الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب: مصر .. وخيوط العنكبوت !!
حين تقع فريسة فى فخ خيوط العنكبوت نجده - أى العنكبوت- لا ينقض عليها بسرعة بل يُعد لذلك طقوسا خاصة، حيث يقوم بإعداد مائدة تتناسب مع هواه، ويروق لها مزاجه فيقوم بإفراز مزيد من الخيوط التى ينسجها ويلفها حول الضحية وهى لا تزال على قيد الحياة، ويشل حركتها تماما، ثم يبدأ فى التلذذ بها والإجهاز عليها والاستمتاع بالتهامها. الفريسة التى لا حول لها ولا قوة تقف أمامه مكبلة بخيوط متعددة، من بينها ذلك الخيط المتين المتعلق بالديون الخارجية المقررة عليها والتى تجاوزت بفضل السياسة الفاشلة التى يتبعها العنكبوت نحو ١٦٥ مليار دولار، وفى الوقت نفسه لا يوجد لدى الفريسة موارد تجعلها قادرة على سداد تلك الديون بعد أن تم القضاء على صروحها العملاقة، وبيع وتصفية شركاتها ومصانعها الكبرى، وعدم تحقيق نهضة فى شتى المجالات، بل واستمرار الاعتماد على الاستيراد، وتجاهل ملف التنمية الصناعية إلا من خلال التصريحات الثابتة فقط من قبيل النهضة الصناعية والتوسع في إنشاء المصانع الخ، وكل ذلك لا يتعدى التصريحات والإكلاشهات الصحافية الثابتة للتسكين والتخدير، وإتباع سياسة الحصول على المزيد من القروض من مختلف المؤسسات المالية الدولية، والتى تضع شروطا مجحفة فى مقابل الموافقة على منح هذه القروض، أهمها التدخل فى الشئون الداخلية فى مختلف القطاعات ويأتى التعليم على رأس هذه القطاعات.
والغريب أنه يتم إنفاق هذه القروض على أمور غير ضرورية على الأقل فى الوقت الراهن، مثل الإنفاق على إقامة مشروعات بالغة الضخامة مثل العاصمة الإدارية، وبناء القصور الرئاسية والمونوريل وتبطين الترع بشكل مبالغ فيه، وإقامة العديد من الطرق والكبارى بداعٍ وبغير داع فى الوقت الذى يعانى فيه شعب الفريسة من تدهور تام فى مختلف المجالات، وبخاصة فى القطاع الصحى، فلا يجد غرفة رعاية مركزة ولا حضانة للأطفال المبتسرين فى ظل حالة من الغلاء الفاحش تجعله غير قادر على المعيشة. لم يكتف العنكبوت بذلك بل نسج خيطٌا آخر حول رقبة الفريسة ليغلق كل أبواب الرحمة فى وجه الغلابة، حيث قام ببيع بعض شركات الأدوية الناجحة والرابحة لمستثمرين يبدو فى الظاهر أنهم أخوة ولكن فى الباطن تابعون لبنى صهيون، والذين سيطروا على سوق العلاج وتمكنوا من إحداث نقص متعمد فى الأدوية ليعانى المريض معاناة شديدة نتيجة عدم وجود علاجه، والأدهى يتم إصدار قوانين تسمح بتأجير المستشفيات العامة للأجانب والقطاع الخاص، وتُمنح لهم كل الصلاحيات للتحكم فى مصائر تلك الكيانات الطبية الحكومية من تصفية العمالة وإنهاء خدمة الأطباء واستيراد عمالة وأطباء من الخارج .
وتتواصل خيوط المؤامرة، وخيط جديد لا يقل أهمية عما سبق وهو انتشار المخدرات فى البلاد بصورة ملفتة للأنظار دون تبنى أى خطة لمواجهة هذه الكارثة التى تحولت إلى ظاهرة تضرب عروق المجتمع فأصابته بالوهن والضعف، بل بالذل والمهانة، وتكون النتيجة فى النهاية وجود أجيال ضعيفة غير قادرة على حماية أنفسها وبالتالى لن تكون قادرة على مواجهة الأعداء. وتتكبل الفريسة بخيط آخر من نظام الاستثمار القائم على بيع او تأجير المنشآت والأماكن الاقتصادية الكبرى في صورة تصفية أصول الدولة والتي تعني عملية تحويل الأصول المملوكة للدولة، مثل العقارات، والشركات، والبنى التحتية، إلى سيولة نقدية من خلال بيعها أو خصخصتها. وقد أعلنت الحكومة ضمن برنامج عملها المُقدم لمجلس النواب مشروعًا لإنشاء لجنة تصفية الأصول تتبع وزارة المالية بهدف تحقيق 20 – 25 مليار جنيه سنويًا للخزينة من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة. والهدف الرئيس يرتكز على حاجة الدولة لتوفير سيولة دولارية، كما هو متفق عليه مع صندوق النقد الدولي، وأيضًا لسداد الدفعات المتأخرة من الديون تلك الديون التي كبل بها العنكبوت الدولة دون داع وفي سبيل سدادها تباع أصول الدولة ذاتها وتلك الأصول القابلة للبيع عادة تكون أصولًا رابحة، وبالتالي تحرم عملية بيعها الدولة من الأرباح. الأمر الثاني هو أن حصيلة البيع تدخل خزينة الدولة مرة واحدة فقط نظير صفقة البيع، وبعد ذلك تكون الدولة ملزمة بتوفير سيولة دولارية للمستثمر، لجني أرباحه بالدولار وليس بالعملة المحلية، وهذا يمثل عبئًا إضافيًّا. ولا توجد معلومات حول قيمة أو حجم امتلاك الأجانب للشركات منها شركات الأسمدة، وكيف سيؤثر ذلك على السوق المحلية والأسعار، وفي شركة الشرقية للدخان ما حدث أن النسبة الأكبر بالشركة أصبحت للمستثمر الأجنبي الخليجي وهي في الأصل شركة محتكرة للسوق، وبالتالي نُقِل الاحتكار من الدولة – حيث يخضع للعديد من الأدوات الرقابية- إلى المستثمر الأجنبي دون أي رقابة، ما يمثل خطرًا فادحًا.
فما الفائدة من بيع شركات وأصول مملوكة للدولة رابحة، وتدر دخلاً على الموازنة العامة، وموجودة بالبورصة وتخضع للرقابة بالفعل؟ وتتحمل بالمقابل توفير عملة أجنبية لأرباح المستثمر، فضلًا عن منح أحقية احتكار السلع داخل الدولة لغير المصريين على سبيل ذلك أزمة شركات الدواء، التي تراجعت حصة الإنتاج الرسمي بها إلى أقل من 10%، الأمر الذي تسبب في أزمة كبرى في الوقت الراهن وعدم توفير أي بدائل للعلاج. وهناك بعض القطاعات الاستراتيجية ذات الحساسية مثل المنتجات البترولية والأسمدة يتم أيضًا طرحها للاستثمار الخاص، رغم أنها صناعات واعدة ومهمة، وقد استحوذت الإمارات العربية المتحدة على جزء كبير من هذه الاستثمارات، يتزامن المشروع الحكومي كذلك مع تحركات لنقل كافة المرافق الحيوية؛ بما فيها الوزارات ومجلسي الوزراء والنواب من القاهرة العتيقة إلى العاصمة الإدارية الجديدة؛ ما يفتح الباب واسعًا أمام احتمالات استغلال مرافق وأصول حكومية تقدر بمليارات؛ بما في ذلك أصول استراتيجية مثل قناة السويس، التي نفت الحكومة لاحقًا بيعها مقابل تريليون دولار. واخيرا لك الله أيتها الفريسة !!
كاتب المقال الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد مدير تحرير بوابة الدولة الإخبارية والخبير المالى والإقتصادى