مفتى الجمهورية: رمضان هو شهر العطاء والمدد الإلهى والتحصين لمن أراد الحصانة
أكد مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، أن دار الإفتاء لديها خطة استراتيجية لاستقبال شهر رمضان ترتكز على تعظيم الاستفادة من التكنولوجيا، موضحا أنه يجب على الناس استغلال شهر رمضان لتغيير السلوكيات السيئة، وتقدير قيمة التسامح فى هذا الشهر الكريم.
وقال المفتي- في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الاثنين، إن الدار لديها خطة استراتيجية لاستقبال شهر رمضان كل عام، وترتكز الخطة خلال العام الحالي على تعظيم الاستفادة من الوسائل التكنولوجية لإيصال رسالة الدار، وفي سبيل ذلك تعمل دار الإفتاء على تعزيز فريق الفتوى الهاتفية والإلكترونية من أجل إتاحة الفرصة لتلقي أكبر عدد من تساؤلات الناس فيما يتعلق بالشهر الكريم عن طريق الخط الساخن للدار (107)، بالإضافة إلى زيادة عدد فريق الفتوى الإلكترونية، حيث تستقبل الدار أسئلة المستفتيين عبر نافذة لها على موقع دار الإفتاء المصرية على شبكة الإنترنت.
وأضاف أن الدار لديها تطبيق إلكتروني على الهواتف الذكية، يهدف لتسهيل التواصل بين السائلين ودار الإفتاء المصرية.
وأشار إلى أنه سيتم العمل على تكثيف ساعات البث المباشر على صفحة دار الإفتاء الرسمية، والتي يقوم علماء الدار باستقبال أسئلة المتابعين أثناء البث والرد عليها مباشرة، فضلا عن ظهور عدد من علماء دار الإفتاء المصرية في بعض البرامج التلفزيونية المباشرة؛ للرد على استفسارات المشاهدين وأسئلتهم حول رمضان وأحكام الصيام.
وقال علام إنه يجب على الإنسان استغلال شهر رمضان لتغيير السلوكيات السيئة، فيجب على المسلمين اغتنام أيام هذا الشهر الفضيل في إصلاح النفس والسلوك، والعمل والبناء، وأن يخلصوا النية لله في كافة أعمالهم وطاعتهم، فشهر رمضان من الأشهر العزيزة الكريمة على الله سبحانه وتعالى التي تغفر فيها الذنوب ويعتق الإنسان فيها من النار، وهو شهر العطاء والمدد الإلهي والتحصين لمن أراد الحصانة.
وأضاف أن شهر رمضان موسم للطاعة، فقد كان الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- يستعجل قدوم رمضان ويدعو الله بقوله: اللهم بلِّغنا رمضان لأجل استعجال الطاعة، ولم يحرص على استعجال الزمن حرصه على رمضان؛ لما للشهر الكريم من فضائل وخصوصية.
وأوضح المفتي أن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه كانوا يعدون أنفسهم لاستقبال الشهر الكريم والضيف العزيز استبشارًا به وأملًا في الفوز بالمغفرة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول: "جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم".
وأكد أن الإسلام أعلى من قيم التسامح في رمضان، حيث يُعدّ شهر رمضان فرصةً عظيمةً لتنمية قيم التسامح في النفس، والتخلّص من المشاعر السلبية مثل الغضب والضغينة، ويُعلي الإسلام من قيم التسامح في رمضان من خلال العديد من الممارسات والتعاليم، منها أن الصيام يعلم الإنسان الصبر والتحمل، وكيفية التغلب على الغضب والرغبات الأنانية.
كما يُشجّع على الشعور بالتعاطف مع الفقراء والمحتاجين الذين يعانون من الجوع، كذلك تُعلّم الصلاة الإنسان الخضوع لله تعالى والتواضع، وتُشجّع على التسامح مع الآخرين، كما تُساعد على تصفية الذهن والتركيز على الأمور الإيجابية، إضافة إلى أن القرآن الكريم يشجع على التسامح والرحمة، ويُقدّم أمثلةً عن الأنبياء والصالحين الذين سامحوا أعداءهم.
وأشار إلى أن الصدقات تشجع أيضا على مساعدة المحتاجين، وتُعزّز الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، كما تُساعد على تنمية مشاعر التسامح والتعاطف مع الآخرين.
فيما تُشجّع الأنشطة الاجتماعية في رمضان على التعاون والتواصل بين الناس، وتُعزّز الشعور بالانتماء، كما تُساعد على كسر الحواجز بين الناس، وتعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل، وتُعدّ ليلة القدر فرصةً عظيمةً للتوبة والعودة إلى الله تعالى، والتسامح مع الآخرين، كما تُساعد على تنمية مشاعر الرحمة والغفران في النفس.
وعن الحكم فيمن صام رمضان ولكنه لا يصلي، أوضح أنه من المعلوم أنَّه يجب على كلِّ مسلم أنْ يؤدي جميع الفرائض التي فرضها الله عليه؛ حتى يصلَ إلى تمام الرضا من الله، والرحمة منه، وحتى يكون قربه من الله وزيادة ثوابه وقبوله أوفر ممَّن يؤدي بعضها ويترك البعض الآخر، وتكون صلته بالله أوثق، إلا أنَّه لا ارتباط بين إسقاط الفرائض التي يؤديها والفرائض التي يتهاون في أدائها، فلكلٍّ ثوابه ولكلٍّ عقابه.
فمَنْ صام ولم يُصَلِّ سقط عنه فرض الصوم ولا يعاقبه الله عليه؛ كما أنَّ عليه وزر ترك الصلاة، يلقى جزاءه عند الله.. مؤكدا أن ثواب الصائم المُؤَدي لجميع الفرائض، والمُلْتَزِم لحدود الله أفضلُ من ثواب غيره، فالأول يُسْقِطُ الفروض، ويرجى له الثواب الأوفى؛ لحسن صلته بالله، والثاني لا ينال من صيامه إلا إسقاط الفرض، وليس له ثواب آخر إلا مَن رحم الله وشمله بعطفه وجوده وإحسانه؛ فيكون تفضلا منه، ومِنَّة لا أجرا ولا جزاء.
ولفت إلى مكانة الصيام في تغيير النفوس وتهذيبها خاصة، وأن تمام الصوم يكون بكفِّ الجوارح كلها عمَّا يكرهه الله تعالى.
وتحدث المفتي عن مكانة المرأة في الإسلام والرأفة بها في أيام الصيام، موضحا أن الإسلام أباح للمرأة الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولدهما من الصيام جاز لهما الفطر وعليهما القضاء ولا كفارة عليهما؛ لأن هذا من الأعذار المبيحة للفطر؛ لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾.
وهذا من مميزات الشريعة الإسلامية التي لم تجعل حرجًا على الناس؛ فقد رفع الله الحرج والمشقة عن الأمة الإسلامية بقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾.
وكذلك أوضح أن الواجبات الشرعية المختلفة لا تنوب عن بعضها في الأداء؛ فمن صلَّى مثلًا فإن ذلك ليس مسوِّغًا له أن يترك الصوم، ومن صَلَّتْ وصَامَتْ فإن ذلك لا يبرِّر لها ترك ارتداء الزي الشرعي.
وأوضح علام أن المسلمة التي تصلي وتصوم ولا تلتزم بالزِّيِّ الذي أمرها الله تعالى به شرعًا هي محسنةٌ بصلاتها وصيامها، ولكنها مُسيئةٌ بتركها لحجابها الواجب عليها، لافتا إلى أن المسلم مكلَّفٌ أن يُحسِنَ الظن بربه سبحانه حتى ولو قارف ذنبًا أو معصية، وعليه أن يعلم أنَّ من رحمة ربِّه سبحانه به أنْ جعل الحسنات يُذهِبْنَ السيئات، وليس العكس، وأن يفتح مع ربه صفحة بيضاء يتوب فيها من ذنوبه، ويجعل شهر رمضان منطلقا للأعمال الصالحات التي تسلك به الطريق إلى الله تعالى، وتجعله في محل رضاه.
وعلى المسلمة التي أكرمها الله تعالى بطاعته والالتزام بالصلاة والصيام في شهر رمضان أن تشكر ربها على ذلك بأداء الواجبات التي قصَّرَت فيها؛ فإنَّ من علامة قبول الحسنة التوفيقَ إلى الحسنة بعدها.
وعن واجبات المرأة وكيف توازن بين واجباتها الدينية والاجتماعية والأسرية في هذا الشهر الفضيل.. قال المفتي إن شهر رمضان المبارك شهر خير وبركة، وفيه يزداد المسلمون حرصًا على طاعة الله تعالى، وأداء الواجبات الدينية، من صلاة وصيام وذكر وقراءة قرآن، ولكن قد تواجه بعض النساء صعوبة في الموازنة بين واجباتها الدينية والاجتماعية والأسرية في هذا الشهر الفضيل، ونقول لها بعض النصائح التي يمكن أن تساعدها على تحقيق هذا التوازن، أولها تنظيم الوقت: فمن المهم أن تنظم المرأة وقتها بشكل جيد حتى تتمكن من أداء جميع واجباتها على أكمل وجه، ويمكنها تقسيم وقتها بين العبادة والأعمال المنزلية ورعاية الأسرة والأنشطة الاجتماعية والاستفادة من أوقات الفراغ في قراءة القرآن الكريم أو ذكر الله تعالى أو الاستماع إلى الدروس الدينية.
وأضاف أنه على المرأة أيضا التعاون مع أفراد في أداء الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال، ويمكنها أن تطلب من زوجها وأبنائها مساعدتها في بعض المهام مثل تحضير الطعام أو تنظيف المنزل وهذا سيساعدها على توفير وقتها لأداء واجباتها الدينية الأخرى.
وأوضح أنه من ضمن النصائح التي تساعد المرأة على تحقيق التوازن هو الاعتدال في العبادة فلا يجب عليها أن ترهق نفسها في العبادة حتى لا تهمل واجباتها الأخرى، فالمقصود من العبادة هو التقرب إلى الله تعالى، وليس إرهاق النفس ويمكنها أن تبدأ بعبادات بسيطة ثم تزيدها تدريجيًا حسب قدرتها.
وعن دور الدين في مساعدة الشباب في التغلب على التحديات في هذا الشهر.. قال يجب على الشباب أن يشعروا بالمسؤولية تجاه أنفسهم ومجتمعهم، وأن يسعوا إلى استغلال شهر رمضان في تحسين أنفسهم وتطوير مهاراتهم، وأنه يمكنهم المشاركة في الأنشطة الدينية والخيرية والاجتماعية التي تقام في هذا الشهر، ومن المهم أن يتحلى الشباب بالصبر خلال شهر رمضان، خاصةً إذا واجهوا بعض الصعوبات في الصيام أو العبادة، فالصبر هو مفتاح النجاح في جميع الأمور، كما عليهم أن يبتعدوا عن المعاصي والذنوب في شهر رمضان، وأن يسعوا إلى التوبة من ذنوبهم والعودة إلى الله تعالى.
وأكد على أهمية تربية الأبناء على حبّ الله والرسول، وأن يكون الوالدان قدوةً حسنةً لهم في ذلك، فيجب على الوالدين أن يحرصا على أداء الواجبات الدينية أمام أبنائهم، وأن يتحلّوا بالأخلاق الحميدة، يجب على الوالدين أن يعلّموا أبناءهم عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويمكنهم ذلك من خلال قراءة القصص الدينية لهم، وشرح معاني القرآن الكريم، وتعليمهم الأحاديث النبوية الشريفة وأن يشجّعوا أبناءهم على أداء الواجبات الدينية، مثل الصلاة والصيام وحضور مجالس الذكر وتقديم الهدايا لهم، أو الثناء عليهم عندما يقومون بأعمالٍ صالحة، فبهذه الطرق يمكن للوالدين تربية أبنائهم على حبّ الله والرسول، وأن يُنشئوا جيلاً صالحًا يحمل رسالة الإسلام.
وعن كيفية تسخير التكنولوجيا لخدمة الدين.. قال المفتي، إن التكنولوجيا أداة قوية يمكن تسخيرها لخدمة الدين بعدة طرق، أهمها نشر المعرفة الدينية، يمكن استخدام الإنترنت والمواقع الإلكترونية لنشر المعرفة الدينية على نطاق واسع، كما يمكن استخدام تطبيقات الهاتف الذكي لنشر مقاطع الفيديو والصور والرسائل الدينية، كذلك ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل بين المسلمين من جميع أنحاء العالم، كما يمكن استخدامها لنشر الدروس الدينية والمواعظ والفتاوى، كما يمكن استخدام التكنولوجيا لتعليم الدين للأطفال والكبار على حدٍّ سواء، والدعوة إلى الله ونشر الإسلام، ومحاربة الأفكار الهدامة والرد على الشبهات حول الإسلام، وتسهيل الحصول على الفتاوى من علماء الدين وطرح الأسئلة الدينية والحصول على إجابات من المختصين.