الدكتور رابح رتيب بسطا يكتب .. حقيقة وثيقة استراتيجية السياسات الضريبية
فوجئنا بظهور وثيقة استراتيجية السياسات الضريبية لجمهورية مصر العربية 2024/2030غير ان وزارة المالية أصدرت على الفور بيانا بأن الوثيقة مازالت تحت الدراسة ولم تطرحها للحوار المجتمعي حتى الان وان النسخة المتداولة لوثيقة السياسات الضريبية بمواقع التواصل الاجتماعي كانت مجرد تصور مبدئي تم اعداده من عدة أشهر وطرأ عليه تعديلات كثيرة.
والجدير بالذكر ان تلك الوثيقة التي ظهرت (ولن يخرج عنها كثيراً ما سوف يتم صدوره فيما بعد )تشتمل على ضرائب الدخل وضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية (الدمغة ورسم التنمية )وكذا الضرائب الجمركية وهى تهدف بالمقام الأول الى خلق درجة عالية من وضوح الرؤية للمستثمرين المحليين أو الأجانب فيما يتعلق بالسياسة الضريبية المستقبلية مع خلق مشاركة مجتمعية تمكن وزارة المالية من تبنى إصلاحات ضريبية ذات جودة عالية وأكثر ملائمة لبيئة الاعمال المصرفية ،وكذا وضع خارطة طريق توافقية للسياسات الضريبية تتبناها الحكومة لتحقيق التنمية المستهدفة والمستدامة للدولة المصرية
والواقع أن مجرد التفكير من وزارة المالية في وضع مثل هذه الوثيقة الاستراتيجية لهو من الأمور الرئيسية التي تؤكد على حرص وزارة المالية على تبنى سياسات ضريبية واعية هادفة وعادلة ومحفزة على الاستثمارات في مصر، وهو حقيقي امر يحمد لها ونشجعها عليه ونتوجه لها (وزارة المالية )بعميق الشكر والتقدير خاصة من المتخصصين العارفين بتلك الأمور الحيوية ومدى أهميتها وجدواها ،حيث جاء التفكير في تلك الوثيقة بعد ان صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 87لسنة 2024بتشكيل المجلس الأعلى للضرائب وتحديد اختصاصاته الأخرى ونظم العمل به والذى طال انتظاره لما يقرب من عشرين عاما منذ صدور قانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005والذى يهدف الى العمل على تحفيز الالتزام الطوعي للمجتمع الضريبي ودراسة اى تحديات ضريبية يراها مجتمع الاعمال ووضع الحلول المناسبة لمواجهتها وكذلك اتخاذ القرارات التي تكفل دعم المصالح الإيرادية في الالتزام بتطبيق الحياد الضريبي .
ويعمل هذا المجلس على ضبط العلاقة بين المستثمرين والدولة في المجال الضريبي وله صلاحيات واسعة خاصة في دراسة مشروعات القوانين الضريبية ولوائحها التنفيذية ورفع كفاءة الأمور الضريبية وقد جاء هذا المجلس بتمثيل قوى من الوزارات المعنية واتحادات الصناعات والغرف التجارية والمستثمرين ومجتمع الاعمال والجمعيات الضريبية والمحاسبين.
وقبل كل ذلك صدر قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206لسنة 2020 والذي انتظرناه طويلا وكان كل أساتذة المالية العامة والضرائب يناشدون ضرورة إصداره.
والحقيقة أن تلك الوثيقة الاستراتيجية التي تعدها وزارة المالية ونحن ننتظرها باهتمام بالغ تذكرني بأمرين في غاية الأهمية وأتمنى أن تأتى هذه الوثيقة متضمنة بعمق هذين الامرين:
أولهما : المقدرة التكليفية القومية والفردية : وهى كانت موضوع رسالتي لدكتوراه الدولة في القانون والاقتصاد من جامعة باريس وكانت دراسة مقارنة بين القانون الضريبي المصري والقانون الضريبي الفرنسي حيث اعددناها كنظرية متكاملة لكيفية الفرض الضريبي على الافراد والمجتمع بحيث لا تؤثر على المقدرة الإنتاجية ولا على المستوى المعيشي اللائق للفرد ولأسرته وهى تقوم على عدة فروض واعتبارات ومعايير تؤدى في النهاية الى ضرائب عادلة تتوافق مع المقدرة التكليفية
(الطاقة الضريبية) للأفراد وكذا المقدرة التكليفية للاقتصاد القومي وفى ذات الوقت محفزة للاستثمار ودافعة للاقتصاد القومي نحو التقدم والرفاهية.
ثانيهما: ميثاق الممول في فرنسا :
من اهم الضمانات التي يمكن ان تمنح للمولين حيث وضع ميثاق الممول متضمنا حقوقه وواجباته تفصيلا وكذا حقوق الإدارة الضريبية والتزاماتها تفصيلا وتم إصداره مستخلصاً من القانون رقم 87-502في 8 يوليو عام 1987 وهو القانون المعدل للإجراءات الضريبية والجمركية والمنشور في الجريدة الرسمية في 9 يوليو عام 1987وترسل هذه الوثيقة المهمة الى الممول كل عام مع الإقرار الضريبي حيث يتعرف منها على كل حقوقه وواجباته والتزاماته ،كذلك كل حقوق الإدارة الضريبية وسلطاتها والتزاماتها وواجباتها .وقد طالبنا كثيراً ان يكون لدينا في مصر مثل هذا الميثاق وقد جاء في قانون الإجراءات الضريبية الموحد الكثير مما يحتويه هذا الميثاق ونأ مل كثيرا في أن الوثيقة الاستراتيجية التي ننتظرها تتضمن أيضاً ما يتشابه وميثاق الممول . وقد اشرنا الى ذلك وغيره الكثير من هذا القبيل في مؤلفنا عن الممول والإدارة الضريبية الذى كتبناه في باريس كأحد أبحاث الترقية أثناء تواجدنا في مهمة علمية بفرنسا وقد انتهينا فيه الى بعض المقترحات الهامة لتحسين العلاقة بين الممول والإدارة الضريبية وتحقيق الإصلاحات الضريبية المنشودة ومن أهم هذه المقترحات كان ضرورة عمل ميثاق للمول ،والعمل على استقرار التشريعات الضريبية وعدم تكرار تعديلها الا ما يستجوبه ضرورة الإصلاح او ما يتوافق مع ظروف المجتمع وتطوره ،الاعداد الجيد لأعضاء الإدارة الضريبية من الناحيتين الفنية والسلوكية ،والعمل على حل كل المشكلات التي قد تثار بين الممول والإدارة الضريبية بالطرق الودية واستخدام كل سبل التفاهم والاقناع بالمناقشات الموضوعية المؤيدة بالحجج القانونية مع التوسع في نظام لجان الطعن وتدعيم دورها لتصبح اكثر فاعلية في حل المنازعات الضريبية . اما فيما يتعلق بالتهرب الضريبي فنحن نرى أن هذا الفعل قبل أن يكون جريمة جنائية تعاقب عليها كل القوانين فهو جريمة خلقية بالمقام الأول ينبغي مكافحتها والقضاء عليها في كل وسائلها وكل مظاهرها بكل الطرق. كما أن قواعد العدالة تقتضي أيضاً ان يتدارك المشرع كل الثغرات القانونية التي قد تؤدى إلى هذه الجريمة أو تشجع عليها.
كاتب المقال الاستاذ الدكتو رابح رتيب بسطا أستاذ المالية العامة والتشريعات الاقتصادية والضريبية وعميد كلية الحقوق ورئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية للتشريع الضريبي