لوحات تنطق جمالا من وراء حجاب!
هذا أول عرض أشاهده للفنان التشكيلي عمرو سلامة كان من الصعب تحديد نقطة معينة أبدأ منها وأنتهى عندها، فلوحاته متعددة المقاطع، يحيل بعضها إلى بعض طوال لحظات تأملها، ويحدث هذا التنقل فى المقاطع رغم مشهد اللوحة الخارجى المستقر، إلا أن اعتماد الفنان على الخط فى تشكيل لوحاته أحدث ما يوحى بالحركة الكامنة والحيوية واستفاقة ما، كأن خيال الفنان ينتفض فجأة على مشهد قفز إلى خياله فيضيفه ويوّظفه داخل اللوحة بجمالية واحترافية واضحة.
أثناء متابعة اللوحات فى المعرض الذى يحمل عنوان اروح حرةب، واستضافته مؤخراً قاعة االباب/ سليمب بساحة متحف الفن المصرى الحديث بدار الأوبرا، نستشعر حياة داخلية كامنة تتحرك بحيوية خطوطها من دون أن التنقل فى أرجاء اللوحة، بل هى معتمدة على حيوية الإحساس والخط ليعملا معاً فى حالة من الشاعرية، وإن كانت فى بعضها حادة نظراً لعنفوان الظلال الشديدة رغم نعومة الخط.
لكثير من اللوحات غموضها الذى ندركه، كأنها خارجة من زمانها المبهم إلى زماننا فى حالة التفاف على نفسها بما يوحى بأن للفنان خصوصية رومانسية لا يكشف عنها بالكامل، ففى بعض عناصر اللوحة نرى اللفافات القماشية تخفى وجهاً أو جسداً ترك الفنان مكانه مجسماً غير مرئى، لندرك من حركة الملابس والتفافاتها، ولنستشعر هيئة لملابس من دون جسد، كأنه جسد أثيرى لا يراه إلا الفنان فى عالمه الرومانسى، كما فى لوحة العباءة الواقفه رأسياً على هيئة بشرية، وأخرى لا نرى من إنسان اللوحة إلا عباءته التى التفت حول هيئة لرأس مخفى لا نرى منه الوجه لكن ندركه من وضعية العِمامة وهيئة الرأس.. وفى لوحات ندرك شخوصاً غير مرئية تلتف بأوشحتها أو تُطوى بعضها على بعض، أو لتبدو هيئات كنساءٍ تغلفهن حُجب تقترب من تهدُل ثنيات القماش من دون أن نعرف مَنْ أو ما هو المُخفى وراءه.
لذا تبدو أعمال عمرو سلامة كأنها تنطوى على سر أو تخفى شيئاً مستوراً لا يريد الفنان الكشف عنه، كأنه يعالج فى لوحاته اللامرئي، وأيضاً ما هو فى حالة ميتافيزيقية لا تدركها العين أو ليست متاحة اللمس.
وأكثر شىء لافت فى أعمال الفنان ليس المهارة الزخرفية الشرقية فى بعض اللوحات، لكن ما يثير الانتباه هو ما تشير إليه بقوة فكرة الإخفاء أو الحجب الذى يخبئ شيئاً ما وراءه، ليثير اهتمام وخيال المشاهد حول أجساد خفية تتشكل حولها أوشحه ملتفة.
كما ينجز الفنان لوحاته بألوان محدودة للغاية لتتناسب ومفهوم الصورة الغامضة بين الأبيض والأسود والأصفر الأوكر، وهذا الأصفر يزيد من الغموض، والأبيض والأسود للإيحاء بالإخفاء والتناقض لما وراء الشكل.
العرض إيحاءاته كثيرة، فقد يمثل تداعياً بين الكشف والتكشف.. والإخفاء والتخفى .. والتفكر بماهية التحول من المرئى إلى اللامرئى.. ومن الجسد المادى إلى الهيئة السائلة.. وهذا ما يجعل عرضه الفنى ساحراً ويخلق إحساساً بالتوقع وتنشيط الإحساس بين المرئى بصرياً والإدراك الذهنى.. ربما يبدو الإخفاء البصرى هو المفهوم الأهم لهذا العرض، كأن هناك طقساً لهذا الإخفاء له صلة بحالة ميتافيزيقية يفضِّل الفنان تأكيدها فى أعماله بحس رومانسى رقيق لمعرض عنوانه اروح حرةب.