الكاتبة الصحفية إيمي حمدي سراج تكتب: العلاقات السامة إنسحابك ليس ضعفاً بل نجاه..

في عالمنا اليوم، حيث الضغوطات الحياتية تتزايد، تصبح العلاقات الإنسانية ملاذًا نلجأ إليه طلبًا للدعم والطمأنينة. لكن ماذا لو تحولت هذه العلاقات إلى عبء نفسي، تستنزفنا بدلًا من أن تمنحنا القوة؟ هنا، يصبح الانسحاب قرارًا لا مفر منه، ليس ضعفًا كما يظنه البعض، بل شجاعة تحمي الإنسان من الاستمرار في دائرة الأذى النفسي.
سمعتُ كثيراً مقولة : "العلاقات تُبنى على التفاهم والتقدير المتبادل." لكنني أدركتُ مع الوقت أن هناك نوعًا آخر من العلاقات، تلك التي تُهلك الروح بدلًا من أن تُغذيها، وتُضعف الثقة بدلًا من أن تعززها. إنها العلاقات السامة، التي تبدأ بموقف بسيط ثم تتحول تدريجيًا إلى عبء نفسي لا يمكن احتماله.
كنتُ أعتقد أن الصبر كفيل بإصلاح أي علاقة، وأن علينا أن نتحمل لأجل الحب أو العشرة أو حتى الروابط العائلية. لكنني رأيتُ بأم عيني كيف أن بعض الأشخاص يعيشون سنوات طويلة في علاقات مؤذية، ينتظرون لحظة التغيير التي لا تأتي أبدًا،و ادركت أن التنازل الأول.. بداية سلسلة لا تنتهي من التنازلات .
في إحدى المرات، أخبرتني صديقة عن علاقتها بشخص كانت تظنه شريك حياتها المثالي. في البداية، كانت تتجاهل بعض تصرفاته الجارحة، بحجة أنها مجرد لحظات غضب. لكن مع الوقت، تحولت هذه اللحظات إلى عادة، وأصبحت الإساءة أمرًا متوقعًا في يومها العادي. لم يكن الأمر مجرد كلمات قاسية، بل كان إحساسًا مستمرًا بعدم التقدير.
"لكنه سيصبح أفضل"، هكذا كانت تواسي نفسها. لكنها لم تدرك أنها، في كل مرة تسامحه فيها، كانت ترسل له رسالة غير مباشرة بأن تصرفاته مقبولة. وحين قررت أخيرًا أن تبتعد، شعرت أنها تحررت من حمل ثقيل كانت تجهل وجوده على كتفيها.
هل نستحق البقاء في علاقة تؤذينا .. اعتقد الامر يحتاج الى اتاخذ قرار سريع لحماية أنفسنا ومن نحب .. القرار هنا هو النجاه ...
الأمر لا يقتصر على العلاقات العاطفية فقط. كم من شخص يملك صديقًا لكنه لا يشعر معه بالأمان؟ صديقٌ يسخر منه علنًا، يقلل من شأنه في التجمعات، ويستخدمه كوسيلة للترفيه، لكنه حين يحتاج إليه، لا يجده بجانبه؟ ورغم ذلك، يظل متمسكًا به فقط لأنه لا يريد أن يكون وحيدًا.
وفي العمل، هناك من يتحمل معاملة غير عادلة من مديره، فقط لأنه يخشى فقدان الوظيفة. يتجاهل الضغط النفسي، ويتناسى حقوقه، لكنه في النهاية يدفع الثمن من راحته وصحته النفسية.
يجب أن نعرف جيداً أن التغيير لا يأتي بالانتظار ... هذا وهم نضحك به على انفسنا لكى نبقى بجانب من يؤذي حياتنا بجانبه ...
أدركتُ أن من لا يقدّرك اليوم، لن يقدّرك غدًا، وأن من يتجاهل مشاعرك، لن يستيقظ فجأة ليصبح أكثر تفهمًا. كم من شخص انتظر سنوات طويلة على أمل أن يتغير الطرف الآخر، فقط ليكتشف أنه أضاع عمره في وهم؟
التغيير الحقيقي لا يحدث بالإجبار أو التمني، بل بقرار حاسم من الداخل، قرار يقول: "أنا أستحق علاقة تحترمني، وإن لم أجدها، فالوحدة أكرم لي، لذا يجب أن نعرف جيداً أن الانسحاب ليس هروبًا.. بل استعادة للنفس
كان من أصعب الدروس التي تعلمتها أن الانسحاب من علاقة مؤذية لا يعني الفشل، بل هو خطوة نحو حياة أكثر صحة وسعادة. لقد رأيتُ أشخاصًا تحرروا من علاقات سامة، وكان أول ما قالوه: "لم أكن أدرك كم كنتُ مثقلًا، حتى تخلصتُ من هذا الحمل."
فلماذا نحمّل أنفسنا ما لا نطيق؟ لماذا نخشى الابتعاد، رغم أن الاستمرار يؤذينا أكثر؟ إن العلاقات، مهما طالت، تظل اختيارًا، وإذا لم تمنحنا السلام، فمن حقنا أن نغادر دون شعور بالذنب، في النهاية.. لا أحد سيحميك أكثر من نفسك
تعلمتُ أن العلاقات لا تُقاس بطول مدتها، بل بجودتها وتأثيرها على حياتنا. تعلمتُ أن احترام الذات أهم من أي رابط اجتماعي، وأن لا أحد سيشعر بألمك أكثر منك، فكن أنت أول المدافعين عن نفسك.
العلاقات قد تُعوّض، لكن صحتك النفسية لا تُعوّض. لا تتردد في المغادرة حين تشعر أنك لستَ مقدّرًا، ولا تبقَ في مكان يُقلل من قيمتك. اختر نفسك أولًا، ودائمًا.
الراحة النفسية لا تُقدّر بثمن، والحدود الشخصية ضرورة وليست رفاهية. الابتعاد عن كل ما يؤذيك ليس أنانية، بل احترام لذاتك.