الدكتورة ماريان جرجس تكتب..عمر أفندى ورحلة الى الزمن الجميل
عمل درامي شيق " عمر أفندى " استطاع أن يخطف أنظار المشاهدين في ساعات قليلة وكأن السرداب الذي يحكي عنه هذا العمل الدرامي أخذ المشاهدين جميعًا في رحلة إلي الزمن الجميل وأفصح عن مدى اشتياق الكثير منّا للرجوع إلى الأربعينيات ؛ لا يوجد هناك زمان مثالي ، لا يوجد زمان بلا تحديات ومشاكل ولكن تكمن حلاوة ذلك الزمان في كثير من الأشياء التي نفتقر إليها اليوم منها :- التهذب الشديد في الحوار واستخدام الكلمات التي نتجاهلها اليوم مثل:- إذا سمحت ..من فضلك ..أشكرك..أنا ممنون لك جدًا ، وضوح الشخصيات ، فيمكنك أن تفرق بين الخير والشر بكل سهولة بين الأبيض والأسود ، كان المجتمع المصري وقتها - وعلى الرغم من الاحتلال الانجليزي - مجتمعًا يجمع كل الأطياف وكل الجنسيات ويستوعب الأخر على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم ، وهو المعنى الحقيقي للمواطنة الذي ننادي به اليوم ، كان المجتمع المصري يمارسه دون توصيف للكلمة أو يدعي ممارسة المواطنة ، حتى الاحتلال الانجليزي كان سببًا في إظهار وطنية الشعب المصري الحقيقية وفهمه ووعيه الكامل لمعنى الوطن وقيمة الكلمة وقيمة المعارضة وممارسة الديمقراطية والحياة السياسية بمنتهى المهنية وبشكل صحي وحياة حزبية غير كارتونية.
نجح المسلسل في وصف مجتمع الأربعينيات والمقاربة بينه وبين المجتمع الحالي من خلال المشاهد التي يتنقل فيها البطل بين الزمن الحالي وبين عام 1943م وخلق حالة من المقاربة بين كل شئ، حتي في وتيرة الحياة الهادئة ، ووتيرة الكلام الهادئة البعيدة عن السرعة والتوتر ، والمصطلحات المهذبة البعيدة عن المصطلحات الدخيلة التي نسمعها من الشباب اليوم ولا نعلم ماذا تعنى ! كما نجح في إظهار معني الصداقة الحقيقية بشكل كوميدي لايت ، وقصص الحب الهادئة التي تخلوها الصراعات وتتسم بالبساطة ، ويلخص المؤلف الفرق بين الحياة في 2024 والحياة في 1948م ، في أن إنسان هذا العصر هو الذي خلق التحديات وأصبح في صراع مع الحياة لتحقيقها وأثقل نفسه وأصبح يلهث لكي يحقق تلك التحديات ، حتى التكنولوجيا التي من المفترض أن تكون سببًا في التقارب بين الناس ، تسببت في عزلة شديدة بينهم رغم قرب المسافات
أمّا عن مواطن الأربعينيات ، وعلى الرغم من التحديات المفروضة عليه والاحتلال والعبودية والمشاكل العادية لم يخلق تحديات لنفسه ولم يقحم نفسه في دائرة مفرغة ، بل رغم الهموم كان قادرًا علي الاستمتاع بالموسيقى والفن والقراءة وكان للفن والرسم واللوحات قيمة يقدرها الطبقة الراقية من المجتمع وحتى النساء من كافة الطبقات كان يتسمن بالأناقة والشياكة .
وبين حلقة والأخرى ، أصبح جميع المشاهدين يريدون أن يعثروا على سرداب " عمر أو على " بطل العمل الذي كان يستطيع إن ينتقل به بين الحاضر والماضي بشكل غير مبتذل من أشكال الفانتزيا والخيال العلمي ، وكأنهم غاضبون علي الصراعات التي خلقناها وأصبح كل منّا حبيس لها وكأننا اشتقنا للهدوء والأناقة والفن والوضوح في التعاملات الاجتماعية .
عظيمة تلك الأعمال التي يتجلى فيها قيمة القوة الناعمة ورقي الفن والدراما في إيصال رسائل بعينها ، والجديدة على لون الدراما المصرية ، والبعيدة كل البعد عن مشاهد البلطجة والشر والمصطلحات الغريبة الدخيلة التي تشوه مصطلحات شبابنا ، عمل جيد يستحق التكريم لرقي العمل وقدرته على صنع وعي جديد في عقل المشاهد المصري.