د.لمياء عفرة تكتب : الوعى وتنمية المجتمع
يلعب الوعي المجتمعي دورًا أساسيًا في تشكيل سلوك الأفراد وتحديد توجهاتهم، حيث ينعكس تأثيره على جميع جوانب الحياة، سواء كانت سياسية، ثقافية، أو اجتماعية. إنه ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو عملية تتفاعل مع التجارب اليومية والبيئة التي يعيش فيها الإنسان. فالوعي يتكون من تفاعل الإنسان مع مجتمعه، ويؤثر في علاقاته مع الآخرين، ويتجلى في اختياراته وقراراته التي تؤثر على حياته وحياة الآخرين من حوله.
تعد أهمية الوعي المجتمعي محورية في تعزيز الانسجام والتفاهم بين أفراد المجتمع، إذ يسهم في تطوير العلاقات الشخصية من خلال إرساء أسس الاحترام المتبادل والفهم العميق للأدوار التي يلعبها كل فرد داخل المجتمع. كلما زاد وعي الأفراد بجوانب حياتهم المختلفة، زادت قدرتهم على التفاعل الإيجابي مع المجتمع، مما يؤدي إلى تحسين جودة حياتهم وحياة الآخرين. يخلق الوعي المجتمعي بيئة تتيح للأفراد فهم تأثيرهم على المجتمع والقدرة على التأثير فيه بشكل إيجابي، مما يعزز مشاعر المسؤولية الجماعية والتعاون.
الوعي ليس مجرد وسيلة لتحسين العلاقات الاجتماعية، بل هو أيضًا أداة رئيسية للتنمية الذاتية. فمن خلال الوعي الذاتي، يكتشف الفرد نقاط قوته وضعفه، ويدرك قيمه ومبادئه، مما يعزز من قدرته على اتخاذ قرارات مستنيرة. هذه العملية لا تقتصر على تحسين حياة الفرد الشخصية فقط، بل تمتد إلى تأثيره في محيطه الاجتماعي، حيث يصبح الفرد أكثر قدرة على مواجهة التحديات اليومية والمساهمة بشكل إيجابي في مجتمعه.
في العصر الحديث، أصبحت التكنولوجيا ووسائل الاتصال تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز أو تعطيل الوعي المجتمعي. التطورات التكنولوجية توفر وسائل سريعة وفعالة للتواصل بين الأفراد والمجتمعات، مما يساعد على نشر الأفكار والوعي بشكل أوسع وأسرع. ولكن في الوقت ذاته، يمكن أن يؤدي الإفراط في استهلاك المعلومات دون تحليل أو تفكير نقدي إلى تشتت الوعي وانخفاض القدرة على التفاعل الواعي مع المجتمع. فالتعرض المستمر لمحتوى سطحي أو مضلل، مثل الأغاني أو المواد الإعلامية التي تفتقر إلى العمق، قد يؤثر سلبًا على الوعي العام للأفراد، حيث يتأثر الكثيرون بتلك المحتويات دون إدراك لتأثيرها العميق على سلوكياتهم وتوجهاتهم.
على سبيل المثال، يمكن لبعض الأغاني أو “المهرجانات” أن تترك أثرًا قويًا على أفكار الناس وسلوكهم دون أن يكون لديهم وعي حقيقي بذلك. بعض الأشخاص يعتادون على هذا النوع من المحتوى حتى يصبح جزءًا من حياتهم اليومية، مما يؤثر على قراراتهم ويشكل توجهاتهم دون أن يدركوا كيف يمكن أن يكون لذلك تأثير سلبي على حياتهم. في مثل هذه الحالات، نجد أن الوقت والطاقة يتم إهدارهما دون تحقيق قيمة فعلية، ويصبح الشخص أقل قدرة على تحقيق أهدافه الشخصية أو المساهمة في تحسين مجتمعه.
لهذا السبب، من الضروري تعزيز الوعي الذاتي لدى كل فرد من أفراد المجتمع. إن الوعي الذاتي لا يقتصر فقط على معرفة الذات وتحليلها، بل يتعدى ذلك ليشمل القدرة على رؤية تأثير القرارات الشخصية على المجتمع ككل. عندما يمتلك الفرد وعيًا ذاتيًا قويًا، يصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات واعية تسهم في تحسين حياته وحياة من حوله. إن عملية تعزيز الوعي، سواء كان فرديًا أو مجتمعيًا، تعتبر أساسية لتحقيق تطور حقيقي على مستوى الفرد والمجتمع، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتقدمًا.
في النهاية، لا يمكننا إغفال الدور الحاسم الذي يلعبه الوعي في تحديد مستقبل المجتمعات. فبناء مجتمع واعٍ يتطلب جهدًا مستمرًا من جميع أفراده، حيث يعتمد على نشر قيم التعاون والمسؤولية المشتركة، وتوجيه الاهتمام إلى الجوانب التي تسهم في تحسين الحياة العامة. من خلال تعزيز الوعي المجتمعي والذاتي، يمكن للفرد أن يساهم في صنع بيئة أكثر استقرارًا وإيجابية، تمهد الطريق لتحقيق تنمية مستدامة ومستقبل أفضل للجميع.
كاتبة المقال
لمياء عفرة أمين مساعد أمانة المرأة المركزية حزب مصر أكتوبر.