الدكتورمهاب البارودى يكتب مقدمة نقدية لرواية حارس المدينة للأديبة ياسمين ثابت
رواية {حارس المدينة العظمية} الصادرة عن دار القلم للنشر والتوزيع للكاتبة ياسمين عبدالرحمن ثابت عندما نتحدث عن الإبداع الأدبي الذي يجمع بين العمق الفكري والإبهار السردي، فإن رواية حارس المدينة العظمية بقلم الكاتبة المبدعة ياسمين عبد الرحمن ثابت تمثل نموذجًا مميزًا لهذا المزج الفريد. الرواية ليست مجرد قصة عادية تسير وفق حبكة تقليدية؛ بل هي عالم متكامل يحمل في طياته رؤية فلسفية عميقة ورسالة تربوية سامية تستهدف القارئ بذكاء ورُقي. فكرة مبتكرة: بين الأدب والعلوم تميزت الرواية بفكرتها المبتكرة التي تعتمد على إسقاط مجازي لجسد الإنسان كمدينة متكاملة، تنبض بالحياة وتحكمها أنظمة دقيقة، حيث تتحول الأعضاء والحواس إلى شخصيات رمزية تجسد الصراع بين الإهمال والوعي. هذا الأسلوب غير المسبوق في الأدب العربي يُظهر عمق الكاتبة وقدرتها على تقديم فكرة علمية وطبية بلغة أدبية شائقة، تجعل القارئ يقترب من مفاهيم الجسد بطريقة لم يعهدها من قبل. زاهر: بطل الصراع الداخلي والخارجي البطل زاهر ليس مجرد شخصية محورية في الرواية، بل هو رمز للإنسان الذي يتأرجح بين اللامبالاة والوعي. عبر مغامراته في "مدينة الجسد"، نرى كيف يمكن أن تؤدي الخيارات الخاطئة والإهمال إلى تداعيات خطيرة، وكيف يمكن للتوبة والعمل الجاد أن يعيدا الأمور إلى نصابها. زاهر يمثل كل فرد يعاني من صراع داخلي بين عاداته السلبية ورغبته في التغيير. الشخصيات الرمزية: صوت الجسد الحي قدمت الرواية الشخصيات الرمزية مثل القلب، الكبد، الحواس الخمس، وحارس المدينة بطريقة تعكس أهمية كل عضو ووظيفته في الحياة اليومية. هذه الشخصيات ليست مجرد عناصر مجازية، بل أدوات سردية تُظهر العلاقة التفاعلية بين الجسد والإنسان. الكاتبة نجحت في جعل القارئ يتعاطف مع هذه الشخصيات، بل ويشعر بالمسؤولية تجاهها، وكأن الجسد كيان حي يعتمد على اهتمام الإنسان ورعايته. لغة الرواية: بساطة تسكنها الحكمة تميزت الرواية بلغة أدبية سلسة تجمع بين الوضوح والعمق. النص مليء بالصور البلاغية والتشبيهات المبتكرة التي تُقرّب المفاهيم العلمية إلى ذهن القارئ. الحوارات بين الشخصيات جاءت مُتقنة ومدروسة، ما أضفى حيوية على الأحداث وجعل القارئ يعيش داخل أجواء الرواية بكل تفاصيلها. رسالة تربوية وثقافية الرواية تحمل رسالة تربوية عميقة تدعو القارئ إلى التفكير في صحته والعناية بجسده باعتباره أمانة يجب الحفاظ عليها. كما تفتح الرواية آفاقًا جديدة لفهم الذات وإدراك أهمية التوازن في الحياة. هذا المزج بين المتعة الأدبية والفائدة الثقافية يجعلها عملًا استثنائيًا يثري المكتبة العربية. بنية سردية مبتكرة اعتمدت الرواية على بنية سردية تصاعدية تبدأ بحياة زاهر اليومية البسيطة ثم تنقله إلى عالم مليء بالتحديات والمفاجآت داخل "مدينة الجسد". الانتقال بين العالم الواقعي والرمزي تم بسلاسة، ما حافظ على انسيابية النص وجاذبيته. كذلك، جعلت الحبكة المتشابكة كل فصل من فصول الرواية يحمل قيمة جديدة ومفاجآت تدفع القارئ إلى التعمق في النص. خاتمة رواية حارس المدينة العظمية ليست مجرد عمل أدبي، بل هي دعوة للتأمل في أهمية الجسد والروح، وكيف يمكن للإنسان أن يعيد بناء نفسه إذا أدرك قيمة الصحة والوعي. بفضل رؤية الكاتبة المبتكرة، استطاعت الرواية أن تعبر عن مفاهيم معقدة بلغة قريبة من القارئ، مما يجعلها إضافة مميزة للأدب العربي الحديث. د. مهاب البارودي