العلاقات المصرية - الفرنسية تحلّق نحو آفاق جديدة من الشراكة الاستراتيجية

تتمتع العلاقات الاستراتيجية بين مصر وفرنسا بتاريخ طويل من التعاون والتفاهم، حيث باتت نموذجًا حيًا للروابط التي تتسم بالقوة في مواجهة التحديات العالمية.
وكما تحلق طائرات "رافال" فى السماء بكفاءة عالية وقوة، تحلق العلاقات بين القاهرة وباريس فى فضاء أوسع من التعاون السياسى والتنسيق المشترك، مرورًا بالتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي.
وتشهد الروابط بين القاهرة وباريس زخماً كبيراً مند تولي السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر، حيث يحرص الرئيس السيسي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على تكثيف الاتصالات واللقاءات والقمم بغية الارتقاء بالعلاقات المتميزة واستمرار التنسيق المشترك وتبادل الرؤى حيال الأزمات التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها الأوضاع في الأراضى الفلسطينية المحتلة ولاسيما ما يشهده قطاع غزة من معاناة إنسانية غير مسبوقة بفعل العدوان الإسرائيلي الغاشم .
تأتي الزيارة التاريخية الحالية للرئيس الفرنسي إلى مصر لتضيف رصيدا جديدا للعلاقات المحورية بين البلدين وأهميتها والرغبة المتبادلة في المزيد من الارتقاء بآفاق التعاون الثنائي، خاصة في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية وفي مواصلة التنسيق المشترك حيال كافة القضايا والملفات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك .
تنسيق وثيق على كل المستويات بين القاهرة وباريس حيال كافة القضايا محل الاهتمام المشترك تعكسه الزيارات المتبادلة والاتصالات المستمرة بين الرئيس السيسي والرئيس الفرنسي، وكان آخرها قبل يوم واحد من زيارة ماكرون إلى القاهرة، حيث بحث الزعيمان هاتفيا العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها، فضلا عن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث تم استعراض الجهود المصرية لوقف إطلاق النار بالقطاع.
وأكد الرئيسان، خلال الاتصال الهاتفي، على أهمية استعادة التهدئة من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار وإنفاذ المساعدات الإنسانية، وشددا على أهمية حل الدولتين باعتباره الضمان الوحيد للتوصل إلى السلام الدائم بالمنطقة.
ولم تخلو زيارة ماكرون الحالية إلى القاهرة من دلالات ذات مغزى تعكس حرص فرنسا على أن تظل مصر قوية كحجر زاوية الاستقرار، وأن مصر القوية تعني فرنسا قوية، وفي هذا الإطار حرص ماكرون أن يستهل الزيارة فور وصوله بالإشارة إلى الرافال، حيث نشر على حسابه الرسمي على منصة "إكس" فيديو يُظهر طائرات الرافال المصرية تصاحب الطائرة الرئاسية الفرنسية، وقال: "وصلنا إلى مصر برفقة طائرات رافال المصرية، فخورون بهذا لأنه يعد رمزًا قويًا للتعاون الاستراتيجي بيننا".
ويؤكد الخبراء أن العلاقات السياسية، التي تستند إلى الصداقة والثقة تعكسها أيضا العديد من اللقاءات الثنائية رفيعة المستوى والزيارات المتبادلة بين مسئولي البلدين .
وأشاد وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي، خلال مباحثاته بباريس في شهر فبراير الماضي مع وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو، بالعلاقات الاستراتيجية التي تجمع مصر وفرنسا في شتى المجالات، بما في ذلك المجالات التنموية والاقتصادية والثقافية وغيرها من مجالات التعاون المتعددة بين البلدين، وناقشا سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري المتميز بين البلدين وتشجيع الاستثمارات الفرنسية بمصر، حيث استعرض الوزير عبد العاطي في هذا السياق الإجراءات التي اتخذتها مصر خلال السنوات الأخيرة لجذب الاستثمارات الخارجية وتطوير البنية التحتية والخدمات اللوجستية والطرق والأنفاق والموانئ وقطاعي الاتصالات والطاقة، فضلا عن تطوير السياسات لتهيئة بيئة الأعمال وتمكين القطاع الخاص.
شراكة استراتيجية تتعزز في زمن التحديات بين القاهرة وباريس تعكسها تأكيدات سفير فرنسا لدى مصر إيريك شوفالييه الذي وصف مصر بـ "الشريك الرئيسي" لبلاده فيما يتعلق بالسلام والأمن في المنطقة.
وأشاد السفير كذلك بالتعاون بين البلدين في المجالين الاقتصادي والتجاري، حيث أشار - في تصريحات صحفية سابقة - إلى أن هناك 200 شركة فرنسية تعمل في مصر.. مضيفا أن الاستثمارات الفرنسية في مصر تبلغ 7 مليارات يورو، وأوضح أن العديد من الشركات الفرنسية في مصر تقوم أيضا بالتصدير مما يوفر عملة صعبة لمصر، حيث أن الشركات الفرنسية لا تهتم فقط بالسوق المصرية ولكن كون مصر كذلك بوابة للسوق الإفريقية والمنطقة.
وقال السفير، إن الشركات الفرنسية تهتم أيضا بجودة رأس المال البشري..لافتا إلى أنه بمبادرة فرنسية سيتم تنظيم منتدى كبير هو الأول من نوعه في الفترة من 8 إلى 10 مايو المقبل بالقاهرة بمشاركة شركات كبرى من جنوب المتوسط وشمال إفريقيا، ونوه بأن فرنسا ومصر ستواصلان التعاون في المشروعات القومية ومنها مشروعات المترو سواء في تجديد الخطوط القديمة أو إنشاء خطوط جديدة، وأشار إلى أن هناك مشروعاً بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتعظيم القدرات التخزينية للحبوب بمصر.
من جانب آخر.. قال إيريك شوفالييه، إن التعليم العالي والبحث العلمي يحتل مكانة كبيرة في التعاون مع مصر لاسيما مع وجود أعداد كبيرة من الشباب، موضحاً أن هناك ثلاثة مشروعات سيتم تنفيذها هذا العام بالتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لافتا إلى أنه يتم أيضا إعطاء دفعة جديدة للجامعة الفرنسية في مصر لخلق ديناميكية تتواكب مع مستوى العلاقات بين البلدين، وأشار إلى أنه تم توقيع اتفاقية بين البلدين بشأن المنح للطلبة المصريين لاستكمال دراساتهم في درجة الدكتوراه وما بعدها بفرنسا، ونوه بأن فرنسا تعد الشريك الأول لمصر في مجال التنمية.
وفي إطار الروابط العميقة بين القاهرة وباريس.. أطلقت الوكالة الفرنسية للتنمية في مايو 2022 استراتيجيتها الجديدة للتعاون مع مصر والتي تصل قيمتها إلى 25ر1 مليار يورو حتى عام 2025، إذ تصل قيمة الالتزامات التراكمية للوكالة الفرنسية للتنمية في مصر منذ عام 2006 إلى أكثر من 1ر3 مليار يورو، كما تستند الاستراتيجية الجديدة إلى الشراكة المعززة بين الوكالة ومصر، مما يؤدي إلى حشد 25ر1 مليار يورو أخرى في السنوات القادمة .
كما شهد عام 2022 خطوة هامة في مسيرة العلاقات المصرية الفرنسية، حيث وقعت الوكالة الفرنسية للتنمية مع البنوك المصرية الرئيسية الثلاثة، وهي البنك الأهلي المصري، وبنك مصر وبنك القاهرة، اتفاقيات قروض ومنح بقيمة 150 مليون يورو لتسريع أهداف التنمية المستدامة في مصر، وذلك بدعم من الاتحاد الأوروبي .
جاء توقيع هذه الاتفاقيات - التي تبلغ قيمتها الإجمالية 150 مليون يورو بما في ذلك 10 ملايين يورو منحة من الاتحاد الأوروبي - قبل أيام قليلة من انطلاق الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ .
وتندرج هذه الاتفاقيات في إطار برنامح التمويل المشترك في مصر والذي سيواكب النظام المالي المصري في مساهمته في أهداف "رؤية 2030" للحكومة المصرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 .
ويتضمن برنامج "التمويل المشترك" ثلاثة خطوط ائتمان للبنك الأهلي المصري (50 مليون يورو) وبنك مصر (50 مليون يورو) وبنك القاهرة (40 مليون يورو)، ويهدف إلى تمويل الاستثمارات التي تساهم بشكل إيجابي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (بما في ذلك هدف 30٪ من المشاريع التي تظهر منافع مناخية مشتركة).. كما يشمل البرنامج 10 ملايين يورو (منحة من الاتحاد الأوروبي) وتهدف إلى تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تقدم استثمارات ذات تأثيرات إيجابية قوية على النوع الاجتماعي أو المناخ بالإضافة إلى برنامج مساعدة فنية بمبلغ 3.25 مليون يورو (منحة من الاتحاد الأوروبي) تديره الوكالة الفرنسية للتنمية مباشرة ويتضمن مرافقة التحول الداخلي للبنوك الشريكة في مجالات التنمية المستدامة وإدارة المخاطر البيئية والاجتماعية وتكامل مخاطر المناخ، ودعم إنشاء خطوط الاستثمارات المؤهلة وإدماج النوع الاجتماعي الهيكلي والتغيرات المناخية لصالح المستفيدين النهائيين من المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة .
وتتميز العلاقات المصرية الفرنسية التاريخية على المستوى الثقافي بشكل كبير حيث يعرف المواطن الفرنسي بولعه بالحضارة المصرية العريقة وهو ما تعكسه معدلات رحلات السياح الفرنسيين إلى مصر والتي تركز على المزارات الثقافية والتاريخية..كما يلعب المعهد الفرنسي في مصر دورا كبيرا بالأساس في تنشيط التعاون بين البلدين .
أما في مجال علم الآثار، فتتبوأ فرنسا الصدارة في هذا المجال في مصر عبر المعهد الفرنسي لعلم الآثار الشرقية (IFAO)، والمركز الفرنسي المصري لدراسات معابد الكرنك، ومركز الدراسات الإسكندرانية، والبعثات الأثرية الفرنسية في مصر .
وشائج تاريخية وجسور تواصل ممتدة وحرص من القيادتين على مواصلة ترسيخ الشراكة الاستراتيجية والتعاون القائم بين مصر وفرنسا بما يحقق مصالح الشعبين والبلدين..وآفاق رحبة تنتظر تحليقها في السماء مثلما تحلق طائرات "رفال" رمز التعاون الاستراتيجي بين القاهرة وباريس في السماء.