المستشار عمرو محمد احمد يكتب .. العجز المزمن في الميزان التجاري يستنزف الاحتياطيات من العملات الأجنبية ويؤدي إلى الاستدانة
إن التجارة الدولية تحتل أهمية كبيرة في الاقتصاد العالمي و قد زاد هذا الدور مع ارتفاع مستوى العولمة وزيادة الاعتماد المتبادل بين الدول ، وذلك لما تقوم بمن دور هام ومؤثر فى عمليات التنمية الاقتصادية بالنسبة لجميع الدول بوجه عام ودول الاقتصاد الناشئ و منها مصر بوجه خاص انطلاقا من كونها إداة رئيسية لتحقيق التوازن في الاقتصاد القومي من خلال ماتقوم به من تصدير للانتاج الذى يفيض به عن الطلب المحلى ومايترتب عليه زيادة حصيلة وحدة النقد الاجنبي الازم لاستيراد مستلزمات الانتاج المطلوبة للتنمية و تسعى كل دولة الى الاسراع بمعدلات التنمية بها من خلال تعظيم منافعها من التجارة الدولية فضلا عن استخدام الاساليب الحديثة فى العملية الانتاجية و فى ظل الدور الذى تقوم به منظمة التجارة العالمية من اجل تخفيف القيود على التجارة وزيادة الاندماج فى الاقتصاد العالمى فقد تزايدت واردات دول الاقتصاد الناشئ بمعدلات كبيرة وانعكس ذلك فى زيادة عجز الميزان التجارى فى معظمها مما يتطلب اتخذ السياسات الملائمة المبنية على الدراسات العلمية لسلوك الواردات بمايمكن من الحد منها و لا يؤثر سلبيا فى الوقت نفسه على عملية النمو وتبنى سياسات الاقتصاد الموجة .
ويرجع عجز الميزان التجارى الى مجموعة من الاسباب اهمها ما يلي :
- تزايد الوردات الاستهلاكية نتيجة الزيادة السكانية وتناقص فائض الانتاج المحلى المخصص للتصدير
- تزايد الاعتماد على الخارج لسد فجوة الغذاء فى الداخل بسبب عجز القطاع الزراعى لتغطية الطلب من السلع الاستراتيجية
- الاختلالات الهيكلية فى الاقتصاد القومى و التى تتمثل فى اختلال العلاقة بين الصادرات و الواردات و اختلال العلاقة بين الادخار و الاستثمار و اختلال الهيكل الانتاجى
- تزايد استيراد السلع الوسيطة اللازمة لاستمرار الطاقة الانتاجية
ومن هنا نستطيع ان نحدد سياسات لسد العجز بما يحقق التوازن للميزان التجارى كمايلى :
- وقف استيراد السلع والمنتجات التي يوجد لها مثيل محلي، وهو ما تجيزه المادة 18 من اتفاقية الجات التي تعترف بحق الدول النامية في اللجوء إلى القيود الكمية ؛ لحماية الصناعة الوطنية سواء كانت هذه الصناعة ناشئة أو قديمة؛ طالما أن تلك الصناعة تعد ضرورية لنمو المجتمع أو لدفع عملية التصنيع.
- دعم القطاع الصناعي ؛ بهدف توفير سلع مصرية بديلة للسلع المستوردة ، وذلك من خلال دعم المنتج المصرى بتقديم الحوافز للإنتاج المحلي لتطويره كمًا ونوعًا ؛ وهي ما تعرف بسياسات جانب العرض التي تهدف إلى تحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية للاقتصاد، مما يساعد على زيادة الصادرات.
- تقديم التسهيلات إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المعاملات والإجراءات وتقديم الإعفاءات والقروض الميسرة لها والمشورة الإدارية والفنية؛ بهدف تشجيع المنشآت غير المصدرة إلى التوجه نحو التصدير، أو إنتاج سلع محلية بديلة للسلع المستوردة بزيادة الإنتاج، مما سيؤدى إلى زيادة قاعدة المنتجين المصدرين، بحيث يتحول الاقتصاد المصرى إلى اقتصاد تصديري، غير قائم على عدد محدود من المصدرين.
- زيادة أعداد مكاتب التمثيل التجاري في الأسواق النامية، كأسواق أمريكا اللاتينية ووسط آسيا؛ لا سيما في ظل افتقارها لوجود عدد كاف من تلك المكاتب التي تلعب دورًا كبيرًا في تسهيل عمليات التبادل التجاري وتنمية الصادرات والترويج لها في الأسواق الخارجية.
- توجيه الدعم للشركات التي تعمل على تحقيق أهداف التصدير؛ من خلال رفع كفاءة العاملين بها عن طريق البرامج التدريبية المختلفة وتحسين جودة المنتج من خلال دعم البحوث والتطوير والابتكار.
- التركيز على السلع التي حققت مصر فيها ميزة تنافسية بحيث يتم تشجعيها بمزيد من المعاملة التفضيلية والحوافز وذلك لاستغلالها على النحو الأكمل.
- منح امتيازات للشركات التي تحصل على شهادة الجودة والمطابقة للمواصفات العالمية.
- إعادة الحملات الإعلانية التي تهدف لتشجيع المستهلك المصري للمنتج المحلي وتفضيله على المنتج المستورد.
- الاستمرار في استراتيجية فتح أسواق جديدة للسلع المصرية ؛ وبصفة خاصة الأسواق الإفريقية ؛ فهي سوق واسعة تضم نحو 1.2 مليار نسمة، مما يجعلها متعدد الأذواق ومادة خصبة لتصريف المنتجات المصرية ، وكذلك فتح أسواق جديدة في دول آسيا الواعدة، خاصة وأنه لم يعد أمام الصادرات المصرية فرصًا حقيقية في أسواق أوروبا التي تتمتع اقتصادياتها بالتنوع وتنافس المنتجات المصرية خاصة الزراعية.
- تعظيم المزايا التنافسية للمنتجات المصرية ، وهي الميزة التي تبنى على المعرفه والتكنولوجيا والابتكار والبحث والتطوير فلم يعد توافر المدخلات وحده كافيًا لبناء صناعة جديدة أو تأهيل للصناعات القائمة. مع إلزام المنتجين المحللين للسلع المصدرة بضرورة الالتزام بمعايير الجودة والمواصفات القياسية للمنتج.
- تطبيق المعايير المتعلقة بفحص السلع المستوردة من خلال مواصفات ومقاييس مشددة تحول دون دخول سلع غير مطابقة للمواصفات القياسية، وهو ما يشكل حماية للمنتج المحلى من المنافسة الأجنبية.
الاستفادة من التجارب الدولية خاصة في المجالات التالية:
• تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق الضريبة العقاريةإجراء إصلاحات فى منظومة الضريبة العقارية، من خلال الاستفادة من على شركات التصنيع الجديدة بهدف تشجيع الاستثمار؛ حيث تقدم 39 ولاية تخفيض ضريبي للممتلكات على تلك الشركات التي تعتمد على رأس المال بكثافة.
• تجربة كوريا الجنوبية فى رفع كفاءة العنصر البشري، حيث اهتمت بالتعليم والتدريب الفني للعمال، فقد أنشئت العديد من المدارس، والمعاهد التعليمية، ومراكز البحوث، حتى أصبحت تمثل تلك الصناعات المتوسطة حوالي 69% من الصادرات، كما أنشئت هيئة لتشجيع تلك المشروعات تعمل على تقديم الدعم الفني، والإداري وتدريب العمال، وأنشئت مدن صناعية، وتم تدعيم التعاون بين المنشآت الصغيرة، والمتوسطة، والكبيرة لإحداث التكامل في الإنتاج، حتى أصبحت المشروعات الصغيرة، والمتوسطة توجه 60% من إنتاجها للمشروعات الكبيرة.
التجربة الماليزية والتى تُعد مثالًا يحتذى به من خلال اعتمادها على عدد من الآليَّات كحوافز لتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبي، منها:
- إعفاء المُستثمرين في مناطق معينة قد تكون غير جاذبة للاستثمار أو غير مشجعة من الضرائب لفترة تزيد على 5 سنوات ؛ بهدف تحقيق تنمية متوازنة في كل أنحاء البلاد.
- السماح للأجانب بتملك 100% من المشروعات الصناعية، إذا ما كانت مشروعاتهم يوجه منها على الأقل 80% إلى التصدير للخارج.
- إعفاء الشركات التي تنفق نسبة من إجمالي مبيعاتها السنوية على الأبحاث العلمية ، ولتكن في حدود 1% من الضرائب على الدخل بهدف تعظيم دور البحث العلميّ والتطوير التكنولوجي.
- إعفاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة من الضرائب لفترة زمنية قد تصل إلى 5 سنوات باعتبارها مشروعات تنموية، ويتطلب قيام الدولة بدعمها في المراحل الأولى؛ حتى تكتسب القدرة على تحمل أعباء المنافسة شريطة أن يحقق المشروع قيمة مضافة تصل على الأقل إلى 20%، شريطة أن يقام المشروع في مناطق ريفية تحقيقًا لهدف التنمية المتوازنة أيضًا.
- دعم الشركات الصناعية التي توجه إِنتاجها للتصدير من خلال إعفائها من الضرائب بنسبة تصديرها للإنتاج، شريطة وجود قيمة مُضافة في الإنتاج بنسبة لا تقل عن 50%.
- استقرار سعر الصرف وتأجيل أي خطط محتملة لتعويم الجنيه المصري على أن يكون هناك إدراك كافٍ لدرجة مرونة الطلب على الصادرات والتي لن تتأثر إيجابيًا بإجراء تخفيضات جديدة لسعر الصرف وإنما لهذا الفعل مردوده السلبي على زيادة الواردات ورفع تكلفة المواد الخام وتكاليف الإنتاج على المصنعين.
خلاصة القول مازالت الصادرات المصرية أمامها فرص للنهوض وأن تكون سببًا رئيسيًا لتخفيض عجز الميزان التجاري وزيادة تدفقات العملة الصعبة إلى الاقتصاد المصرى، خاصة في ظل التقييم الإيجابي للمخاطر التي تواجه الميزان التجاري، ولكن من الضروري كي تنجح وسائل مواجهة هذا العجز؛ أن يكون للدولة دورًا فاعلًا في استقرار السوق من خلال تفعيل القوانين التي تمنع الاحتكار وتشجع على المنافسة وتحمي المستهلك وتحديد هامش الربح، وأيضًا تقعيل قوانين مكافحة الغش التجاري، وأن تكون المنتجات مطابقة للمواصفات القياسية، خاصة وأن العجز المزمن في الميزان التجاري يستنزف الاحتياطيات من العملات الأجنبية ويؤدي إلى الاستدانة.
حفظ الله مصر وقائدها وشعبها العظيم