الشيخ / أحمد تركى. .هل الغناء والموسيقى حرام ؟!!
بانَتْ سُعادُ فَقَلْبي اليَوْمَ مَتْبولُ مُتَيَّمٌ إثْرَها لم يُفْدَ مَكْبولُ
وَمَا سُعَادُ غَداةَ البَيْن إِذْ رَحَلوا إِلاّ أَغَنُّ غضيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ
هَيْفاءُ مُقْبِلَةً عَجْزاءُ مُدْبِرَةً لا يُشْتَكى قِصَرٌ مِنها ولا طُولُ.
هذه الأبيات لشاعر الرسول ومداحه ( كعب بن زهير ). استهل بها قصيدته الشهيرة البردة فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم و كساه رسول الله بردته بعد ما سمعه منها وهذا سر تسميتها بالبردة.
وكما ترون. الأبيات الاولى من القصيدة غزل صريح !! لعادة شعراء العرب فى استهلالهم قصائدهم بالغزل !!
والنبى صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه غزله لحبيبته سعاد وانصت الى القصيدة كاملة بما فيها أبيات الغزل !! والعلماء يسمون هذا السنة التقريرية ، يعنى سكوت النبى صلى الله عليه وسلم على تغزل الشاعر بحبيبته سعاد إقرار. ودليل اباحة !
وهذا واضح فيه طبعاً مشروعية الغناء العفيف الذى يخاطب الروح والقلب ولا يثير الغرائز الى الحرام.
- وفى الوقت الذى رأى فيه بعض الفقهاء والعلماء القدامى تحريم الموسيقى والغناء والطرب بكل أشكاله وألوانه أمثال
الطبرى وابن الصلاح وابن القيم وابن رجب الحنبلي وابن تيمية ...
ذهب أيضاً كثير من ألأئمة والفقهاء القدامى إلى اباحة الموسيقى والغناء والطرب إذا كان ذلك بعيداً عن مظاهر الفساد والانحلال لأنهم لم يرو حديثاً صحيحاً صريحاً فى تحريم الغناء على الإطلاق.
وممن ذهب إلى هذا الرأي ابن حزم وابن القيسرانى والشوكانى وأبوحامد الغزالى وابن دقيق العيد والعز بن عبدالسلام وغيرهم ....
واستدلو بالآتي :
⁃ دخلَ عليَّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بِما تقاوَلَتْ به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليست بِمُغنيتَيْن، فقال أبو بكر: أَبِمَزمور الشَّيطان في بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: يا أبا بَكْر، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا
وروى البخاريُّ ومسلمٌ وأحمد عن عائشة أنَّها زفَّت امرأة من الأنصار، فقال النبِيُّ يا عائشة،
ما كان معكم من لَهْو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو"
يعتبر المجيزون للموسيقى أن الإسلام أسهم في تنمية الإحساس الجمالي لدى الإنسان المؤمن ويسعى دائماً إلى الارتفاع بذوقه، والرقي بملكاته وطاقاته النفسية والروحية والعقلية. وأن الإنسان المسلم يرتقي بفنّه سلم السمو الفني سواءً أكان غناءً أم شعراً أم تصويراً، ولعلَّ أهم موسيقار عربي مسلم هو زرياب صاحب الصوت العذب والإسهامات الموسيقية الكبيرة الذي عاش في العصر العباسي .
يقول ابن حزم في هذه المسألة: "إنَّ الغناء مُباح"، وبنَى كلامه على تضعيف حديث أبي مالكٍ الأشعري، ويرى ابن حزم أن استماع الموسيقى مباح مثل التَّنَزُّه في البساتين ولبس الثياب الملونة. ويقول الإمام أبو حامد الغزالى في بيان تحريم الغناء والموسيقى في الملاهي وشرب الخمر: "فالغناء والموسيقى في الملاهي محرم لتحريم الخمر؛ لأنّ الغناء في الملاهي يدعو إلى شرب الخمر.
ونقد الإمام أبو حامد الغزالي جميع القائلين بتحريم الغناء من العلماء المسلمين، بقوله أن الشافعي لم يحرم الغناء أصلاً، ويقدم على ذلك دليلا وهو قول يونس بن عبد الأعلى: سألت الشافعي رحمه الله عن إباحة أهل المدينة السماع، فقال الشافعي: لا أعلم أحداً من علماء الحجاز كره السماع إلاّ ما كان منه في الأوصاف. ويضيف الإمام الغزالي: "وأمّا الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الأشعار فمباح.
وورد عنه أيضاً "
"من لم يحرّكه الربيعُ وأزهاره، والعودُ وأوتاره، فهو فاسدُ المزاج ليس له علاج".
وعن الحديث الذى يستند اليه من يحرم الغناء والمعازف وهو " لَيَكُوْنَنَّ في أُمَّتِـي أقوامٌ يَسْتَـحِلُّونَ الحر (أو الـخَزَّ) والحرير والـخَمْرَ والـمعازِفَ"
ذهب أغلب من روى الحديث أن الوعيد ليس على المعازف !!
يعنى أن المعازف المحرمة هى ما كانت فى مجالس الزنى والخمر !!
ومن هنا نعلم دقة الإمام البخاري، فإنه قد استشهد بهذا الحديث في "باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه"، ولم يذكره البتة في باب المعازف. لأن الشيء الذي اتفق عليه كل رواة الحديث بلا خلاف منهم، هو إنزال الوعيد على من استحل شرب الخمر بتسميتها بغير اسمها. فليس من المعقول أن يهمل البخاري إعادة الحديث في باب آخر يخص المعازف.
قال القاضي المالكي أبو بكر بن العربى في كتاب "الأحكام ": «لم يصح في التحريم شيء»( يعنى تحريم الغناء ) وقال ابن حزم في المحلى: «ولا يصح في هذا الباب شيء أبداً. وكل ما فيه موضوع». وصرح عدد من حفاظ الحديث بأن كل حديث صريح جاء في تحريم المعازف فهو موضوع.!!
الشيوخ المصريون والغناء ..
وقد برز فى القرن الماضى عدد من شيوخ القراءة والابتهال على الساحة المصرية والعالمية واثرو فى جيل عريض من المسلمين حول العالم ، ومعظم هؤلاء تعلمو الموسيقى والمقامات الموسيقية على يد موسيقيين او جمعتهم جلسات مع مطربين مصريين فى هذا الزمن الجميل ...
1- فعندما سُئل الشيخ الراحل، عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله ، عن أحبّ الأصوات إلى قلبه، في حوار تليفزيوني أُجري معه، قال: «أنا أحب كل صوت جميل، والصوت الجميل بزيادة، أسمعه من سيدة الغناء، كوكب الشرق ، صوت أم كلثوم»، وأضاف أنه يستمع للموسيقى ولا يرى في ذلك أى ضرر.I
سُئل الشيخ عبدالباسط عن المطرب الذى يُشجيه، فأجاب: «عبدالحليم»، وعندما سأله المحرر عن أغنيته المفضلة، قال «الحلو حياتي»، كما كان يُقال إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يقرأ القرآن الكريم ثم يستمع إلى أم كلثوم بعد التلاوة،
2- وفي حوار مع حفيدة الشيخ محمد رفعت، قالت إنّ جدها جمعته علاقة طيبة بالفنانين والمثقفين من علماء الأزهر ورجال الدين، وذلك لأنه جعل من منزله الذي عاش فيه بالبغالة وراء مسجد السيدة زينب المكون من ثلاثة أدوار، ما يسمى بالصالون الثقافى، وكان دائم التردد على الصالون الموسيقار محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وليلى مراد والشاعر أحمد رامى والفنان كامل الشناوى، وفقًا لحديث والدها.
3- الشيخ سيد النقشبندى وفى حوار مع الإذاعيّ القدير طاهر أبوزيد، وعندما سأله الأخير عن أحب المُطربين إلى قلبه، وألصقهم للمقامات الشرقية، تحدّث «الماشي بنور الله»، الشيخ سيد النقشبندي، صاحب الابتهالات الأشهر إلى الله تعالى، عن صوت أم كلثوم، وعندما طلب منه أن يغني مقطعًا مُحببًا إلى قلبه، لم يتردد وبادره بمقطع «أبا الزهراء قد جاوزت مدحي» من قصيدة «سلوا قلبي» لأمير الشعراء التي غنتها أم كلثوم.
يستكمِل النقشبندي حكاياته عن أم كلثوم، وقت أن كان صبيًا، قائلًا: «حضرتك عارف إنّ أم كلثوم بدأت تغني القصائد سنة 42 و43، وأنا كُنت في سن يسمح لي أنّ أُقلد ولا حرج عليّ في التقليد»، يُداعب الإعلامي، طاهر أبو زيد، الشيخ سيد طالبًا منهُ أن يُغني للسيدة أم كلثوم، فيتهرب من ذلك بحكاية أُخرى مع أم كلثوم في رحاب السيد البدوي: «كُنت بغنلها وقولت لها كده في لقاء معاها في سيدي أحمد البدوي، أنا قولتلها إني كُنت زمان بغنّي القصائد بتاعتك، وهي سُرّت كتير».
4- يقول الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله في حديث إذاعي، إنه كان يقابل السيدة أم كلثوم عادةً في الإذاعة، وفي إحدى المرّات دعته لحضور بروفة لإحدى أغانيها، وسألته عن رأيه، فتفاجأت بخبرته الموسيقيّة وتحليله لكل مقطع مما غنته، فسألته كيف اكتسب تلك الخبرة، وهل عزف أي آلةٍ من قبل؟ فأجاب بأنه اكتسب ذوقه الموسيقي وعلمه بالمقامات وخلافه سماعيًّا.
5- الشيخ محمد عمران رحمه الله.
جلسَ الشيخ محمد عمران يُنشد مقطعًا صغيرًا من أغنية «حلم» لأم كلثوم، لم يكُن الشيخ يغني وحده، كانت تصحبهُ آلة العود وحفنةٌ من ألحان الموسيقى السماويّة؛ ظلّ يردد مقطعًا بعينه : «بقى يقولي وأنا أقوله وخلصنا الكلام كله»، ليرد عليه أحد الجالسين قائلًا: «قول يا جدع».