10 حكايات بالصور.. واحتفال خاص بـ الموسيقار عمار الشريعي


هشام يحيي.. يكتب
لم يمنحني الحظ أن أكون قريبًا من الموسيقار عمار الشريعي، أو من الدوائر المقربة منه، سواء الإعلاميين أو الفناننين، ولكن أراد القدر أن يعوضني بعد رحيله بصداقة صديقه الأقرب، المنتج عمرو الصيفي، الذي لم يفارقه أكثر من 30 عام تقريبًا، سواء في مصر أو خارجها.. في المستشفيات وحجرات العمليات أحيانًا أو في الرحلات والتجول حول العالم.. وأكيد في البروفات والسهرات والحفلات..
1
في بداية الثمانينات.. كنا نقوم بإنتاج فيلم.. "الأخوة الغرباء" من إنتاج وإخراج والدي المخرج حسن الصيفي، بطولة المطرب عماد عبد الحليم، وكان التفكير.. أن نستعين بالملحنين الشباب لتقديم الحان أغاني الفيلم، وبالفعل تم الاتفاق مع الملحن محمد علي سليمان، والملحن محمد الشيخ لكن إرتباطاته الفنية حالت دون إستمراره في الفيلم، والملحن عمار الشريعي، وخلال تصوير الفيلم.. والتسجيل.. والجلوس في الكواليس.. علاقتي كنت أعتبرها علاقة عمل مع عمار الشريعي.. إلى أن أنتهى الفيلم.. وكل "حد راح لحاله". ولكن فوجئت بمكالمة تليفونية.. من عمار الشريعي:"هو عشان الشغل خلص.. مش حنشوفك تاني". وهنا إنطلقت شرارة الصداقة بيني وبين عمار الشريعي.. بكل ما تحمل من تفاصيل إنسانية وفنية وحياتية، وتفرد غير مسبوق.. مما يجعلني أقول: "إنها علاقة ليس لها مثيل".

2
الشهرة والنجومية، لم تشغله في أي لجظة، ولم يصدر لنا أو لأي أحد يتعامل معه إنه النجم الكبير، لهذا ظل مرتبط مع أصدقاءه القدامى من مرحلة الإبتدائي، ظل مخلصًا لهذه الفترة في حياته.. يلتقي معهم في لقاءات دورية، بيته مفتوح لهم في أي وقت، ويتجمعوا سويًا في رحلات، وكان داعم لهم بشكل كبير على كافة المستويات، وهذا الدعم كان يشمل بإستمرار مدارس ذوي الإحتياجات الخاصة، وبالمناسبة هذه العلاقة مستمرة حتى الأن بينهم وبين أبنه مراد.. المرتبط كثيرًا بأصدقاء والده القدامى.. وهو الذي يجمعهم معه.. ويقضي بينهم أوقات جميلة كما كان يفعل والده.

3
بمجرد.. إستعابه، فكرة إنه غير مبصر، وإن هذه تمثل إعاقه سوف تلازمه.. قرر أن يكون صديقًا لهذه الإعاقة، حتى لا تسبب له في حياته أي إزعاج، ويقوم بفعل أي شيئ يحبه مثل أي شخص أخر مبصر، وساعده في هذا والده، الذي كان يعامله مثل بقية أشقاءه بدون أي تميز أو تدليل.. وإذا ركزت معه سوف تكتشف إنه يتعامل في حياته بشكل طبيعي جدًا مثل أي شخص مبصر.. كثير من فاقدي البصر.. يحرك وجهه عند النقاش.. أو يرتدي نظاره.. ولهم طرق معينة في المشي والحركة، كل هذا لن تجده عند عمار الشريعي.. ضيف على كل هذا إنه كان لا يخشي أي شيئ.. مشهد النهاية في فيلم "الكيت كات" عندما ركب الشيخ حسني موتسيكل مع أبنه يوسف.. حدث بينه وبين شقيقه علي الشريعي.. الذي كان يمتلك "موتسيكل".. وأيضًا بعد أن قام بشراء أول سيارة.. جعل سائقه الخاص يقوم بتعليمه القيادة.. نعود لسؤال لماذا إشترى التليفزيون.. هو كان محب لمواكبة أي تطور.. تكنولوجي بشكل عام.. ويحب أن يقتنيه.

4
عندما كنت أذهب معه إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون، كان يتولى عملية توجيهي، للوصول إلى إستديو 46، وهذا قد يكون أمر عادي في الأماكن التي يتردد عليها في مصر، لكن في مطار باريس.. الذي سنقوم داخله بالتغير، إلى مطار أخر من الداخل، هذا هو الغير عادي.
كان يمتلك ذاكرة فوتغرافية منذهلة، وهذا إكتشفته في بداية صداقتنا.. كنا في الطريق للأسكندرية.. وفوجئت به يقول لي "احنا في الكيلو 45" التفت نحو اللافتة.. وجدت فعلًا نحن في الكيلو 45.. عندما استفسرت منه كيف عرف.. بعد فاصل من تعليقاته خفيفة الظل.. رد: بسيطة هذا ملف.. وفعلًا هذا ملف حتى الأن، أيضًاكان يجيد السباحة والغطس.. بشكل إحترافي.. ويعتبر السباحة رياضته المفضلة.

5
لأني كنت المرافق الوحيد معه.. وكان المقرر إننا ذهبنا لإجراء فحوصات، ولكن فوجئت إن د. مجدي يعقوب.. إتخذ قرار إجراء عملية "قلب مفتوح" .. لا أنكر إنني شعرت بتوتر.. وطلبت تأجيل العملية.. لحين الإتصال بأشقاءه.. لحضور العملية معه، ولكنه فاجئني.. "هو إنت خايف ليه.. لو موت خدني في صندوق.. وارجع بيه مصر". وهو مبتسم يغازل الممرضة، التي كانت سعيدة بقدرته على المواجهة.

6
كان يمتلك قناعة.. إن الكمبيوتر.. سوف يكون له في المستقبل..علاقة وثيقة مع الموسيقى، لكن بعد عودتنا للقاهرة.. بدأت تواجهنا مشكلة عدم وجود متخصصين في الكمبيوتر، وكل المحيطين به تقريبًا علاقتهم مع الإنجليزي.. محدودة.. مما صعب مهمة قراءة "الكتالوج" له، ورغم هذا لم يصيبه اليأس أو الأحباط، تحمل هذا التحدي، لدرجة إن الكمبيوتر تقريبًا أصبح جزء من حياته.. وليس الكمبيوتر ـــــ فقط ــــ الأجهزة الحديثة بشكل عام، وبدون قراءة "الكتالوج" يكفى أن يضع يده على الجهاز ليكتشف أسراره. وإذا شعر بالغموض نحو شيئ معين يطلب قراءة المكتوب عليه.. يكفي إنه هو الذي قام بنفسه بتجهيز أستديو الصوت.. الذي يمتلكه.
أستعان في البداية بصديقة المهندس الكبير نصري عبد النور، ولكنه أعتذر، بسبب النقلة التقنية التي شهدتها أجهزة الصوت، مما دفع عمار الشريعي أن يشرف بنفسه على تجهيز الأستديو.. وكأنه مهندس صوت، لدرجة في هذه المرحلة أضطررنا إلى الأستعانة ببعض الموسيقين.. الذين يمتلكوا بعض المعلومات، بعد أن فشلنا في توفير مهندسين صوت.. يساعدوه في هذه المهمة.. ومن المواقف الطريفة.. أحد الذين تعلم على يديه التسجيل.. كان يرتبك أثناء "المكساج" سألته: "هو مش الأستاذ علمك" رد بعفوية: " الأستاذ عشان مش بيشوف مش بيتلخبط.. انا الزراير الكثير بتلخبطني".

7
على المقابل حكت لي الإعلامية مرفت القفاص زوجة عمار الشريعي .. فترة الصباح كان يعتبرها لنفسه، بعد الإستيقاظ يستمع للإذاعات المختلفة بكل اللغات، يجري مكالمات هاتفية مع أصدقاءه، يجلس على جهاز الكمبيوتر الخاص به، يقضي وقت طويل في حجرة المعيشية.. وهو نفس المكان الذي نجتمع فيه نحن الثلاثة بعد أن يعود مراد من المدرسة، ويبدأ يستعد للنزول إلى الإستديو للعمل، وإستقبال أصدقاءه، إذا بدأ في فكرة موسيقية يشتغل عليها وهو في البيت.. قبل أن ينزل للإستديو لتسجيلها.

8
كان زوج بسيط جدًا، الحياة معه وبجواره أكثر من ممتعة، أقل الأشياء تسعده جدًا، مشاهدة فيلم "أبيض وأسود" أغنية جميلة قديمة، كان يحرص في السفر الذي كان يعشقه أن يتفنن في إسعادي أنا ومراد.. أو بمعنى أدق "يدلعنا" طلباته أكثر من بسيطة، ولا يمكن التعامل معه على إنه من فاقدي البصر، معظم الأشياء يقوم بها بنفسه بدون الإعتماد على أحد.. وهذا بسبب إنه قضى فترة طويلة من حياته في مدرسة "داخلية" في القاهرة بعيدًا عن عائلته المستقرة في "سمالوط" محافظة المنيا.

9
لم يعرف الكثير عنه إنه كان نباتي.. وجبة الفول والبصارة .. كأنه يأكل ديك رومي.. أو معزوم على خروف، لهذا في العزومات الكبيرة التي كان يضطر أن يحضرها.. لا يأكل، على المائدة.. ويكتفي بالأشياء البسيطة التي يحبها.

10
نجح عمار الشريعي في تحويل برنامجه "غواص في بحر النغم" إلى نافذة إذاعية فنية، تشغل كبار الفنانين والملحنين قبل المستمعين، لدرجة إن الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي كان يرتبط معه بصداقة شخصية كان يطلب منه أن يبث أغانيه في البرنامج ويقوم بتحليلها فنيًا وموسيقيًا، وأيضًا وصفت الفنانة لطيفة "غواص في بحر النغم" إنه بمثابة أكاديمية.. لهواة الموسيقى والغناء والتلحين.