شيماء منصور تكتب ”الجميلة والوحش” حين يصبح الجوهر مرآة الجمال الحقيقية
تُعدّ قصة "الجميلة والوحش" واحدة من أشهر الحكايات الخيالية التي عرفها التاريخ. فهي تحمل رسائل أخلاقية عميقة وقيمًا إنسانية تتجاوز الزمن، وعلى الرغم من أن القصة الأصلية تم تقديمها منذ قرون، إلا أن جوهرها ما زال يتردد صداه في العصر الحديث، وقد تم إعادة صياغة هذه القصة مرات عديدة، سواء في الأدب أو السينما أو المسرح، حيث يتم تقديمها بنكهة جديدة تناسب العصر، ولكن الرسالة الأساسية تظل ثابتة أن الجوهر أهم من المظهر.
برؤية جديدة ومبدعة قدم المخرج المصري حازم القاضي عرضًا مستوحى من القصة ضمن مسابقة مسرح الطفل والنشء في الدورة الأولى من مهرجان ظفار الدولي للمسرح، وقد صاغ المؤلف محمد زكي الحبكة بطريقة أضافت بعض الدراما التي أثرت القصة الأصلية، وتدور الأحداث حول أمير تحول إلى وحش بفعل لعنة ألقتها عليه أميرة ساحرة بعدما رفض حبها والزواج منها، والطريقة الوحيدة لفك هذا السحر هي أن تحبه فتاة على شكله الوحشي، مما يجعل الأميرة الساحرة واثقة أن أحدًا لن يحب هذا الكائن البشع.
لى الجانب الآخر، هناك فتاة جميلة تهرب من شاب يحاول الزواج منها بالإكراه. في أثناء هروبها، تجد نفسها على جزيرة مع الوحش. يصحب الوحش في هذه الجزيرة خادم وزوجته اللذان يعرفان قصته ويأملان أن تكون هذه الفتاة الجميلة هي مفتاح فك اللعنة من خلال حبها له، ومع ذلك، يظل الوحش يرفض تصديق هذا الاحتمال، إذ يجد من الصعب تصور أن فتاة بهذا الجمال يمكن أن تحب وحشًا.
عندما تلتقي الجميلة بالوحش للمرة الأولى، تراه كائنًا بشعًا وتعاملته بعنف وقسوة، متأثرة بمظهره المخيف، وهو لا يحاول إظهار أي جانب مختلف عن مظهره العدواني، مما يعزز تلك النظرة السلبية تجاهه، ومع مرور الوقت، تبدأ الجميلة في اكتشاف جوانب أخرى في شخصية الوحش، مثل طيبته وحنانه، وهنا تبدأ في حبه وإدراك أن الجوهر الداخلي أكثر أهمية من المظهر الخارجي.
هذا التحول في العلاقة بين الجميلة والوحش يمثل النقطة المحورية في القصة، فبينما يبدأ الأمر بمظهر الوحش القبيح وتصرفاته العنيفة، يتغير كل شيء عندما ترى الجميلة الجانب الإنساني في داخله. تعكس هذه اللحظة الرسالة الأساسية للقصة، أن الشكل الخارجي لا يعكس بالضرورة الجوهر الداخلي.
المخرج وفريق العمل استطاعوا تقديم هذه الرسالة ببساطة ووضوح فالحب الحقيقي يجب أن يكون مبنيًا على المعرفة العميقة لشخصية الآخر، وليس على المظاهر السطحية. في عالمنا اليوم، حيث تلعب معايير الجمال الخارجي دورًا كبيرًا في العلاقات الاجتماعية، تقدم هذه القصة دعوة لإعادة التفكير في كيفية تقييمنا للآخرين.
في النهاية، يعود الوحش إلى صورته البشرية بعدما أحبته الجميلة. هذه النهاية ترمز إلى فكرة أن الحب القائم على الجوهر الداخلي هو الذي يحررنا من القيود واللعنات التي تفرضها المظاهر. اللعنة التي حولت الأمير إلى وحش ليست مجرد عقوبة سحرية، بل هي تعبير عن فكرة أعمق: الحكم على الآخرين بناءً على مظهرهم قد يقودنا إلى تصورات خاطئة وأحكام سطحية.
إلى جانب الحبكة، ساهمت عناصر أخرى في إثراء العرض المسرحي. فالتمثيل كان مبدعًا، حيث أدى كل ممثل دوره ببراعة جعلت من الصعب تخيل شخص آخر يؤدي تلك الأدوار، أما الديكور فقد تم الاعتماد بشكل كبير على الشاشات وتقنية الفيديو مابينج التي صممها المهندس محمود صبري، وقد
استطاع صبري أن يدمج هذه التقنية بشكل سلس مع باقي العناصر المسرحية، ليخلق تجربة واقعية تجعل الجمهور يشعر وكأنه داخل غابة حقيقية.
من جهة أخرى، كانت الأشعار التي كتبها الفنان أحمد رجب، بالإضافة إلى الألحان المصاحبة، عناصر أساسية في إضفاء روح فنية جميلة على العرض. وتميزت بطلة العرض، حور تامر، بصوتها الجذاب الذي أضاف بُعدًا مميزًا للأداء. وفي النهاية، استطاع المخرج حازم القاضي أن يقدم عرضًا متكاملًا يناسب جميع الأعمار، على الرغم من كونه موجهًا في الأصل للأطفال.