عمرو موسى: نحن على شفا مرحلة صدام.. ولابد من مواجهة ازدواجية المعايير الغربية
قال عمرو موسى وزير الخارجية المصرى الأسبق والأمين العام للجامعة العربية الأسبق فى مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط، إن المؤتمر الدولى الذى دعت إليه مصر، وانعقد يوم 21 أكتوبرالحالى، قدم خدمة مهمة بتوضيح أو تأكيد خطوط التماس بين سياسات وثقافات بدت متصادمة وذات مصالح متضاربة، بل ومنطلقات أخلاقية غير متوافقة.
وأكد موسى، أنه على المستوى العالمى، والجهود تجرى الآن لتجديد النظام الدولي، بدا واضحاً أن المجتمع الغربى غير مستعد لتطوير مفاهيمه، التى كانت أحد الأسباب الرئيسية لضياع مصداقية النظام متعدد الأطراف، خصوصاً فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين.
وأشار موسى إلى أنه يقصد بذلك سياسة ازدواج المعايير، فما يدافع عنه فى الحالة الأوكرانية، يدافع عن عكسه فى الحالة الإسرائيلية - الفلسطينية، وقد بدا هذا واضحاً فى مداخلات معظم الدول الغربية فى مؤتمر القاهرة، مما آثار استياء قطاعات كبيرة من الرأى العام العربى والإقليمى والعالمي.
واستطرد موسى خلال مقاله: "لقد أدت مناقشات القاهرة إلى رفع عدد من علامات الاستفهام الاحتجاجية بشأن حقيقة عملية تجديد النظام الدولي، إذا كان الأسلوب الغربى لا يتغير أبداً، وأعتقد أن الجنوب العالمى، كما يسمونه، سيضع هذا فى الاعتبار فى صياغة موقفه فى هذا الشأن".
وأكد "نعم، يجب أن نعمل على ذلك، وأن نواجه بشجاعة هذا الوباء الخطير وازدواجية المعايير، وإلا كنا فيما يتعلق بتطوير النظام الدولى كمن يحرث فى البحر".
وتسائل موسى "على أى أساس أخلاقى رفضت الدول الغربية أن يصدر مجلس الأمن قراراً يتعلق بالمعونات الإنسانية للمدنيين فى غزة، وهم يزيدون على مليونين من البشر؟ ثم على أى أساس يرفضون وقف إطلاق النار؟ ماذا ينتظرون؟"
وأكد موسى "نحن فى مصر نعرف الإجابة، فقد تأجل وقف إطلاق النار فى أكتوبر 1973 حتى "ينعدل" الموقف العسكرى الإسرائيلى المتراجع، واليوم هو يتأجل حتى يساعدوا إسرائيل فى إعدادها للاجتياح العسكرى لقطاع غزة.
وتسائل موسى "ما هو حق الدفاع الشرعى بالضبط؟ وهل هناك دفاع شرعى لدولة قائمة بالاحتلال العسكرى لأراضى ضد سكان الأراضى المحتلة... هل ضرْب المدنيين والعقاب الجماعى دفاع شرعى؟هل إزالة القرى الفلسطينية فى الضفة الغربية وطرد أهلها دفاع شرعي؟ هل ما يطالب به وزراء متطرفون فى الحكومة الإسرائيلية الحالية من محو الوجود الفلسطينى دفاع شرعي؟ وهل حق الدفاع الشرعى مقصور على الجانب الإسرائيلى دون غيره؟ إنها حقاً حالة مؤسفة من حالات ازدواجية المعايير؟"
وأشار موسى إلى أنه على المستوى الإقليمى، فواضح من مناقشات المؤتمر أن الدول العربية رغم استعدادها للسلام، وفقاً لما جرى إعداده من مبادرات واتفاقيات، فإنها ليست على استعداد للتسليم لإسرائيل بما يبدو أن الغرب يسلم لها به.
وأكد موسى "إننا على شفا مرحلة صدام خطيرة مع تلك المفاهيم التى تكشفت فى مؤتمر القاهرة. وإذا كان هناك من لا يزال يعتقد أنه يستطيع الضغط على حكومة هنا أو سلطة هناك لصالح إسرائيل، فقد سمعوا جيداً من الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى والعاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى ووزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان خلال المؤتمر، مواقف صامدة وحاسمة فى هذا الشأن. وما قالوه لم يكن موجهاً إليهم فى الغرب فقط، وإنما كان تأكيداً لشعوبهم القلقة بأن الأمور فى أيدٍ أمينة، وأن الابتسامة الغربية التى طالما فتنت الكثير من العرب لم تعد تغرى أحداً، وأن الوعود المعتادة لم تعد ذات مصداقية".
وأكد موسى فى مقاله "نعم، لم يعد هناك إلا مسار الجدية لإنقاذ العلاقات العربية – الغربية، وأدعو الجميع إلى أن يأخذوا فى اعتبارهم أن الشعوب العربية فى حالة إحباط وغضب كبيرين، لهذا السبب وغيره، أضيف هنا أن الإقليم لا يعيش فيه العرب وحدهم وأنهم ليسوا وحدهم الغاضبين.
ووجه موسى الدعوة إلى أنصار السلام فى إسرائيل نفسها، ليعبّروا بوضوح عن موقفهم إزاء آفاق السلام وعدالته. وعن معارضتهم لسياسات حكوماتهم المتطرفة إزاء سكان الأراضى المحتلة وإزاء حق الفلسطينيين فى دولتهم المستقلة. إننى أتصور تحالفاً إقليمياً يشمل أنصار السلام فى إسرائيل يغير الصورة ويرسل لأصحاب "ازدواجية المعايير" رسالة صارمة: كم هم مخطئون.
ووجه موسى رسالة إلى ساسة إسرائيل وأكد" لابد أن يعلموا، بل أثق أنهم الآن يعرفون، أن القضية الفلسطينية لن تتطاير فى الهواء أو تغرق فى الماء أو تدفن فى رمال الصحراء. إنها ستنفجر فى وجوه الجميع، ما دام إنكار حقوق شعبها مستمراً، بل وجوده ذاته. وعليهم أن يعلموا أن تعريفهم للأمن تعريف قاصر، فلن يعطيهم ضرب المدنيين أمناً ولا الاحتلال ولا مصادرة الأراضى ولا قمع البشر.
وأكد موسى أن الأمن الحقيقى هو الذى يقوم على "الاتزان"، أى التوازن والقبول المتبادل، وقد حدث هذا بالفعل فى "كامب ديفيد"، وحقق أغراضه لأن أحداً لم يمكّن إسرائيل من التهرب من التزاماتها طبقاً له، بل إنه حدث أيضاً طبقاً لاتفاق أوسلو الانتقالي. إلَّا أن إسرائيل قزّمته ثم خرقته لأن «حُماتها» أمّنوا لها التغطية اللازمة لهذا التنصل، فكان ما كان، وهو ما تواجهه المنطقة، بل العالم منذ 7 أكتوبر.
وأشارموسى " إن على إسرائيل والمسؤولين فيها أن يعلموا أن سياسة إفراغ الأراضى المحتلة من أصحابها، أو سياسة التهجير القسرى كجزء من خطة إقامة الدولة اليهودية، ووَأْد الدولة الفلسطينية، أصبحت أمراً مفضوحاً ومرفوضاً، ومن الصعب، بل المستحيل أن يقبل بها الجانب العربى دولاً وشعوباً - أكرر وشعوبا، والآن، ماذا بعد؟ ما العمل؟ العمل المسؤول الذى لا أدرى إذا كان الغرب فى مجمله يمكن أن يقبل به، وهو مكبل بفكر ازدواجية المعايير".
وقال موسى "لقد حقق مؤتمر القاهرة فى رأيى بعض النتائج المبدئية والإنسانية المهمة، مثل فتح المعابر وإدخال المعونات وعرض الإفراج عن بعض المدنيين المحتجزين... إلَّا أن ما حققه المؤتمر فى المجال الاستراتيجى كثير. لقد فتح الباب لنقاش نقدى لحق الدفاع الشرعى وتعريفه وحدوده".
وأكد موسى "إن ما ذكره بعض الممثلين الأوروبيين فى هذا الصدد خطير، ويمكن أن يؤثر سلباً فى النظام الدولي، وهو ما يتطلب موقفاً عربياً مدروساً يواجه تلك المحاولات، وفى هذا أقترح أن ندعو المجتمع الدولى ممثلاً فى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشته بصفة عاجلة، خاصة أن الكونغرس الأميركى - طبقاً لما أوردته وكالات الأنباء - يدرس منح إسرائيل هذا الحق كمنحة أميركية إضافية، حين أدرك المستشارون القانونيون أن ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولى لا تقر لإسرائيل حق الدفاع الشرعى فى الحالة المعروضة التى هى فى معظم جوانبها رد فعل لسياسات الدولة القائمة بالاحتلال ضد سكان الأراضى المحتلة التى تمثل خرقاً صريحاً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين فى وقت الحرب".
وأضاف موسى "وأخيراً وليس آخراً، لقد تحدث الجميع - بشكل أو آخر وبنية سليمة أو من دونها - عن الأفق السياسي وضرورة فتحه، وهو ما يجب علينا ألا نتركه من دون تفعيل عاجل، ولنطرق الحديد وهو ساخن. وفى هذا أطالب الدول العربية، سواء فى إطار الجامعة العربية أو فى إطار تجمع عربى فاعل، يشمل بالضرورة مصر والأردن والمملكة العربية السعودية مع غيرها من الدول العربية الراغبة فى الانضمام، بطلب مناقشة هذا الأمر رسمياً فى مجلس الأمن، من دون حاجة إلى اتخاذ قرارات عاجلة، إلا بدعوة من يهمه الأمر للمساعدة فى فتح هذا الأفق السياسى نحو تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، بما فى ذلك قيام الدولة، وضمان الأمن للجميع".