«تكية بحرية» مطعم مجاني بالإسكندرية.. مكافأة شهيد بحرب 73 كانت البداية| فيديو
في زقاق ضيق، متفرع من ساحة الأولياء، بمحيط مسجد أبو العباس المرسي، في مدينة الإسكندرية، تقاطعك رائحة طعام قوية، منبعثة من جنبات الأزقة الضيقة، والتي لا تطغى عليها روائح العطور والبخور، إلا أن رائحة الطعام الذكي تلك لا تضاهيها أي رائحة في قوة الانتشار.
إذا ما تتبعت تلك الرائحة، فأنت في رحلة إلى "تكية بحرية"، تجد الآلاف قد اصطفوا في طوابير، وجلسو على مقاعد على الأرض، وأطباق الطعام الشهي من كل الأصناف، توضع أمامهم، زوار للتكية من كل الطبقات أغنياء وفقراء، في رحاب تكية بحرية، يتناولون الغداء يومي الإثنين والجمعة، في تقليد عريق تعرفه من منطقة بحري في الإسكندرية.
بابتسامة لا تنقطع، تجلس الحاجة بحرية، سيدة ستينية، بملامح إسكندرانية أصيلة، انحنى ظهرها بشكل ملحوظ، فهذه المرأة قضت حياتها أمام مواقد النار، تعد آلاف الوجبات للزوار مجانا، فقراء وميسورين وأغنياء، فنفحة أبو العباس المرسي، بعد صلاة الجمعة عادة وتقليد، لا ينقطع منذ حرب 1973.
بدأت قصة إنشاء التكية، بعد أن استشهد شقيق الحاجة بحرية، خلال حرب أكتوبر، وسلمت القوات المسلحة في حينها مكافأة لأسرة الشهيد، إلا أن والدة الحاجة بحرية قالت "ما نذرناه لله لن نأخذ منه شيئا" وقامت والدة الحاجة بحرية، بشراء محل لعمل تكية لإطعام الناس يوميا، من مكافأة الشهيد، ومن معاشه الشهري، إلى أن توفيت وبدأت الحاجة بحرية في إكمال مشوار والدتها.
تقول الحاجة فيفي عبد الصمد أحمد عابدين الشهيرة بـ"بحرية" بابتسامة فخر وعيون تلمع بالحماس كانت الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشها الناس قبل حرب أكتوبر دافعًا قويًا لأمها كي تبدأ هذا العمل النبيل، والفكرة بدأت بسيطة، تجهيز وجبات طعام وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، ولكن مع مرور الوقت أصبح عمل التكية أكثر تنظيمًا وتوسعًا، تقطع حديثها لـ "الأخبار" وتنادي على أحد المارة، "والله تيجي تاكل يا أخويا"، وتفسح له طريقا، وتعطيه طبق به سمك وأرز وسلطة.
تنظر الحاجة بحرية لمحررة الأخبار، وتتذكر أن أمها كانت تؤمن بأن مشاركة الطعام مع الغير هي من أعظم الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الإنسان، وبهذه الروح استمر العمل حتى يومنا هذا، وتقول، إننا نقوم بتوزيع نحو ألفي وجبة يوميًا على الفقراء والمساكين وعابري السبيل، وعمل التكية يعتمد بشكل كبير على تبرعات المقتدرين وميسوري الحال الذين يتبرعون بالطعام أو مستلزمات الطهي، وأرفض تمامًا التبرعات المالية، فأنا أؤمن أن العمل في التكية يجب أن يكون شراكة في الخير، وأن كل شخص يجب أن يساهم بشيء مادي ملموس، مثل المواد الغذائية، ليشعر أنه شارك في الثواب