل الشمالى لمضيق ملقا ,المضيق الأكثر خطورة فى المنطقة ,فاقتصادات هذة الدول تقوم على مبدأين رئيسيين , حرية الملاحة وحرية التجارة ,ومن ثم اعتبرت الصين تهديدا.
لكن الصين والهند دولتان عاقلتان ,على الرغم من كل ذلك إلا أنهما نجحتا فى التوصل لصيغة سلمية للعلاقات بينهما ,ويجمعهما إضافة للبريكس منظمة شنغاهاى مع روسيا أيضا ,وشنغاهاى توفرالأطر المؤسسية والآليات لحل النزاعات بين دولها بطريقة سلمية وعلى أسس من المصالح المشتركة.
لكن لاشك أن العلاقات بين بكين ونيودلهى تشوبها الريبة وعدم الثقة خاصا من قبل الهند التى تتشارك مع الولايات المتحدة تجمع الأكواد التى تعتبره الصين موجها ضدها.
لكن الهند من اكثر دول العالم دهاء وحنكة ,وتحرص على وضعها كقطب مؤسس لحركة عدم الإنحياز , ومن ثم فهى تحرص على علاقات قوية بين قطبى الصراع الصين والولايات المتحدة وتقف على مسافات متساوية بينهما .
ونيودلهى لا تثق إلا فى موسكو ,التى تعتبر رمانة ميزان فى المجموعتين بريكس وشنغاهاى ,وتدعم الحوار السلمى بين الأطراف المتنازعة وإعلاء المصالح المشتركة وعدم السماح لأسباب الصراع بتعكير الصفو ,أو تغييب الأطر المؤسسية الجامعة المتفق عليها كآلية وحيدة للحوار.
فى الأخير نجح الطرفان الصينى والهندى فى تنحية الصراعات والمضى قدما فى تحقيق المصالح المشتركة ,وهذا وإن كان انتصارا من جانب إلا أنه ليس حلولا جذرية وأسباب الصراع باقية تفرض نفسها على الطاولة من وقت لآخر ,وكل ما تحقق هو تجمد الصراع وإرجاء المواجهة .
وتنظر واشنطون لتلك العلاقة المتوترة بين بكين ونيودلهى بكثير من التفاؤل ,إلا أن الدولتين حريصتان على عدم تقديم الهدايا المجانية للولايات المتحدة.


لننتقل عبر السطورالقادمة للمستوى الثانى من الصراع ,والمتعلق بصراع بعض الأعضاء مع الولايات المتحدة ,وسنتوقف هنا عند الخليج والصين والهند.
ذكرنا فى المقالة السابقة أن السبب الرئيسى للصراع بين الشرق والغرب هوالإختلاف حول الهيمنة الأمريكية , فأعضاء بريكس ترفض تفرد قطب معين على عجلة قيادة العالم وتريد اصلاح النظام الدولى على عكس الأهداف الأمريكية.

فيما يتعلق بالصين والولايات المتحدة فالمفاجأة للبعض أن بكين نفسها أكثر الأطراف حرصا على إحتواء الصراع مع واشنطون واستقرار الدولار وذلك بعكس ما يتصور الكثيرون ,فلدى بكين أكثر من ثلاثة مليار دولار أحتياطى أجنبى ,وهو فى تصاعد ومستقر ,ولا تسعى فى الوقت الراهن لما يمكن أن يؤثر على قيمة تلك الإحتياطات الضخمة.
علاوة على أن بكين لا تريد الانزلاق - حاليا - لمواجهات عسكرية مع واشنطون ,وقد كشفت الزيارة الاستفزازية التى قامت بها نانسى بيلوسى رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة إلى تايوان العام الماضى ,عن مدى حكمة وقدرة الصين فى كبح جماح الغضب وعدم الاستدراج لإجراءات طائشة ,وكان رد فعلها محسوبا وفى الحدود المسيطر عليها.
كما أن الصين حتى الآن على الأقل لم تقدم دعما عسكريا إلى روسيا فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية ,بل تأخذ منحى متوافق مع الغرب بعدم إعطاء الشرعية للعدوان الروسى على الآراضى الأوكرانية وتشدد على عدم استخدام السلاح النووى.
ولدى بكين هدفان رئيسيان فى ذلك ,أولا شق الصف الأمريكى الأوروبى لعدم مواجهتهما معا وتقليص جبهة الصراع ,وفى هذا الإطار تحرص على استمالة أوروبا والبناء على علاقات متينة معها انطلاقا من اختلاف الأولويات بين بروكسل وواشنطون ,حيث لا تعتبر الأولى الصين عدوا لها.
أما السبب الثانى هو إرجاء المواجهات العنيفة مع واشنطون لحين اللحظة التى تراها بكين مناسبة لذلك.
وفى هذا السياق تأتى المسألة التايوانية كقضية حاسمة فى هذا الصراع.
وتتوجه أنظار المراقبين إلى تايوان على اعتبارها منطلق الحرب العالمية الثالثة المحتمل حدوثها ,ويبدو أن اللحظة المناسبة لواشنطون لتحمل كلفة الدفاع عن تايبيه ستكون بعد الانتهاء من توطين تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية لديها ,علاوة على تأمين احتياجاتها من المعادن النادرة والتى تسيطر الصين على صناعتها وهذة مسألة ستأخذ وقتا طويلا.
أما بكين فاللحظة المناسبة لديها هى الوصول لوضع اقتصادى وسياسى معين تراه كافيا لاستعادة تابييه بأية طريقة كانت.
لكن حالة الاستنزاف العسكرى الذى تعانى منه الولايات المتحدة الآن بسبب التدفق غير الرشيد لمساعاداتها العسكرية إلى أوكرانيا ,وحالة الإنهاك السياسى الذى تعانيه أيضا بسبب فتح جبهتى صراع فى آن واحد مع الصين وروسيا قد أربكت حساباتها.
فواشنطون غير قادرة الآن على تصعيد الصراع أكثر من ذلك على الأقل فى الوقت الراهن.

فيما يتعلق بالهند والوليات المتحدة فنيودلهى لازالت ترى نفسها القطب المؤسس لكتلة عدم الإنحياز ,وتنطلق من هذا المبدأ سياساتها ,وتحرص على التوازن بين الشرق والغرب .كما أن نيودلهى لا تثق إلأ فى موسكو أما واشنطون وبكين فلا تثق فى أى منهما.
لذا فالهند ذات وضع مميز للغاية ,فهى مع الصين فى مجموعتى بريكس وشنغاهاى ومع الولايات المتحدة فى الأكواد - الجبهة المناوئة للصين -
فبسبب الصراع التاريخى بين الهند والصين ,فنيودلهى تتقارب مع واشنطون بالقدر الذى يخيف بكين , وتتقارب مع بكين بالقدر الذى يكافئ العلاقات مع واشنطون.
وتحظى الهند بعلاقات حميمة وقوية مع الجميع ,ولا تريد صراعا مع الولايات المتحدة ,وبسبب ما تتمتع به الهند من وضع عسكرى ونووى واقتصادى وسياسى وجيوسياسى وسكانى ,فهى الطرف القادر على ترجيح الجبهة التى ستنحاز إليها ,إذا ما وصلت الأمور إلى طريق مسدود واندلعت الحرب العالمية الثالثة ,فحينها ستحدد الهند مصر الإنسانية ,فمن الجبهة التى ستنحاز إليها الهند ؟

فيما يتعلق بالسعودية والإمارات ,فلا تتمتعان بعلاقات تاريخية مع روسيا بعكس علاقاتهما مع الولايات المتحدة ,لكن التطورات التى حدثت خلال العقد الأخير ساهمت فى إحداث توترات متنامية مع واشنطون.
نستطيع أن نوجز تلك التطورات فى ثلاثة أسباب ,البرنامج النووى الإيرانى ,خاصة مع الإدارات الديموقراطية ,والصلف والغطرسة الأمريكية خاصا فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان .والحرب الأوكرانية كسبب ومؤشر فى آن على تنامى درجات التوتر بين الطرفين لحد غير مسبوق.
فبالنسبة للبرنامج النووى الإيرانى ,أيقنت الدولتان أن الإدارات الديموقراطية تميل إلى التهدأة مع إيران وعازمة على التوصل معها إلى إتفاق بخصوص برنامجهها النووى ,مما يسبب إزعاجا شديدا لدى الخليج. كما أن الدولتين أدركتا أن واشنطون تتلاعب بتلك المخاوف من أجل إبتزازهما لدفع المزيد من الأموال فى شراء الأسلحة الأمريكية.
أما بالنسبة للحرب الأوكرانية فتسببت وكشفت عن هوة كبيرة بين الطرفين ,فمن جانب الرياض وأبو ظبى إتخذتا موقفا متوازنا ,ورفضتا الانسياق خلف العقوبات الغربية على موسكو .ومن جانب واشنطون بدلا من أن تتدارس موقفها بتعقل وتقدم المغريات والتطمينات ,تمادى الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن فى تعامله المتغطرس غير اللائق للحد الذى جعله - يتوقح - خلال قمة جدة والتى عقدت يوليو 2022 - ليأمر - الحضور بعدم التعامل مع الصين وروسيا وهو فى عقر دار المضيف.
إذا هذا التوتر يرتبط بالإدارات الديموقراطية أكثر مما يتعلق بالعلاقات الدولية بين الطرفين ,مما يثير تساؤلات عن طبيعة العلاقات الخليجية الأمريكية فى حال رحيل الرئيس بايدن عن السلطة فى الإنتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.
فماذا لو فاز الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب أو وصل إلى البيت الأبيض رئيس جمهورى ,هل سيكون التوتر بين الطرفين بنفس القدر كما يحدث الآن ؟
أما السؤال الآخر ماذا تريد السعودية والإمارات من واشنطون وماذا تريد الأخيرة منهما ؟
يستميت الرئيس بايدن الآن على أمرين ,إبعاد ملحوظ للصين وروسيا عن الخليج ,وتوقيع اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل.
والرياض ليس لديها مانع من حيث المبدأ ,ولكنها لا تريده هدية مجانية , فالسعودية تريد أيضا أمرين ,برنامجا نوويا على غرار العدو الإيرانى , وإتمام صفقة طائرات F35المقاتلة والتى علقت من قبل ادارة باين بعد أن تم التوافق عليها فى عهد الرئيس ترامب.
وإلى أن يتوصل الطرفان لتسوية مرضية فى هذا الشأن سيظل الدب الروسى ذو بريق جاذب وبديل آمن وعصا خشنة ترفع فى وجه الغطرسة الأمريكية ,ولكن حتى الآن فالعلاقات يشوبها الغموض حيال بعض الأمور.
وبقدر توتر العلاقات مع البيت الأبيض بقدر تنامى العلاقات مع الكريملين ,هذة العلاقة لم تكشف بعد عن كل أسرار المستقبل.
فالأطراف الآن تحتاج لإعادة صياغة العلاقات بين بعضهم البعض.
لكن الواضح أن الدولتين الخليجتين قد ضجت بالإملاءات وذاقت حلاوة الإختيارات.
إذا لكل أسبابه ودوافعه فى خلافاته مع واشنطون ,تلك التباينات قد تجد طريقها لتؤثر على وحدة وصلابة موقف بريكس.
ولكن الواضح أن الأطراف اتفقت على عدم الاختلاف -إلى حين- فأكثرهم يجتمعون ضد الولايات المتحدة ,فى وضع أشبه بالحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية ,فلم تؤرق شيوعية موسكو ليبرالية لندن ,فالحرب على المانيا أذابت الجميع ,إلى أن أصبحت برلين قاب قوسين أو أدنى ,هنا استيقظ الوحش القابع بين الأصدقاء الذين أرغمتهم الظروف على هذا الزواج قصير الأجل ,وما أن رفع العلم الأحمر فوق مبنى الرايخستاج حتى تم الطلاق.
ومجموعة بريكس زواج بلا حب ,ينام الشيطان تحت أسرتهم الذهبية ,وتسكن الحرائق بيوتهم ,ولكن ما لدى الأعضاء المؤسسين من رغبة جامحة على النجاح جعلتهم يروضون وحوش خلافاتهم بنجاح.
لكن إضافة أعضاء جدد على هذا القدر من الصراع يمثل تحديا لا تعرف مآلاته ,وكان أجدى بالأعضاء المؤسسين عدم قبول إيران وإثيوبيا قبل أن يكون هناك تسوية واضحة للقضايا محل الصراع ,إن كانت الدول العربية الثلاثة تحظى بالأولوية لديهم.
لكن أصرت الصين على فرض إثيوبيا ,وأصرت روسيا على فرض إيران طمعا فى تحقيق مصالح ذاتية ,وعلى غير رغبة جميع الأعضاء الآخرين فهل لديهما رؤيا للعب دورالوساطة أم الأمركبرق ينير السماء لوهلة فرعد يفزع ضجيجه سكون الليل.

ختاما لا شك إن إنضمام مصر إلى البريكس هو نقلة نوعية وصفحة تاريخية مهمة ولكنها ليست ناصعة البياض ,بعض سطورها من بريق والبعض الآخر من لهيب ,ولن تجنى ما تتصوره من مكاسب مبالغ فيها ,فما يتردد عن إسقاط الدولار فكرة خيالية لا تراوض الأعضاء أنفسهم لكن بالتأكيد المجموعة خصم موجع من النفوذ الأمريكى ,وهامش رحب من المناورة.
مجموعة بريكس غابة تذدهر بالأشجار ,فإن كنت طواقا لتذوق ثمارها الشهية فعليك أن تصارع وحوشها.
من العظيم أن تكون بين الأقوياء ,ولكن يجب أن تكون قادرا على دفع كلفة الأقوياء ,فمجموعة بريكس تكتل اقتصادى وسياسى يغير شكل العالم ,لكنه الجبهة المناوئة للولايات المتحدة , فهل أنت مستعد ؟

كاتبة المقال منى النشار خبيرة الشئون الخارجية

موضوعات متعلقة

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى22 ديسمبر 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 50.8700 50.9697
يورو 53.0523 53.1665
جنيه إسترلينى 63.9385 64.0791
فرنك سويسرى 56.9589 57.0770
100 ين يابانى 32.5214 32.5873
ريال سعودى 13.5411 13.5699
دينار كويتى 165.1141 165.4915
درهم اماراتى 13.8493 13.8780
اليوان الصينى 6.9714 6.9859

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار سعر البيع سعر الشراء بالدولار الأمريكي
سعر ذهب 24 4309 جنيه 4286 جنيه $84.33
سعر ذهب 22 3950 جنيه 3929 جنيه $77.30
سعر ذهب 21 3770 جنيه 3750 جنيه $73.79
سعر ذهب 18 3231 جنيه 3214 جنيه $63.25
سعر ذهب 14 2513 جنيه 2500 جنيه $49.19
سعر ذهب 12 2154 جنيه 2143 جنيه $42.16
سعر الأونصة 134012 جنيه 133301 جنيه $2622.88
الجنيه الذهب 30160 جنيه 30000 جنيه $590.29
الأونصة بالدولار 2622.88 دولار
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى