نورا مروان تكتب: من أم كلثوم والعندليب لزمن رمضان وبيكا
تُعرف الشعوب من فنونها وتُقيم الأمم من تراثها الفني، ومورثاتها الثقافية، ولا أعتقد أنني ابتعد عن الحقيقة كثيرًا إن قلت بأن الفن كان بمثابة الشعلة التي تضيء الطريق إلى حيث يجب أن يسير الذوق العام، وليالي السهر والحفلات الرائعة التي كان يقيمها عمالقة الفن أيام الزمن الجميل السيدة أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ ونجاة وشادية وفايزة أحمد وفريد الأطرش وذكى رستم، ويوسف وهبي ومحمود المليجي وغيرهم من جيل العملاقة الذين لن يتكرروا في عالم الفن والطرب والتمثيل.. فيما ظهر علينا فن من نوع جديد كالنار في الهشيم وبات يهدّد كل ما من شأنه أن يرتقى بالذوق العام لدى جيل بأكمله على اعتبار أن الفن هو مرآة المجتمع ويعكس أحوالها سلبًا وإيجابيا (هكذا قالوا وهذا ما نؤمن به) في زمن اختلت فيه الموازين، واحتلت البلطجة المكانة الأولى بين من يُطلق عليهم مطربي المهرجانات، زمن تصدره محمد رمضان بلا ملابس فوقية يغني أمام الجمهور والكاميرات، وشاكوش صاحب الصراخ المميز، وبيكا "رب الكون ميسنا بميسة"، أصبح هؤلاء يجسدون الصورة التي تنقلها وسائل الإعلام عن مصر في الخارج، بملوثاتهم السمعية المعروفة بأغاني المهرجانات المنتشرة في الشوارع والمنازل وبين كل أوساط المجتمع دون رقيب وغياب تام لدور النقابة المختصة العاجزة تماما عن الحد منها أو مواجهة كلماتها الخادشة للحياء والتي تحمل التحريض على العنف وحمل السلاح ودعوات صريحة لتعاطي المخدرات لأشخاص غير مؤهلين فنيًا ، فكل من قام بتجهيز وامتلاك استديو استطاع "الغناء" والخروج علينا بأغاني المهرجات حيث أن المناطق الشعبية والعشوائية أصبحت مليئة بتلك الاستديو هات دون رقيب.. فهل يمكن أن تشهد المرحلة المقبلة ردّات فعل على هذا النوع من الفنون؟! وهل ستقوم المجتمعات بإسقاط أغنيات “الهشّك بشّك” على اعتبار أن الفن الجيد والأصيل هو الذي يجب أن يبقى ويستمر؟!
لقد أصبح فن الدعارة والبلطجة والقبح وهدم المؤسسات الوطنية ورموزها وتعظيم البلطجية وجعلهم أساطير في الأعمال الفنية ليس فنا بل جُرمًا مُبينا وحربا قذرة طويلة الآجل تستهدف تغيير الواقع من سيئ لأسوأ وخلق أجيال قادمة من البلطجية والأعداء لأوطانهم.
وقد رأينا كثيرًا أفلام ومسلسلات تعلي من جرائم القتل والحرق والتآمر والخيانة والتفكك الأسري والسرقة والإساءة للمؤسسة والرموز الوطنية ويقلدها اطفالنا وشبابنا بعد أن تمكن الفن الهابط من احتلال عقولهم وتزييف وعيهم واستلاب إرادتهم ليرتكبوا هذه الجرائم بعد مشاهدتهم لهذه الأعمال الفنية الهابطة.
نرى أن الأزمة ليست ازمة فن بل أزمة مجتمع، فالمجتمع الراقي والمتحضر يفرز فنا جميلا اما المجتمع المريض يفرز فنا هابطًا، فقد أصبح الأن أغلب الأعمال الفنية متشابه والنماذج موحده تجسد فيها الأدوار النمطية حيث الأب اللص والأم المنحرفة والزوجة الخائنة وغيرها من الشخصيات المخزية، بل بات من الحتمي مشاهدة الرقص والعري بالإضافة إلى الأغنية الهابطة، والاستعراض الهزلي.. كل هذه المؤثرات تغير من قيم ومعايير وملامح المجتمع في ظل غياب تام لدور المعنيين أو الدولة.
وها نحن الآن أصبحنا في حاجة ماسة لمعالجة هذا الأمر، والعودة إلى القيمة والجمال والأصالة أي العودة إلى "زمن الفن الجميل "بعد أن أصبح الفن الهابط الآن ثمة أغلب الأعمال الفنية الموجودة على الساحة، مناظر العري والإسفاف اقتحمت منازل الأسر المصرية وتركت في نفوس المجتمع الآثار السيئة التي من الممكن بل من المؤكد ان يكون لها أضرار نفسية ومعنوية على غالبية المجتمع.
لقد أصبح الفن حالياً هو الذي يروج للعديد من السلبيات مثل العري والبلطجة والمخدرات والتحرش، ومشاهد جنسية، بعدما كان هو المعالج الأول لهذه المشكلات، بينما المتسبب الرئيسي في هذا هو سينما المقاولات فاليوم اصبحت صناعة السينما مهنة من لا مهنة له، وأصبح الدخلاء على هذا المجال الراقي كثيرون، من خلال استخدامهم مفردات رخيصة وأغاني هابطة اصبحت تشكل خطرا على الابداع والزوق العام، ولكن جنى الارباح وجلب الايرادات اهم بكثير من هذه الامور لدى صناع السينما الآن.