فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمحلل المالى يكتب .. لِمَاذا ... لِسَاَنٌ وَاحِدْ وأُذُنَيِنْ؟
"خلق الله لنا أذنين ولساناً واحداً لنسمع أكثر مما نقول" مقولة الحكيم والفيلسوف سقراط التي لخص بها حكمة الخالق سبحانه وتعالى لندرك أن لنعمة الإستماع فائدة تفوق نعمة الكلام.
ثقافة الإستماع ... أهم الثقافات المفقودة
* الاستماع لشخص آخر، تختلف معه حول قضية ما، وتناقشه بتفاصيل مضمونها وتوحيد القناعات بشأنها، هي أهم الثقافات التي نَفتقِر اليها مثل افتِقار الكثيرين منا لثقافة الاعتذار او ثقافة التسامح او ثقافة احترام خصوصية الآخر أو ثقافة القيام للكبير او ثقافة تقديم المرأة على الرجل في أحيان كثيرة. وغيرها من ثقافات.
وتأتى ثقافة الاستماع في مقدمة تلك الثقافات التي نفتقر اليها، والجدير بالإيضاح أنه في حين أغلب إن لم يكن كل تلك الثقافات المُفتقرة تعنى الشخص ذاته (بمفرده) مثل ثقافة الاعتذار والتسامح واحترام خصوصية الآخر، نجد أن ثقافة الإستماع يكون معنى بها كلا الشخصين المتحاورين في نفس الوقت وبنفس القدر من الاعتبار من جانب طرفي الحوار أو النقاش، على كلا المتحاورين أن يستمع الى الآخر الذي استمع اليه لأن عدم الاهتمام والانصراف عن الانتباه للمستمع الآخر ومقاطعته دون ان يكمل ما يريد اسماعه للآخر سيؤدي الى امتعاضه، وحتى عدم اهتمامه من جهته بحديث المتكلم الأول للآخر.
ان الاستماع للآخر الذي استمع الى كلام الاول هو حق وواجب حتى تكتمل صورة الحوار المتبادل بالاستماع الجاد كل للآخر، والاستماع للآخر الذي تحدث اليك يقربه منك ويفرض عليه واجب الانصات والاستماع اليك باحترام.
وهذا الاستماع المتبادل يساعد في استمرار الحديث والحوار بين الطرفين، ليصل كل منهما الى مقصده من الكلام والى فهم وتفهم كل منهما للآخر.
من هنا تبدو حكمة سقراط كم هي بليغة في حث الناس للحرص على استماع كل منهما للآخر، وهي حكمة استنبطها من دون شك من التأمل ومراقبة ما يواجهه بعض الناس من امتعاض حينما لا يستمع المتحدثان بشكل جيد كل منهما للآخر.
ثقافة الإستماع تنطوي على أحد أسرار التنمية والتطور
ثقافة الاستماع من أهم مقومات السلام الاجتماعي، ونشر وإظهار الاحترام المتبادل، وفي محيط التعليم هي أحد ركائز التحصيل، في قطاع الأعمال هي أهم وسيلة لطرح الأفكار والتوصل الى حلول ناجعة لمشاكل الإدارة والإنتاج، وكذا في مختلف قطاعات الحياة.
مفهوم مهارة الاستماع
الاستماع هو عبارة عن عملية يعطي فيها المستمع اهتماماً خاصاً للطرف الآخر، حيث يعتبر الاستماع مهارةً وفناً، حيث إنّه يعتمد على عمليّات عقليّة معقّدة؛ نظراً لضرورة تآزر كلٍ من التفكير والسمع مع بعضهما البعض، ومن المعروف أنّ لهذه المهارة دورٌ أساسيّ في عملية التعلّم، فقديماً كانت هي التي يتمّ من خلالها نقل الثقافة والعلوم المختلفة من جيل إلى جيل، في هذا المقال سنتحدّث عن مهارة الاستماع بشكلٍ مفصل.
معوقات مهارة الاستماع
• التشتت وعدم القدرة على التركيز نتيجة الظروف المحيطة والضوضاء.
• الملل.
• انعدام الصبر وضعف القدرة على التحمّل.
• الافتقار إلى النشاط العقليّ والبلادة.
• التسرّع في الاستماع إلى الجانب الذي يريده الشخص، وترك الجوانب الأخرى في الحديث.
مستويات مهارة الاستماع
• السمع: وهي حاسة السمع المعروفة التي يملكها لدى الإنسان والعضو المسؤول عنها الأذن.
• السماع: ويُقصد به الاقتصار على استقبال الأذن لذبذبات صوتيّة دون إعارتها اهتماماً أو إعمال الفكر في المادة المسموعة، وهي عملية فسيولوجيّة بحته حيث يتوقّف نجاحها على سلامة الأذن وقدرتها على التقاط الذبذبات المختلفة، وهو أمرٌ فطريٌ موجود في الإنسان لا يحتاج إلى التعلّم أو التدرّب.
• الاستماع: عمليّة يعطي فيها المستمع انتباهاً خاصاً لكل ما تتلقاه الأذن من أصوات، وهو فنّ يحتاج إلى قدرات قوية نتيجة ضرورة إعمال الذهن لفهم معنى هذه الأصوات.
• الإنصات: هو أعلى درجة من الاستماع بحيث يتصف بالانتباه القوي والتركيز الشديد أو ما يعرف بالاستماع اليقظ كما جاء في قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204].
• التدبّر: ويُقصد به الإنصات مع استخلاص الفائدة وأخذ العبر والحكم في كل ما يسمعه الإنسان، وهذه المراحل متعاقبة تبدأ من استقبال الذبذبات وتنتهي بالمبالغة في الاستماع والتفكّر والتدبّر في المعاني المسموعة.
أهمية مهارة الاستماع
• تعزيز وتنمية عملية التفكير من خلال إشغال العقل بكلّ ما يقوله المتحدث.
• بناء مهارة النقد والتحليل والتأكّد من صحّة كلام المتحدّث، فالمستمع الجيد يتأكّد من كلام المتحدّث ويحاول التحرّي عن صحّة كلّ ما يقوله، فلا يجب عليه التسليم بكل شيء يسمعه.
• تعزيز عملية الاتصال والتواصل الفعالة مع الآخرين في عصرنا الحديث بين مختلف مناطق العالم.
• مهارة تعليمية بامتياز، فعن طريق هذه المهارة يستطيع الإنسان تعلّم لغته الأم وهو طفل.
• تعليم الأشخاص المكفوفين، الذين يعتمدون على آذانهم بالدرجة الأولى في العملية التعليمية.
• تنمية اللغة الشفوية، وزيادة الحصيلة اللغويّة واستخدام التعبيرات الجميلة في المواقف المختلفة.
مهارة الاستماع الجيد
كي تكون مستمعاً جيداً اتبع ما يلي:
• إبقاء العينين متصلتين مع المتحدّث.
• تجنّب مقاطعة المتحدّث.
• البقاء جالساً وتجنّب الحركة غير الضرورية قدر الإمكان.
• الالتزام بالإيماءات والحركات التي توحي للمتحدّث بالتركيز الشديد.
• طرح بعض الأسئلة المتعلّقة بالموضوع بشرط انتهاء المتحدّث من حديثه.