يحيى الفخراني وفخ الملك لير: هل هو مطاردة شبح الشخصية أم رؤية جديدة؟
منذ أن أعلن المسرح القومي عن تقديم الفنان يحيى الفخراني لمسرحية "الملك لير" مجددًا، وهذه المرة على خشبة المسرح القومي نفسه، تصاعدت الانتقادات والنقاشات بين جمهور المسرح والنقاد الفنيين حول هذا القرار، فالفخراني سبق وأن قدم "الملك لير" مرتين من قبل، في عام 2001 مع المخرج أحمد عبدالحليم، وكان ذلك ضمن إنتاج المسرح القومي ولكنه عُرض على خشبة مسرح ميامي، ثم عاد ليقدمها مرة أخرى في عام 2019 مع المخرج تامر كرم وكانت للقطاع الخاص، وحاليا يستعد الفخراني لتقديمها للمرة الثالثة، ولكن هذه المرة إخراج الفنان شادي سرور.
ومع هذا التكرار، تبرز عدة تساؤلات: لماذا يعود الفخراني مرارًا لتجسيد "الملك لير"؟ هل أصبح شبح هذه الشخصية يطارده ليعود إليها في كل مرة يرغب فيها في الوقوف على خشبة المسرح؟ أم ربما يكمن في نجاحه الباهر في تجسيد هذه الشخصية سابقا؟ وهل هذا التكرار هو خوف من تجربة شيء جديد قد لا يحقق النجاح المتوقع؟ فبالتأكيد ليست المسألة في فقر النصوص التي تصلح للعرض على خشبة القومي أو تليق بالفنان يحيى الفخراني لأن النصوص متوفرة. هذه الأسئلة تطرح قضايا أعمق تتعلق بعلاقة الفنان بالشخصية التي يجسدها وبالتجربة المسرحية نفسها.
عندما يتعلق الأمر بفنان بحجم يحيى الفخراني، يجب أن ننظر بعمق إلى دوافعه في تكرار تجسيد شخصية "الملك لير"، فمن المؤكد أن الفخراني ليس مجرد ممثل يبحث عن الشهرة أو النجاح السريع، فهو فنان له باع طويل في المسرح والسينما والتلفزيون. لذلك، يمكننا أن نستبعد فكرة أن السبب الرئيسي وراء تقديم "الملك لير" مجددًا هو الخوف من الفشل في تقديم شخصية جديدة.
الفخراني قد يكون استوعب "الملك لير" إلى درجة أن هذه الشخصية أصبحت تمثل له تحديا دائما، فالمسرح الكلاسيكي، وخاصة الأعمال الشكسبيرية، تتطلب مستوى عالٍ من النضج الفني والتمكن الأدائي، وبالتالي قد يكون الفخراني يرى في "الملك لير" وسيلة لتجديد علاقته بالمسرح، وتقديم المزيد من العمق في كل مرة يجسد فيها الشخصية.
هناك فنانون يعودون مراراً لأدوار معينة لأنهم يرون فيها إمكانيات غير منتهية للتطوير والإبداع، وقد يكون الفخراني واحداً من هؤلاء الفنانين، الذين يرون أن كل مرة يقفون فيها على خشبة المسرح هي فرصة لتقديم شيء جديد، حتى لو كانت الشخصية نفسها.
الفخراني قد حقق نجاحا كبيرا في أدوار متعددة في السينما والتلفزيون، وربما يجد الفخراني في "الملك لير" تحديا مسرحياً لا يمكن تجاوزه بسهولة، وربما أيضاً يكون قد اكتشف في هذه الشخصية شيئًا يتجاوز حدود النص الشكسبيري، فالشخصيات الشكسبيرية معقدة ومتعددة الأبعاد، وتسمح للممثل بالعودة إليها مرة بعد مرة لتقديم جوانب جديدة من النفس البشرية. وبالتالي، قد يكون تكرار "الملك لير" بالنسبة له هو محاولة لاكتشاف أعماق جديدة في الشخصية التي قد يكون شعر بأنه لم يصل إليها في العروض السابقة. ليصبح "الملك لير" هو التجسيد الأمثل للتجربة المسرحية بالنسبة له، فتقديم دور مثل "الملك لير" ليس بالمهمة السهلة، بل هو تحدٍ ضخم في حد ذاته.
وربما من زاوية مختلفة نرى أن "الملك لير" كشبح يطارد الفخراني. فالفنان الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصية معينة قد يشعر أحيانًا بأنه غير قادر على الانفصال عنها. قد يكون "الملك لير" هو الشبح الذي يلاحق الفخراني في كل مرة يفكر فيها بالعودة إلى المسرح، ليجسد من خلاله مشاعر وأفكار لم يتمكن من التعبير عنها بشكل كامل في المرات السابقة.
وفي النهاية فتجسيد شخصية مثل "الملك لير" يتطلب من الممثل أن يغوص في عمق النفس البشرية،"الملك لير" هو الشخصية التي تجسد انهيار السلطة والنفوذ، وهو في الوقت ذاته الأب الذي يعاني من خيانة أبنائه وتدهور حالته العقلية، هذه الأبعاد العميقة تجعل من "الملك لير" شخصية لا تنتهي، بل تظل قادرة على استدعاء المزيد من التأملات في كل مرة يتم تقديمها على خشبة المسرح، وعودة تقديمها على خشبة المسرح القومي تعبر عن أن المسرح مازال قادرا على تقديم كلاسيكيات المسرح العالمي بروح جديدة.