دكتورة دينا الصهبى تكتب ..”استعن بالله ولا تيأس...فقدر الله كله خير”
هل توقفت يومًا لتتساءل عن العبد الصالح؟ ،هل هو نبي أم ولي أم عالم أم ماذا؟، هل انتابتك الدهشة لهذا الذي جعله الله عالمًا وحكيمًا ورحمة؟
أتساءلت يومًا لماذا كل هذا الإصرار أن يصل سيدنا موسى عليه السلام لبلوغ المكان الذي سيلاقي فيه العبد الصالح ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾
ولماذا سيدنا موسى تحديدًا الذي قدر له من بين جميع الأنبياء والرسل أن يقابل هذا العبد صاحب العلم اللدني والرحمة العندية؟
الأكيد أن هذه القصة تحديدًا تختلف تمامًا عن كل القصص، قصة موسى والعبد الصالح لم تكن كغيرها من القصص، لماذا؟
لأن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب، وليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي، إنما نحن في هذه القصة أمام علم من طبيعة أخرى غامضة أشد الغموض ..
علم القدر الأعلى، علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة، كما أسدلت على مكان اللقاء وزمانه وحتى الاسم ﴿عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا﴾، هذا اللقاء كان استثنائيًّا؛ لأنه يجيب على أصعب سؤال يدور في النفس البشرية منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
السؤال ...
لماذا جُعِلَ الشر والفقر والمعاناة والحروب والأمراض؟ لماذا يموت الأطفال؟،ىكيف يعمل القدر؟
البعض يذهب إلى أن العبد الصالح لم يكن إلا تجسيدًا للقدر المتكلم لعله يرشدنا ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ ..
أهم مواصفات القدر المتكلم أنه رحيم عليم، أي أن الرحمة سبقت العلم ، فقال النبي البشر ( موسى ): ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾، يرد القدر المتكلم ( الخضر ): ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً﴾
فهم أقدار الله فوق إمكانيات العقل البشري، ولن تصبر على التناقضات التي تراها،يرد سيدنا موسى عليه السلام: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾
هنا تبدأ أهم رحلة توضح لنا كيف يعمل القدر؟
يركبا في قارب المساكين فيخرق العبد القارب .. تخيل المعاناة الرهيبة التي حدثت للمساكين في القارب المثقوب .. ألم ، رعب ، خوف ، تضرع .. جعل سيدنا موسى يقول: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾ ..عتاب للقدر كما نفعل نحن تمامًا ..
لماذا هذه الحروب ! لماذا تمهل الظالم كل هذا من الوقت بعد ما قام من سلب ونهب واستحلال حقوق الأبرياء ؟ لماذا أصبح فقيرًا؟
أزحتني عن الحكم ليشمت بي الأراذل؟ يارب أنستحق هذه المهانة والحسرة ؟ ﴿أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾ ألم أقل لك أنك أقل من أن تفهم الأقدار؟ ثم يمضيا بعد تعهد جديد من سيدنا موسى بالصبر .
يمضي الرجلان .. ويقوم العبد الذي وصفه ربنا بالرحمة قبل العلم بقتل الغلام .. ويمضي .. فيزداد غضب موسى عليه السلام النبي الذي يأتيه الوحي ويعاتب بلهجة أشد .. ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾ تحول من إمرًا إلى نُكرًا
والكلام صادر عن نبي أوحي إليه.. لكنه بشر مثلنا .. ويعيش نفس حيرتنا .. يؤكد له العبد مرة أخرى ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً﴾
ثم يمضيا بعد تعهد أخير من سيدنا موسى كليم الله بأن يصمت ولا يسأل ..فيذهبان إلى القرية فيبني العبد الجدار ليحمي كنز اليتامى .. وهذا لم يقبله سيدنا موسى دون أجر .. فيجيبه من سخَّره ربه ليحكي لنا قبل موسى حكمة القدر .. ﴿قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا﴾
هنا تتجلى حكمة الإله والتي لن يفهمها البعض؛ حتى يوم القيامة ..
الشر نسبي .. ومفهومنا كبشر عن الشر قاصر؛ لأننا لا نرى الصور الكاملة ..
*القدر أنواع ثلاثة:
*النوع الأول
شرًّا تراه فتحسبه شرًّا فيكشفه الله لك أنه كان خيرًا
فما بدا شرًّا لأصحاب القارب اتضح أنه خير لهم، وهذا نراه كثيرًا في حياتنا اليومية وعندنا جميعًا عشرات الأمثلة عليه.
*النوع الثاني
.. شرًّا تراه فتحسبه شرًّا .. لكنه في الحقيقة خير .. لكن لن يكشفه الله لك طوال حياتك .. فتعيش عمرك وأنت تحسبه شرا
*النوع الثالث من القدر وهو الأهم
هو الشر الذي يصرفه الله عنك دون أن تدري لطف الله الخفي .. الخير الذي يسوقه لك الله ولم تره، ولن تراه، ولن تعلمه ..
هل اليتامى أبناء الرجل الصالح عرفوا أن الجدار كان سيهدم؟ لا، هل عرفوا أن الله أرسل لهم من يبنيه؟ لا.. هل شاهدوا لطف الله الخفي .. الجواب قطعًا لا..
فلنعد سويًا إلى كلمة العبد (القدر المتكلم) الأولى: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾
لن تستطيع أيها الإنسان أن تفهم أقدار الله .. الصورة أكبر من عقلك ..
استعن بلطف الله الخفي لتصبر على أقداره التي لا تفهمها .. ثق في ربك فإن قدرك كله خير .. وقُل في نفسك: أنا لا أفهم أقدار الله، لكنني متسق مع ذاتي ومتصالح مع حقيقة أنني لا أفهمها .. لكنني موقن كما الراسخون في العلم أنه كل من عند ربنا .. إذا وصلت لهذه المرحلة .. ستصل لأعلى مراحل الإيمان .. الطمأنينة .. وهذه هي الحالة التي لا يهتز فيها الإنسان لأي من أقدار الله .. خيرًا بدت أم شرًّا .. ويحمد الله في كل حال .. حينها فقط .. ستسمع نداء الله عليك: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾ حتى يقول: ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ ولاحظ هنا أنه لم يذكر للنفس المطمنئة لا حسابًا ولا عذابًا..
موسى يمثل (الشريعة) الواجبة الاتباع، والخَضِر يمثل (القدر) الخفي؛ الذي يفسر ما وراء الأحداث من الحكم والأسرار الربانية بما يجعل قارئ الحدث يتلمّس أبعاداً غير مرئية لما يجري في الكون من المحن والمصائب وقتل الأطفال وتسلط الظالمين، إنه السؤال عن (الشر) الواقع في حياة البشر، والذي طالما كان سبباً في شك الناس وتساؤلهم عما وراء الحدث.
قصة حياة موسى، وقصته مع الخَضِر تلهم المرء أن يفتش في حياته التي عاشها أو فيما حوله عن نظائر تشبه ولو بوجه ما.. بعض الأحداث الكبرى العالمية والكونية؛ ليطمئن قلبه إلى عظمة الحكمة الإلهية حتى فيما يجهل تفصيله، دون أن يعفيه هذا من مدافعة القدر بالقدر؛ كما يعبّر الفاروق الملهم عمر.
موسى يمثل (الشريعة) الواجبة الاتباع، والخَضِر يمثل (القدر) الخفي؛ الذي يفسر ما وراء الأحداث من الحكم والأسرار الربانية بما يجعل قارئ الحدث يتلمّس أبعاداً غير مرئية لما يجري في الكون من المحن والمصائب وما يحدث فى فلسطين بقيام محتل غاصب بسرقة الأرض وقتل الأبرياء وهذا مثال كبير منه امثلة صغيرة مطبق بين البشر فى الحياة ، وتسلط الظالمين، إنه السؤال عن (الشر) الواقع في حياة البشر، والذي طالما كان سبباً في شك الناس وتساؤلهم عما وراء الحدث.
*اللهم علمنا ماينفعنا .. وانفعنا بما علمتنا اللهم آمين ..اللهم اجعلنا ممن يحسنون الظن بك ..ويرضون بكل قدر كتبته لنا