عبدالرحمن سمير يكتب......لماذا لا يتعلم العرب ؟!
بدأت الحملات الصليبية تضرب العالم الإسلامي فى القرون الوسطى حملات اتسمت بالعنف الشديد والقتل الجماعي للمسلمين في كل المدن التى احتلتها تلك الحملات الصليبية من الرُها إلى أنطاكية وطرابلس وبيت المقدس وماحدث فيه من مذابح يدنى لها الجبين ولم يسلم منها حتى السكان المسيحيين.كل تلك المذابح قُوبلت بضعف عربى وإسلامى غريب ولم يستطع الخليفة العباسي( خليفة المسلمين) فى ذلك الوقت فعل شئ لإنقاذ بيت المقدس والمسجد الأقصى من وحشية وعنف الصليبين .ما يحدث في غزة الآن ما هو إلا صورة مشابهة لما حدث من مئات السنين ،تخاذل عربى وإسلامى واضح ووحشية من العدو الإسرائيلي المتغطرس بقوته وعتاده ومساندة أمريكا والغرب له .وكأن التاريخ يعيد نفسه نفس الصور صور القتلى من النساء والأطفال والشيوخ والعجائز .وتدمير البيوت والمساجد والكنائس .هناك تطابق عجيب فيما حدث فى الحروب الصليبية وما يحدث الأن.سبعون عاما ظل المسجد الأقصى المبارك فى أيدی الصليبين حتى أنهم جعلوه أسطبلاً للخيول كما تروی كتب التاريخ وما سطره المؤرخون العرب .ولم يستطع خليفة أو سلطان أو أمير أو والٍ من الولاة فعل شئ حتى قيض الله لهذه الأمة القائد المجاهد (شرف الدين مودود بن التونتكين) الذى استطاع أن يقف لهم بالمرصاد ويواجههم وينتصر عليهم وتكون تلك الصحوة هى البداية لتحرير الأراضي العربية والإسلامية من سيطرة الفرنج . وتحدث الخيانة ويقتل مودود بفعل المؤامرات والحقد عليه والخوف منه ومن تزايد شعبيته. ثم يجىء السلطان الفذ (عماد الدين زنكى ) ويبدأ أولى حملات تحرير إمارة الرُها وتوحيد جبهة عربية وإسلامية وتصبح مدينة الرها أولى المدن المحررة ولكنه يُقتل فى ظروف غامضة ويأتي بعده ابنه ( نور الدين محمود ) الذى يستكمل جهاد أبيه ويحاول عمل وحدة عربية بين بلاد الشام ومصر لمحاصرة الممالك الصليبية فى الشام ويرسل( أسد الدين شيركوه) ومعه ابن أخيه الشاب (صلاح الدين الأيوبي) لضم مصر إلى بلاد الشام وتحقيق تلك الوحدة ويموت نورالدين محمود ولا يموت حلمه فهناك البطل المجاهد الناصر صلاح الدين الأيوبي تلميذه ووريثه الوفى الذى استكمل مشروعه واستطاع صلاح الدين تحرير القدس ودخول بيت المقدس وهزيمة الصليبيين فى موقعة حطين( ١١٨٧ م ) وأسر جميع الأمراء الصليبيين ولكن شتان الفارق بين سماحة الإسلام ورحمة الناصر المظفر بهم وبين وحشية وهمجية الغزاة الأوروبيين فلم يقتلهم بل عفا عنهم وتركهم يخرجون فى سلام وامان .ما نشهده اليوم من إبادة جماعية في غزة وما نراه من ضعف عربى وإسلامى يذكرنا بتلك الفترة التى هان فيها العرب على أنفسهم فهانوا على غيرهم . وما حدث فى الأندلس قديما أيضاً صورة كربونية مما يحدث الآن في غزة .حيث ظل العرب المسلمون فيها تمانية قرون أقاموا فيها نهضة علمية وفكرية وحضارية عظيمة وبنوا الجامعات والمعاهد والمدارس التى شهد العالم بها ولكن مع اختلافهم وصراعهم على الملك وتنازعهم تفككت الأندلس إلى مجموعة دويلات وممالك صغيرة سُمي حكامها بملوك الطوائف .وكان تخاذلهم الواضح وتقاعسهم سبباً فى قيام مملكة (قشتالة) فى ذلك الوقت بتقوية نفوذها وسيطرتها على الأندلس لتنتزع من العرب هناك المملكة تلو الأخرى والمدينة تلو المدينة ولم يستطع ملوك الطوائف الوقوف أمامها بل إن بعضا من هؤلاء الملوك قد ساعدوا مملكة قشنالة ضد إخوانهم المسلمين ظناً منهم أنهم يحمون ممالكهم وفى النهاية سقطت كل مدن الأندلس تباعاً وكانت اخرها مملكة غرناطة التى سقطت سنة (1542م) وخرج ملكها ابن الأحمر ذليلا مطرودا منها ، والذى أخذ يبكى وهو فى السفينة التي تحمله خارج الأندلس فقالت له أمه :حقا عليك أن تبكى ُملكا لم تحافظ عليه كالرجال .فالتاريخ يعيد نفسه.ومازال العرب حتى الآن لم يتعلموا . فلماذا لا يستوعب العرب دروس التاريخ ؟! ولماذا دائما العرب منقسمون حيال القضايا المصيرية ؟! لماذا لا يدرك العرب أنهم قوة هائلة يمكن استغلالها لمصلحتهم ؟! فمتى يصبح العرب فاعلين ومتحدين ومؤثرين ؟!