الدراما التليفزيونية تستعيد دورها الثقافي وتشكيل الوعي
شهدت الدراما التليفزيونية مطلع السنوات الأولى بالعقد المنصرم، تخبطًا كبيرًا ما بين دراما تحاول التعبير عن الواقع بجرأة تخرج عن المألوف تحاول رصد مجتمع الطبقات العشوائية من ناحية، أو تلك التي تعددت وخرجت بدون خريطة واضحة المعالم يشوبها عوار أزمات السيناريو المتكررة، باستثناء عام 2013 الذي قدم عدد من التجارب الناجحة لا تزال هي الأكثر شهرة نجاح حتى اللحظة الآنية، ومنها على سبيل المثال مسلسلات: بدون ذكر أسماء، ذات، موجة حارة.
وبدخول الدولة المصرية مرحلة سياسية جديدة في ولاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدأت الدراما التلفزيونية تتعافى عامًا تلو الآخر، وصولًا للمرحلة التي صار فيها تشكيل الوعي الثقافي والفني هو العامل الأساسي لمحاربة جهل وتطرف الأفكار كاتجاه عام في الدولة، خصوصًا بعد التجربة الظلامية التي مرت بها الدولة إبان حكم الجماعة الإرهابية التي كانت تحاول دس سمومها في عقول الشباب والأطفال.
بمراجعة الخمس سنوات الأخيرة في عمر الدراما التلفزيونية المصرية، فأن اهتمامًا واضحًا يبدو على الساحة بالأعمال الوطنية بعد فجوة كبيرة أحدثت خلًلا واضحًا في غياب توضيح الدور الهام الذي يلعبه رجال الشرطة والجيش في خدمة الوطن.
فخلال عام ٢٠١٧ عادت دراما المخابرات المصرية ودور رجالها في حماية الوطن، حيث قدم مسلسل "الزيبق" الذي لعب بطولته الفنان كريم عبد العزيز وشريف منير، والذي أعاد للأذهان أيقونات الدراما المصرية مثل "رأفت الهجان" للراحل محمود عبد العزيز، "دموع في عيون وقحة" للزعيم عادل إمام، من خلال عملية تجنيد لفني كاميرا لعب دوره كريم عبد العزيز من قبل ضابط المخابرات الذي قدمه شريف منير في اليونان للكشف عن خطط الموساد الإسرائيلي.
وقدم الكاتب الراحل وحيد حامد الجزء الثاني من "الجماعة" والذي رصد تاريخ مرحلة هامة في عهد "الإرهابية" إبان محاولات دس المفكر المتطرف سيد قطب لأفكاره الهدامة للدولة في عقول مؤيديه من الشباب إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ويأتي عام ٢٠١٨ ليكون نقطة فاصلة في رصد محاربة الدولة لقضايا الإرهاب والتطرف من خلال عدد من الأعمال لكلًا منها تركيبة وحالة خاصة، في مقدمتها الجزء الثاني من مسلسل "كلبش" والذي تناول محاربة بطله الفنان أمير كرارة "الضابط سليم الأنصاري" للعناصر التكفيرية التي تخطط للتخلص من رجال الأمن وضرب قوتهم.
نموذج آخر قدمه مسلسل "أمر واقع" للنجمين كريم فهمي وأحمد وفيق، واللذان قدما فيه رصد دور ضباط الأمن في محاربة الإرهاب والكشف عن تخطيط العناصر الخارجية في تدمير الدولة وكيانها.
وتتوالى الأعمال لنصل لمرحلة هامة في عهد الدراما المصرية ممثلة في ملحمة مسلسل "الاختيار" بجزأيه الأول والثاني، هذا العمل الذي شكل تجربة هامة في تشكيل وعي المواطن خصوصًا من فئة الشباب والمراهقين التي طالما استقطبتهم الجماعات المتطرفة لتجنيدهم لصالحها، ولكل من الجزأين أهمية وقيمة كبيرة ففي الأول رصد العمل شخصية "المنسي" قائد عملية كمين البرث الشهيرة والتي لا تزال خالدة الذكر في الأذهان، ومن خلال الأحداث تعرف المشاهد على بطولات العديد من رجال لقوات المسلحة والذين غابوا عن الحضور بالدراما التلفزيونية ربما منذ الحديث عن حرب أكتوبر وما تلاها من أعمال مقدمة وإن كانت أيضًا لم ترصد مثل هذه التفاصيل الدقيقة التي قدمها العمل.
فعلى مدار تاريخ الدراما المصرية لم نجد عملًا يقربنا في العلاقة من رجال القوات المسلحة على المستوى الشخصي والمهني أكثر من "الاختيار١" بخلاف حالة الشفافية التي رصدتها الأحداث في تاريخ بناء شخصية الضابط المخلص للوطن والإرهابي هشام عشماوي منذ الطفولة.
ويأتي الجزء الثاني من مسلسل "الاختيار" الذي يعاد عرضه حاليًا بعد انتهاء الموسم الرمضاني ليقدم تجربة أكثر تقاربًا وتفاعلًا مع أحداث واقعية وحية عاشها المواطن المصري في واحدة من أصعب الفترات "إبان حكم الجماعة الإرهابية" وما بعدها من دماء دفع ثمنها رجال الأمن الوطني دفاعًا عن الأرض وحماية المواطنين.
وليس هذا فقط، بل أن المسلسل في جزأه هذا، قدم نموذج للشفافية في التعامل مع إدعاءات العديد من القنوات المعادية والدول الأجنبية التي كانت تحاول زعزعة الاستقرار والأمن بالدولة المصرية من خلال اتهاماتها الباطلة وذلك بعد أن عرضت الحلقة الخامسة على سبيل الذكر التقرير الخاص بالمجلس القومي لحقوق الإنسان والخاص بعض اعتصام رابعة العدوية كوثيقة رسمية تكشف أكاذيب الجماعة الإرهابية.
وزاد من أهمية العمل، تقديمه بترجمة باللغة الإنجليزية لتوضيح الحقائق كاملة وذلك بعد أن عرض العمل في أكثر من قناة عربية.
ويتوازى مع ذلك وجود مسلسل مثل "هجمة مرتدة" والذي كشف عن الدور الذي يلعبه جهاز المخابرات المصرية منذ مطلع الألفية الجديدة في الخارج ما بين دول أوروبية وعربية في الكشف عن المخططات الإرهابية والعملاء الذين يحاولون تدبير المكائد والمؤامرات لها لزعزعة أمنها واستقرارها.