صحف فرنسية تعلق على وفاة المعارض الروسي نافالني
تناولت الصحف الفرنسية اليوم السبت نبأ وفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني في سجن في سيبريا والذي أثار نبأ وفاته جدلا كبيرا في جميع أنحاء العالم.
وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية أنه تم الإعلان عن وفاة أليكسي نافالني ظهر يوم الجمعة من قبل إدارة سجن منطقة يامالو-نينيتسيا المتمتعة بالحكم الذاتي حيث تم نقل السجين خلال شهر ديسمبر 2023: "في 16 فبراير 2024، في مركز السجون رقم 3، شعر السجين نافالني، بوعكة بعد قيامه بالتريض وفقد وعيه على الفور تقريبًا".
وبالفعل، قدمت وسائل الإعلام الروسية الرسمية، بما في ذلك "ار تي"، التشخيص الأول الذي تم الحصول عليه من مصادر رسمية مجهولة، وهو إصابته بإنسداد وعاء دموي وبحسب إدارة السجن، فإن الطاقم الطبي الذي أرسل على الفور إليه فشل في إنعاشه.
ورغم أن الأشهر الأولى من السجن كانت صعبة، وكان الرجل لا يزال يعاني من آثار التسمم بغاز الأعصاب الذي تعرض له في أغسطس 2020، إلا أنه لم يشكو، في الأسابيع الأخيرة، من الألم بشكل خاص، وفي 12 فبراير تمكن والداه من رؤيته – وكانت هذه أول حقوق الزيارة الممنوحة لهما منذ سجنه في يناير 2021. وقد وجدوه صلبًا، ولم يتلقيا يوم السبت أي معلومات جديدة أو أي إشارة بشأن احتمال تسليم جثة ابنهم
ويشير أطباء، ومن بينهم أحد الذين أنقذوا حياة نافالني في أغسطس 2020 في مستشفى أومسك، إلى أن تشخيص تجلط الدم، المطروح بشكل غير رسمي، لا يمكن إثباته إلا بعد تشريح الجثة ويشير آخرون، سواء كانوا أطباء أو مدافعين عن حقوق الإنسان، إلى أن هذا التشخيص متعدد الأغراض، وأن إدارة السجن تستخدمه بشكل مفرط ومضلل في بعض الأحيان.
من جانبها قالت صحيفة "لوفيجارو" إنه بالنسبة لمؤيدي أليكسي نافالني، وكذلك للقادة الغربيين الذين أعربوا عن تعاطفهم وغضبهم، فإن مسئولية "نظام الكرملين" - استخدم إيمانويل ماكرون هذا التعبير يوم الجمعة خلال مؤتمره الصحفي إلى جانب فولوديمير زيلينسكي - مؤكدة بدون شك.
ومنذ عودته إلى روسيا في يناير 2021، كان تراكم أحكام السجن -آخرها تسعة عشر عاما- ضده يشبه الحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وتم تنظيم عزله حتى نقله، في ديسمبر 2023، إلى سجن في القطب الشمالي، وتم سجن ثلاثة من محاميه في الأشهر الأخيرة، بزعم نشر رسائل نافالني المتفائلة والمتحدية التي استمرت في تغذية شبكاته الاجتماعية.
ومن بين 1126 يومًا قضاها رهن الاحتجاز منذ يناير 2021، قضى ثلثها في الحبس الانفرادي العقابي، بين جدران السجن الجليدية أو الخانقة وربما أثرت ظروف السجن على صحة المعارض ولكن لن ينبئنا أي تحقيق جدي عن ذلك.
وسخر أنصار السلطات الروسية من هذه الادعاءات يوم الجمعة، حيث قدروا أن وفاة نافالني، قبل شهر واحد من الانتخابات الرئاسية التي يتوقع أن يفوز بها فلاديمير بوتين، "لا تفيد" السلطة - وهي نفس الحجة التي استخدمت وقت حادثة تسميمه من جانب "المخابرات الغربية" لإلقاء اللوم على "السلطة" واتخذ رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين، هذا الموقف حيث كتب على حسابه على "تلجرام" "واشنطن وبروكسل مذنبان بوفاة نافالني" وذلك على أساس أن هذه الوفاة ستكون "مربحة" لهما.
وتمسك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي لم يتحدث قط علانية عن نافالني، بموقفه وبعد إبلاغه بوفاة السجين، يوم الجمعة، مضى قدمًا في اجتماع مخطط له مع عمال تشيليابينسك، وتحدث لمدة خمس وأربعين دقيقة دون إثارة الموضوع، وفي المساء قامت محطات التلفزيون بوضع الأخبار في نهاية نشراتها الإخبارية.
واعتبرت صحيفة "لوموند" أن الإرث الذي تركه المعارض هو نجاحه في إعادة الثقة في السياسة، من خلال دقته ونزاهته إلى الآلاف من المواطنين الروس الذين انضموا إلى صفوف حركاته المختلفة الذين فشلوا في التعبير عن أنفسهم أثناء الانتخابات.
وأفردت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية أكثر من مقال لها في عددها الصادر اليوم حول وفاة نافالني فجاءت افتتاحيتها بعنوان "أليكسي نافالني، أيقونة الحرية" والتي قالت فيها إن الغرب يعتبر بالفعل أليكسي نافالني رمزا للحرية.
كانت رسالة نافالني قبل الأخيرة، التي نُشرت في أوائل فبراير على إنستجرام من خلال محاميه، موجهة إلى الشعب الروسي الذي دعاه إلى "الدخول في حملة" ضد بوتين.
بدورها نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية مقالا بعنوان "أليكسي نافالني مات من أجل الحقيقة" تناولت فيه حياته السياسية وجهوده مكافحة الفساد، إلى حد زعزعة السلطة في أوائل عام 2010.
وقالت إنه "منذ ظهوره على الساحة السياسية في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تمسك أليكسي نافالني بشعار بسيط وفعال "أنا لست خائفًا" - وكان هذا هو سلاحه الرئيسي.
في عام 2013، حقق أليكسي نافالني اختراقاً سياسياً حقيقياً. وفي استطلاعات الرأي لم يصل إلى نسبة تأييد 5% على المستوى الاتحادي؛ فهو ممنوع من الظهور على أجهزة التلفزيون، ولا يُذكر اسمه إلا في سياق الموضوعات الدعائية التشهيرية، مما يقلل بشكل كبير من فرص أن يصبح معروفًا خارج الدوائر المطلعة في سبتمبر، في الانتخابات البلدية في موسكو، على الرغم من الصعوبات، فاز نافالني مع ذلك بنسبة 27.24% من الأصوات ضد رئيس البلدية المنتهية ولايته سيرجي سوبيانين، ومع اقتراب الجولة الثانية، زادت القضايا المرفوعة ضده مما جعل المعارض غير مؤهل للترشح.
وفي يوليو 2012، اتُهم بسرقة ما يعادل 377 ألف يورو من شركة غابات كيروفليس. وحكم عليه بالسجن خمس سنوات مع وقف التنفيذ. وفي عام 2016، أمرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان روسيا بدفع 79 ألف يورو له مقابل محاكمة غير عادلة. ألغت المحكمة العليا الروسية الحكم الأول، لكن محاكمة جديدة في العام التالي كررت الإدانة الأولى تمامًا.
في غضون ذلك، أعلن أليكسي نافالني عن ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2018. وفي 27 ديسمبر 2017، قامت لجنة الانتخابات المركزية بإقصائه نهائيًا من السباق الرئاسي. علاوة على ذلك، لا يزال نافالني محكوماً عليه بعقوبة أخرى. قبل ثلاث سنوات، في عام 2014، أدين مع شقيقه الأصغر أوليج، المالكين المشاركين لشركة لوجستية، بالاختلاس على حساب شركة تابعة للشركة الفرنسية إيف روشيه. تلقى أليكسي عقوبة لمدة ثلاث سنوات ونصف مع وقف التنفيذ، وتم إرسال أوليج إلى السجن لنفس الفترة.
وأضافت صحيفة "ليبراسيون" أنه رغم منع أليكسي نافالني من المشاركة في الحياة الانتخابية في صناديق الاقتراع، ولكنه لم يتراجع فقد بدأ مشروع "التصويت الذكي" عبر الإنترنت، الذي تم إطلاقه في نهاية عام 2018 لدعم أي مرشح باستثناء المرشح الموجود في السلطة، يؤتي ثماره بسرعة، مما حرم روسيا الموحدة من أغلبيتها التقليدية في العديد من البرلمانات المحلية في عام 2019. وكان التأثير ملموسا وبرز أليكسي نافالني كسياسي حديث على النقيض من السلطات الحالية التي فشلت لسنوات في صياغة رؤية إيجابية لمستقبل البلاد.
في 20 أغسطس 2020، عانى أليكسي نافالني من آلام شديدة على متن طائرة أعادته إلى موسكو من سيبيريا. وتم نقله إلى المستشفى بعد هبوط اضطراري في أومسك، ثم نقل إلى برلين. وسرعان ما أكد علماء السموم الألمان والفرنسيون تعرضه للتسمم بغاز أعصاب لا تعرف طريقة صناعته سوى روسيا.
وبعد نجاته من هذه الحادثة صمم المعارض على العودة إلى روسيا وتقبل مصيره وفي يوم عودته إلى موسكو، في 17 يناير 2021، القي القبض عليه.
كان طموح أليكسي نافالني هو أن يصبح قائدًا لجميع الروس، في "روسيا المستقبل الرائعة"، والتي رأى أنها يمكن أن تصبح القوة الاقتصادية والثقافية الرائدة في أوروبا وآسيا ودولة ديمقراطية ولامركزية.
واختتمت "ليبراسيون" مقالها بمقولة لنافالني في فيلم وثائقي مخصص لحادثة تسميمه "لا تستسلم. لا يمكنك الاستسلام. إذا حدث هذا، فهذا يعني أننا أقوياء بشكل استثنائي الآن، منذ أن قرروا قتلي. […] كل ما يتطلبه الأمر لكي ينتصر الشر هو تقاعس الناس الطيبين. لذلك لا تقف مكتوف الأيدي دون فعل شىء".