من الأدب الفرنسي إلى الموضة.. هالة فؤاد: أتمنَّى تصميم فستان زفاف من التُّلِّي… حوار
التُّلِّي حرفة متوارثة مستوحاة من البيئة، فى الماضى كان مقصورًا على لونين هما الفستان الأبيض المزين بالذهبى للعروس والجلباب الأسود المزين بالفضة للسيدة المتزوجة وكانت جميع رسوماته مستوحاة من البيئة، وخيوطه مطلية بالفضة ويتم استيرادها من الهند بتكلفة كبيرة، لكنه عمل إبداعى يحتاج إلى موهبة.
وفى مصر قليلون من يعملون به فى سوهاج عفاف عارف وفى القاهرة هالة فؤاد وبينهما نوع من التوءمة تحدثنا عنها فى الحوار وتكشف لنا تفاصيل كثيرة عن التُّلِّي وعالمه الساحر.
- فى بداية لقائى «هالة فؤاد» أستاذ الأدب بجامعة عين شمس قسم اللغة الفرنسية طلبت منها أن تعرفنى ببداياتها مع التُّلِّي؟
أجابت: عشقت التُّلِّي منذ صغرى فأنا أرى أنه من أجمل الأزياء التراثية الموجودة لدينا، كما أرى أنه لا يأخذ حقه فى الاهتمام والظهور كفن أصيل ولأني شخصية محبة للتراث والتاريخ، دائمًا كانت نظرتى إليه أنه فن تقليدي يحتاج إلى التطوير ليظل موجودًا ومواكبًا للعصر الحالى، فهدفى حفظ التراث ونشره على نطاق واسع.
- كيف جاءت فكرة «تلينا»؟
قبل عام كنت بمعرض للأزياء التراثية وتعرفت إلى السيدات اللاتى يصنعن التُّلِّي من محافظة سوهاج وتكلمت معهن عن كيفية تطوير منتجاتهن فالمنتجات كلها محصورة فى الشال والجلباب التقليدي، إضافة إلى التقفيل الخارجى والجودة، ومن هنا جاءت الفكرة بالتعاون مع شريكتى عفاف عارف من سوهاج والتى تعمل فى التُّلِّي منذ أكثر من عشرين عامًا لخلق سوق بيع أوسع للتلى ووجدنا أسلوب تفكيرنا مشتركًا ومتناغمًا وهذا ما شجعنا على بدء فى مبادرة «تلينا» الاسم المستوحى من التُّلِّي 100% وبه نوع من التخصص، وبالفعل بدأت رسم بعض التصميمات العصرية لتنفيذها بشغل التُّلِّي، وتلك التصميمات قطع يمكن الخروج بها يوميا وبدأنا تنفيذ هذه الفكرة ووجدنا ردود أفعال إيجابية شجعتنا على الاستمرار، ووجدت فئة كبيرة من السيدات يردن ارتداء الملابس المزينة بالتُّلِّي ليشعرن بالتميز والتفرد، ونعرض حاليًا أونلاين فقط ونعمل بالطلب فى المقاسات والتعديلات المعينة.
- كم عدد السيدات اللاتى يعملن معكما؟
بدأت عفاف تدريب فتيات أكثر لتنمية مهاراتهن فالمشروع بدأ بخمس فتيات ترعاهن عفاف ووصلن الآن إلى 15 فتاة وسيدة يعملن معنا فى التُّلِّي متوسط أعمارهن ما بين العشرينيات إلى الأربعينيات والخمسينيات، فالسيدة يكون معها بناتها لمساعدتها، فأنا حرصت منذ البداية على أن تكون القطعة كلها مصنوعة بأيدى النساء المصريات فى جزيرة شندويل ولا يقتصر على التُّلِّي فأنا أقصد الخياطة والكروشيه والتطريز وغيرها فجميع المراحل تصنع هناك لخلق حالة من التنمية فى البيئة المحيطة ولكون الجزيرة كلها قائمة علي حرفة التُّلِّي التراثية.
- هل علي التُّلِّي مناسب لجميع «جزيرة شندويل» بسوهاج؟
شغل التُّلِّي مناسب لظروف المرأة لكونها تعمل من منزلها مما يعطى مجالا للتوسع والاستمرارية للحرفة مع ضرورة الإتقان والتطوير المستمر للشغل من خلال التدريب وتبادل الخبرة بين الشابات المبتدئات والسيدات اللائى يعملن منذ فترة طويلة به.
فشغل التُّلِّي دقيق يحتاج إلى عد وحساب الغرز لتكون القطعة متطابقة من الأمام والخلف تمامًا، وعنصر السن يعطى خبرة ومهارة، فالقطعة الواحدة كالشال الذى يبلغ طوله نحو 180 وعرضه 70 سم يحتاج من أسبوعين إلى أربعة أسابيع ولكن القطع الكبيرة من الممكن أن يعمل بها أكثر من فتاة من خلال تقسيم العمل بينهن.
- حدثينى عن كواليس تصميم أول قطعة تلى عصرية؟
أسميتها قطعة الحلم وهى فستان مصنوع من التُّلِّي وكنت أحلم به سنوات عديدة وعندما قررت صنعه صنعته لأنه حلمى من دون التفكير فى هل سيعجب الناس أم لا؟ وبالفعل عزمت على تصميمه بمقاساتى وذوقي، وأرسلت التفاصيل إلى شريكتى لتوزيع الشغل على الفتيات، واستغرق أكثر من شهر فى تنفيذه لأنه أول تعامل وأول قطعة، فأنا أتذكر جيدًا أننى أردت الفستان طوله 95سم فسألتنى عفاف أليس قصيرًا؟ فأجبتها لا فهو مناسب للأجواء في القاهرة، وبعد التنفيذ أشادت به وبذوقي، وعند استلامه وقياسه شعرت بالانبهار لأنه خرج أحلى بكثير مما تخيلته ورسمته.
- ماذا عن التواصل بين عفاف في سوهاج وبينك في القاهرة؟
الإنترنت والبرامج المختلفة ساعدتنا كثيرًا علي تيسير التواصل بيننا وأخذ الآراء فى التصميمات ومراجعة الطلبات والتفاصيل المتعلقة بالشغل إضافة إلى خدمة البريد السريع والتى أصبحت أكثر من ممتازة ويسرت لنا كثيرًا فى الاستلام ورؤية القطع المصنوعة، والتواصل بيننا قبل أن يكون هاتفيا فهو إنساني وأصبحنا نطمئن على بعضنا، فأنا حتى الآن لم أزر سوهاج نهائيا ولكننى أعرف من يعملون معنا، لذلك قررت أن أسافر إلى جزيرة شندويل بسوهاج فى النصف الثانى من شهر أكتوبر الجاري.
- ما الخامات المستخدمة فى التُّلِّي؟
كثيرًا ما أتناقش مع عفاف حول هذا الأمر، فهناك خامات كثيرة وخيوط متنوعة ولكننا نسعى إلى انتقاء أفضل جودة، فالتُّلِّي يصنع على تل قطنى ذي غرز واسعة و«مطة» معينة تجعله مريحًا فى الشغل اليدوي وليس التل الشائع الخاص بالفساتين، وهناك خيوط التطريز باللونين الذهبى والفضى ذات جودة معينة، وذات لمعة معينة ولا تكون خشنة أو يتغير لونها مع الاستخدام، فهذه الأشياء تجعل من يفاضل بين قطعتين يعرف أيا منهما الأفضل.
- هل الشغل فى التُّلِّي مربح؟
التُّلِّي عمل يدوى يستغرق الكثير من الوقت والخيوط التى يستخدمها مطلية بالفضة ويتم استيرادها من الهند بتكلفة مرتفعة، فبالنظر إلى الربح المشروع غير مربح ولكننا نفعل ذلك من منطلق الحفاظ على تراثنا وهويتنا والحرفة من الاندثار، إضافة إلى كونه يكفل معيشة كريمة لجميع من يعمل به فهو منتج مكلف ومن يقتنيه يعرف قيمته جيدًا ومحب لارتداء قطع من تراث مصر الأصيل.
- من أين يتم استلهام التصميمات؟
فى الماضى كانت الفتاة تعمل فى تطريز فستانها وطرحتها البيضاء بالتُّلِّي برسومات وموتيفات مستوحاة من البيئة فالعريس كان يرمز له بالجمل أو النخلة بجانب العروس والشمعدان والإبريق والزهرة فهو تراث شديد الغني وعند توظيف تلك الموتيفات يعطينا قطعا شديدة الثراء والتنوع مما يضفى شكلًا مختلفًا على من ترتديها.
- هل ترين أنك حققتِ حلمك؟
أرى أنني حققت جزءا منه فأنا خرجت عن التقليدية من خلال صنع قطع مختلفة يمكن اعتمادها كاچوال أو كلاسيك ليناسب جميع الأذواق وصنعت أيضًا فستانا وقفطانا مغربيا من التُّلِّي البيچ مطرزا بالذهبى وجيليه وكارديجان وچاكيت وغيرها، ومازلت أحلم بتدريب سيدات أكثر وتمكينهن بطرق أفضل وإعطائهن دورات تسويقية أكثر لنشر ما يفعلن على نطاق أوسع، وأرى أن الله حبانى بالتوفيق حتى الآن فكل من عمل معى كان متطوعًا بلا أجر إيمانًا منه بأهمية مبادرتى، فحتى الآن أنا لا أقدر أن أسميها مشروعًا لأنى لا أهدف إلى الربح، فعملي في الجامعة يغنينى عن ذلك، ولكن عشقى للفن نفسه هو السبب فى انخراطى فيه.
وأركز الآن على أن تكون تجربتى فى التُّلِّي ملهمة وتساعد على تطويره أكثر، ومن المتوقع أن أفكر الفترة المقبلة فى الدمج بين فنين مختلفين حتى ينتشر على نطاق أوسع، إضافة إلى بدء التعامل مع أقمشة مختلفة غير الأوف وايت والأسود والتى ستكون بألوان السوفت باستل حتى تصبح القطعة مقبولة لدى العديد ومناسبة لرؤيتى فتصميماتى تتسم بالنعومة والأنوثة وبألوان تناسب جميع الأذواق ويتم ارتداؤها في الصباح لمن لا يفضل ارتداء اللون الأسود عمومًا.
- أصعب موقف مررت به متعلق بالتُّلِّي؟
عندما يتم طلب قطعة معينة منا ولكن لا توجد الخيوط المطلية المستوردة لحياكتها بالرغم من وجود الأيدى العاملة، لذلك أطلب من الدولة أن تكون المستورد الأصلى لتلك الخيوط من الهند لأن المهتمين بالتُّلِّي يعدون على الأصابع حتى لا يحدث هذا العجز، وأكثر ما يحزننى أن التُّلِّي يظهر فترة قصيرة عندما يصنع مصمم لممثلة مشهورة قطعة منه ويبدأ الناس الاهتمام به ثم يختفى مرة أخرى، فأنا أريد أن ينتشر أكثر وعلى مدى أوسع.
- من وجهة نظرك هل هناك متطلبات معينة لتعلُّم التُّلِّي؟
بالطبع، أهمها التحلى بالإبداع فقطع التُّلِّي تحتاج إلى وجود روح إبداعية وليس فقط إتقان الصناعة، إضافة إلى الذكاء والصبر والدقة لكونه يحتاج إلى وقت طويل فى الصنع فكل السيدات اللائى تعاملن معنا أشدن بجودة وتقفيل الشغل وهذا ما حرصنا عليه منذ البداية.
- ما أحلامك الفترة المقبلة؟
أحلم بأن أصنع فستان زفاف عروس من التُّلِّي ولكنه يتطلب جانبا من الشجاعة والحماسة لما فيه من امتياز، وأحلم من جانب الدراسة الأكاديمية بأن أوثق فترة التُّلِّي والقطع التى ظهرت فى بداية القرن العشرين بالسينما حينما كانت ممثلات السينما يرتدين ملابس من شغل التُّلِّي بخيوط الفضة الأصلية، كما أن الملكة نازلى ارتدت قطعا مميزة من التُّلِّي وتوثيق القطع التى توارثتها الأسر والأجيال على مر العصور.