الرئيس الكازاخى توقايف يكتب : آباي – المصلح الروحي
كتب محمد طلعت
قال رئيس كازاخستان قاسم - جومارت توقايف نحتفل اليوم الإثنين، العاشر من أغسطس، بذكرى مرور 175 عاما على ميلاد الشاعر والفيلسوف والمفكر الكازاخي العظيم آباي قونانبايف. منذ ربع قرن مضى أطلق الرئيس الأول وزعيم الأمة الكازاخية نورسلطان نزاربايف مبادرة للاحتفال بمرور 150 عاما على ميلاد آباي تحت رعاية منظمة اليونسكو. إن احتفالنا اليوم هو استمرارا لهذا التقليد الرائع.
كان من المخطط تنظيم العديد من الاحتفالات اليوبيلية الضخمة هذا العام، ولكن نظرا لانتشار وباء فيروس كورونا المستجد فى كافة أنحاء العالم تم تنظيم جزء كبير من هذه الفعاليات عبر الانترنت. لقد مر شعبنا بالكثير من الأزمات، وإنني على ثقة بأننا سنتكمن معا من تخطي هذه المحنة. إن الأزمات تأتي وترحل ولكن أشعار آباي وإبداعاته خالدة أبد الدهر.
وقد كلفت الحكومة بإعلان يوم العاشر من أغسطس من كل عام عيدًا لآباي دون اعتباره عطلة رسمية.
كما سيجرى تنظيم الفعاليات المكرسة للاحتفال بتراث آباي كل عام. فالأمر لا يتعلق بتنظيم أعياد يوبيلية فحسب ولكن يمتد ليشمل التعريف بأفكار وآراء هذا الشاعر والفيلسوف العظيم. إن تكريم آباي يعني اتباع مبادئه الأيديولوجية، والإخلاص لوصاياه. حينها فقط سنتمكن من غرس القيم الحياتية الصحيحة في الجيل الجديد.
إننا لن نتوقف عن الحديث حول حياة آباي وأعماله. فمن الأهمية بمكان أن يتطور المجتمع الكازاخي وفقا للارشادات الروحية لآباي.، وقد تحدثت عن ذلك بالتفصيل فى مقالتي التى كتبتها بعنوان "آباي وكازاخستان فى القرن الحادي والعشرين".
إن العام الحالي هو العام الدولي لأباي، وقد جذبت أعماله الانتباه في العديد من دول العالم. وبمبادرة من كازاخستان ودعم من منظمة اليونسكو، يتم الاحتفال هذا العام بالذكرى الـ 175 لميلاد شاعرنا العظيم على مستوى العالم.
إن واجبنا الوطني هو شرح وترويج تراث آباي الذى لا يقدر بثمن. إن آباي شاعر وفيلسوف ومفكر عبقري من الطراز العالمي وهذا هو جوهر الأساس المفاهيمي لدراساته.
يجري فى الوقت الحالى القيام بأنشطة محددة وهادفة لإدخال أعمال آباي في التداول العلمي الدولي. حيث ترجمت أعماله إلى عشر لغات عالمية وهى جاهزة للنشر الآن. كما سيتم إرسال أعماله المترجمة إلى المكتبات والمراكز الثقافية فى مائة دولة حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، قمت بالتوقيع على مرسوم يتم بموجبه منح عدد من العلماء والباحثين والمترجمين جوائز الدولة.
ستتواصل الاحتفالات بالذكرى اليوبيلية لآباي. كما تم افتتاح مراكز تحمل اسمه تابعة لسفاراتنا فى الخارج. ومن أجل الدراسة المنهجية لإبداع الشاعر العظيم تم افتتاح "أكاديمية آباي" بجامعة جوميليف الوطنية الآوراسية.
ولكى نصبح دولة تنافسية، يجب ألا نغفل تراث آباي حيث أن فكرة تجديد الأمة تنسجم مع آرائه وأفكاره.
في العام القادم سنحتفل بالذكرى الثلاثين لاستقلال كازاخستان. ومع ذلك لا تزال هناك بعض أوجه القصور في مجتمعنا التي كان المفكر العظيم قلقًا بشأنها. لسوء الحظ، لم نتمكن من التخلص تمامًا من "الأعداء الخمسة" الذين ذكرهم أباي. وللأسف نشهد في كثير من الأحيان كسلًا ورجعية بين مواطنينا، الذين ما زالوا ينجذبون نحو أسلوب الحياة الخامل، وتسييس كل حدث اجتماعي أكثر من اهتمامهم بحياتهم اليومية.
لم يدعونا آباي للاستمتاع بالاجازات الواحدة تلو الأخرى، بل إلى العمل والنمو الروحي. إن كلمات آباي التنويرية لا تزال حيوية ومتماشية حتى يومنا هذا. هذا هو السبب فى أننا لا نتوقف أبدًا عن الإعجاب بعمق أفكاره وقدرته على توقع تحديات المستقبل. إن تعاليم آباي تشع بالحيوية فى الكثير من مناحي الحياة.
أولا: إن قدرتنا على تحصيل المعرفة هى التى ستجعلنا قادرين على احتلال مكانتنا التى نستحقها في العالم. إن التعليم الحديث هو الذى يمهد الطريق لخلق أمة مثقفة.
ثانياً: قضية التربية. من الضروري توجيه جيل الشباب نحو الطريق الصحيح. يجب علينا دائما أن نتذكر وصية آباي: "لا تفكر فى الربح، بل فكر فى الشرف. إسعى دائما لكى تعرف أكثر".
ثالثا: تعلم مهن جديدة. كان الشاعر العظيم يحلم بأن يصبح كل كازاخي سيد حرفته. يحمل هذا أهمية خاصة فى عالمنا التنافسي سريع الخطى. قال الحكيم آباي: "الثروة تنضب بمرور الوقت ولكن المهارة لا تنضب أبدا". يجب علينا تغيير طريقة عملنا بشكل جذري وتطوير مهارات جديدة. إن مهنتك المفضلة هى مفتاح الثروة والسعادة.
رابعا: قضية التضامن. يضع آباي دائمًا وحدة ورفاهية المجتمع فوق كل شيء. ففى أحد أقواله يقول: "إذا كان الكازاخ لا ينظرون لبعضهم البعض كأصدقاء، فإن كل شيء سيذهب هباء"
تمر بلادنا بفترة صعبة للغاية تتطلب منا دعمًا متبادلًا وتناغمًا والمزيد من الوحدة.
لقد دعا آباي إلى ذلك، لذا فإن اللجوء إلى أعماله فى مثل هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا أمر مناسب للغاية.
لن تصبح كلمات آباي بالية، فهي مفهومة ومستساغة لجميع السكان على كوكبنا. إن أفكاره وآرائه التي يعبر عنها فى الشعر والنثر تمثل دليلا للحياة حتى يومنا هذا.
كما أن تأملات آباي في مستقبل الشعب وتعاطفه وحبه للناس تمثل الافتراضات الأخلاقية للمفكر العظيم وهى وثيقة الصلة بجيل اليوم من مواطني بلادنا.
إن المرحلة الجديدة من إحياء الهوية الوطنية وتكييفها مع المتغيرات العالمية القادمة فى ظروف الاستقلال، تمثل أولوية وطنية لدولتنا.
لقد دعا آباي للسمو فوق المصالح الشخصية، واستخدام الخبرة والمعرفة لتحقيق ازدهار الأمة. إن هذا الفهم للتقدم يحمل أهمية دائمة للبشرية جمعاء.
يمثل آباي بالنسبة لنا الطريق الأمثل لمعرفة أنفسنا وشعبنا. إن إرث آباي العظيم يمثل الدعم الروحي لشعبنا. وبعد دخولنا القرن الحادي والعشرين، أصبحنا أكثر اقتناعا بأن آراء آباي تتوافق مع مبادئ الإنسانية ولا تفقد قيمتها الروحية للمجتمع الكازاخي ووحدته وازدهاره.
لقد حدد آباي ببصيرة مذهلة الصورة الروحية والثقافية والأخلاقية للأمة الكازاخية وهنا تكمن عظمته.
ستظل كلمات آباي التنويرية هي الدعم المعنوي والأبدي للشعب الكازاخي، وهى التى تجمع بين الأجيال في البحث عن الشفرة الوطنية كأساس لتنمية الأمة.
قال الرئيس الأول نورسلطان نزاربايف ذات مرة: "إن كلمات آباي هى تميمة الشعب الكازاخي". تدفعنا هذه الفرضية إلى التعمق أكثر فى عالم هذا الفيلسوف والتفكير بطريقة جديدة.
وفى الوقت الحالى توجد فى كازاخستان الكثير من المراكز التى تمارس دراسات آباي. اقترح تنظيم عمل هذه المراكز وتوحيده فى إطار أكاديمية آباي التى تم تأسيسها فى العاصمة. يمكن للأكاديمية أن تعمل كمنسق علمي لعمل كافة المراكز والمؤسسات البحثية.
كما يجب علينا في المستقبل حل مسألة تدريس مقرر "دراسات أباي" كجزء لا يتجزأ من التخصصات الإنسانية. من الضروري إعداد كتاب تعليمي "لدراسات آباي" يشمل المواقف الفلسفية والسياسية الجديدة. بالإضافة إلى ذلك يجب إجراء دراسة شاملة وعميقة لمفهوم آباي عن "الشخص المثالي".
يجب أن نقدم آباي للعالم بوصفه عبقري عاش في القرن التاسع عشر، لكنه كان يتحدث بأفكار القرن الحادي والعشرين. كما أننا في الوقت نفسه ملتزمون بالترويج له بوصفه مصلح روحي كان له عظيم الأثر فى إحياء الوعي الوطني للشعب الكازاخي.
يجب على كل كازاخي أن يفخر بآباي