طالع السعود الأطلسي يكتب : زلزالُ الحوز يرتدُّ في الإعلام الفرنسي سُعارا
اصْطِدام الصّفائح الجيولوجية في أعماق أرض منطقة الحوز بالمغرب، أبرز المعبرات عنه وأعنف نتائجه هو ذلك الزلزال الذي دمَّر تلك المنطقة وأسْفر عن عشرات المِئات من الموْتى والجرْحى.
ومن قُوَّة ذلك الصِّدام وشِدَّة الفَجيعة التي أحْدَثَها في الكيِّان الاجتماعي المغربي، أن أنتج هبَّة وطنية سَرَتْ في المجتمع المغربي، في صورة صرْخة ألَمٍ واحدةٍ وفي صدْع حماسي واحد بنشيد الأمل.
المغاربة، في كل المغرب، وليس فقط في منطقة الحوز، داهمَهم الموْت. وفي كل المغرب، وليس فقط في منطقة الحوز، تَمتْرس خلف غابات الحياة، للْإنسان وللْوَطن، أشعلها ورُودا تكشف عن استقدام إرادي لربيع وطني زاخر بالحياة.
أخبارٌ، صورٌ ومشاهدُ التضامن الوطني، من كل المغاربة، داخل كل مناطق المغرب، وفي مواقع التّوَاجُد المغربي في العالم، مُدْهِشة، مُفْرحة ومُطَمْئِنة إلى أنَّ الفجيعَة لنْ تسْتَشْري في الجسد المغربي لتنْهش حيويته ولتمتصَّ وطنيَّته.
ساعات بعد الكارثة، أعلن الملك محمد السادس نَفِيرَ التحدّي للتصدّي، برئاسة اجتماع في الديوان الملكي، لأرْكان المُواجهة لكُلِّ الهزَّات الارْتِدادية للزِّلزال... الهزّات الصحية، العُمرانية والاجتماعية.
في الاجتماع شكر القائد الوطني للتصدي، التعبير الدولي الكبير، عن التضامن، وعن الاستعداد للتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم يرفُضْه، إنّما وجّه النظر إلى استنفار القدُرات الذّاتية المغربية، لحاجات مُسْتَعجلات التعاطي مع آثار الزلزال، من انْتشالٍ للأحياء من تحت الأنقاض، ومُعالجة الجرْحى ودفْن الموْتى ورعاية المنكوبين بالمأوى وبالإطعام.
ولكن في ذات الاجتماع خطّط الملك لمراحل ما بعد الهزّة، وفي مقدّمة أهدافها النهوض بالإعمار لمَحْو آثار الدّمار، بما يجدِّد الجدْوى في الحجر والحيوية في البشر... الزلزال ابتلاء.. وفي هذا الابتلاء تعالى المغاربة وتساموا بقوة إيمانهم وبصلابة تفاؤلهم.. وذلك ما تأسست عليه الخطة الملكية في قيادة مواجهة الزلزال من حيث وقائع آثاره ومن حيث توَقعات امتداداته في عمران المنطقة بكل خصائصه وأركانه.
وقد بدا المغاربة، ويقودهم في ذلك الملك محمد السادس، معتزين بمَوْجات التضامن العالمية التي تحسّسُوها، كونها تعبير عن مكانة المغرب في أعلى المواقع العالمية، وكونها دفْقا إنسانيا يدعم قدراتهم ويؤمن لديهم جرعات إسناد قابلة للحقن عند الضرورة.
"عند الضرورة" تلك هي ما تفهّمه أصدقاء المغرب، في كل القارات، مقدِّرين أن المغرب لديْه مقومات دولة، وضمنها جاهزية بنيوية وعملية لتحمل المفاجآت والكوارث، وأن حاجتَه للدّعم الخارجي هي استثناء وليس قاعدة ولا ضرورة... هي فقط "عند الضرورة".
الأصدقاء في فرنسا، وحدَهم، ليسوا على هذا التردّد "الكاهروسياسي".. وقد يقول آخر، هُمْ على التردُّد "الماكروسياسي".. الدولة العميقة في فرنسا تصورت أن فاجعة زلزال الحوز ستكون فرصتها للتّحريض ضد ملك المغرب، قائد الدولة المغربية، والذي تراه المُحرض الموْضوعي، والقُدوَة في التنطّع الإفريقي ضد السطوَة الفرنسية، الموروثة من تاريخ استعماري، يفترض أن يكون قد ولى... إذ لا يمكن قراءة السُّعار الذي انْتاب الإعلام الفرنسي، في بعض صُحفه، وبعض القنوات السمعية والبصرية الرائجة، إلا على ذلك النَّحوِ وبتلك الخلاصة.
تلك الوسائل تجاوزت التعبير عن غضبها من عدم التجاوب المغربي مع العرض الفرنسي للتدخّل في عمليات الإنقاذ بعد كارثة الزلزال في الحوز، تجاوزت ذلك إلى مُستوَى حملة ضد ملك المغرب، بالتعيين وبالاسم، وبسُمُوم تحريضية تهم تأويلها لطرق تدبيره لحكم المغرب وتتدخل في حياته الخاصة.
حملة تبدو أنّها أعِدّت سلفا، وكمنت متحينة فرصة شنِّها... وكان الزلزال ذريعة "مواتية"... مقالات رئيسية في جريدتي "لوموند" و"ليبيراسيون"، أخرجت من "ثلاجة" التحرير، و"دردشات" في بعض القنوات الإذاعية والتلفزية، بِتِعِلّة الغضب من "تجاهل" العرض الفرنسي "الإنساني"، لكي تطلق نيران مدفعية إعلامية، من صنف نيران الحرب الباردة، ضد الملك محمد السادس، بحيث توارى أمامها "الغضب من التجاهل"، وانْكشفت أنَّها المرمى والمُنتهى من السُّعار الإعلامي ضد المغرب، وتبدت بصمات وأنفاس الدولة العميقة الفرنسية فيها... وبعدوانية مرضية، محمولة بآهات وآلام ودموع ونكبات ضحايا الزلزال وأوجاع المغرب إزاءها...
المغرب لم يرفُض ولم يتجاهل العرض الفرنسي للمساهمة في عمليات الإنقاذ... فقط تلقاه، وشكره، ووضعه في سياق العروض الدولية المتعددة والغزيرة، لينظُر في حسن تدبير تدخلاتها، من حيث النوعية ومن حيث التوقيت... ولهذا، بدَت حملة الإعلام الفرنسي مُتسرِّعة بل ونزِقة... ومع التأمّل في ذلك السلوك وفي مضمون تلك الحملة، اتَّضح أن "الفاعل" تقصَّد انتهاز زعم بالتجاهل المغربي، لكي يخرج معاوِله ضد الدولة المغربية وقائدها، الذي يراه قد راكم "تطاوُلات" للتخلُّص من "الحوزة" الفرنسية ذات الظلال الاستعمارية... ضمنها الضغط الملكي، المنطلِق من الوطنية المغربية والمُنافح عن كرامة الدولة المغربية، لكي تُصرح الدولة الفرنسية بمغربية الأقاليم الصحراوية... فالمغرب، لا يقْبل، ومن فرنسا بالذّات، مُجرد مساندة مُقترحة للحكم الذاتي لحل النِّزاع حول الصحراء المغربية... ماضيها الاستعماري في المنقطة المغاربية عامة يؤهلها أن تكون أول من يُقر بحقيقة مغربية الأقاليم الصحراوية... تَلَكُّؤُ الدولة الفرنسية عن ذلك، اسْتصْغار للمغرب، ومُناورة فرنسية للحفاظ لديها على ورقة ضغط ضده... والمطالبة المغربية هو تَتْفيه لتلك المناورة... وذلك ما تسجله الدولة العميقة الفرنسية مُكابرة من المغرب ضد دولة "عظمى"... ويضاف إلى ذلك تزعم المغرب، وملك المغرب بالذات، لاستنهاض النفس السيادي الافريقي، ضد السياسات الاستعمارية، التي تُوَاصل نهبَها للثروات والطاقات الافريقية... حين ألحّ ملك المغرب في كل لقاءاته الثنائية والجماعية الافريقية على أن إفريقيا هي أولى بإفريقيا، وعلى قاعدة رابح رابح في معاملاتها البينية ومع الدول خارجها... ويبدو أن الدولة العميقة الفرنسية تحمله مسؤولية صحوَة الضّمير الوطني والسيادي الافريقي، والذي يعمُّ اليوم كل إفريقيا، والذي ترى فرنسا، نفْسها هي أول من تضرّر به أو منه، وهي اليوم تشكو تراجُع نفوذها وحظوتها في الساحات الإفريقية ذات العلاقات التقليدية معها...
دولة المغرب، اليوم، تستمد قوتها من رصيد الوطنية الذي تزخر به، في أوصالها وفي روحها، وبه يقودُها ملكٌ، بحكمة وبفعالية، نحو تعميق وطنيتها بتقوية استقلالها، وتغذية مقومات انتصارها، الذاتي، في مواجهة التحديات الوطنية، التنموية وطبعا الكوارث الطبيعية... أمام وباء الكوفيد أنجز المغرب ملحمة، بقيادة ذاتية وطنية... وبذلك الرّصيد من الخِبْرة ومن الوطنيّة، وبانفتاح على تعاون أصدقائه معه، أصدقاؤه اللذين هم أصدقاؤه... سينجح في تحدي مواجهة آثار الزلزال...
والحملة الإعلامية الفرنسية، تصور أصحابها أنهم قادرون على زلزلة الدولة المغربية... والمغرب مُنْهمك اليوم في مواجهة مخلفات الزلزال الطبيعي، ولا يُبالي بحملة مُضلّلة عُدْوَانية، كَسِيحَة المفعول ومُنعدمة الارتدادات... لأنها على سُلّم حِقد سياسي رَثٍّ ومُتَلاَشي.
كاتب المقال طالع السعود الأطلسي