تاريخ ثقافي بدأ من الحملة الفرنسية ونوابغ النهضة تأثروا بباريس.. مصر وفرنسا
التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى في قصر الإليزيه بباريس، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وشهد اللقاء إجراء مباحثات بين الرئيسين، حيث رحب في مستهلها الرئيس الفرنسي بزيارة الرئيس لباريس، مشيدًا بالتطور النوعي في العلاقات الثنائية بين مصر وفرنسا في كافة المجالات.
وأثرت الثقافة الفرنسية بشكل عام منذ نشأة الدولة في مصر بالمفهوم الحديث، وقد ربطت مصر وفرنسا علاقات ثقافية وطيدة منذ عقود طويلة، وكانت البعثات المصرية إلى باريس هى التى ساهمت في التكوين الفكرى لمفكرين بارزين ومحدثي النهضة كرفاعة الطهطاوى (1801 إلى 1873) وطه حسين (1889 إلى 1973).
وتتغلغل العلاقات المصرية الفرنسية منذ قرون طويلة، حيث شاركت فرنسا ضمن قوات الحملة الصليبية التى تعرضت لها بلاد الشرق ومنها مصر، كذلك تعرضت مصر للاحتلال الفرنسى، فما عرف تاريخيا بالحملة الفرنسية على مصر، بقيادة الجنرال نابليون بونابرت.
وبعد رحيل الحملة الفرنسية، وبداية عهد مصر على باشا، كان الأثر الثقافي وصل إلى أعلى مستوياته، حيث أوفد الباشا، الطلاب النابهين للدراسة بالخارج في بعثات الدولة إلى فرنسا بالدرجة الأولى لأنه أدرك خصوصيتها في علاقاتها بالعرب والمسلمين، وقد أوفد محمد علي أحد الدعاة لكي يكون إماماً لواحدة من البعثات التعليمية وكان ذلك الأزهري المجتهد هو رفاعة الطهطاوي الذي عاد بمشاعر إيجابية لا تخلو من الدهشة تجاه حياة الفرنسيين وكان كتابه الشهير "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" بداية التنوير الحقيقي في تاريخ مصر الحديثة. فالاستنارة المصرية المرتبطة بالحضارة الأوروبية قد تولّدت بالدرجة الأولى من العلاقات بفرنسا والتأثر الثقافي بها.
وكذلك تأثر أمير الشعراء أحمد شوقى بالثقافة الفرنسية، حيث سافر إلى فرنسا على نفقة الخديوى توفيق، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقى الفكرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة فى تكوين (جمعية التقدم المصرى)، التى كانت أحد أشكال العمل الوطنى ضد الاحتلال الإنجليزى. وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.
والشيخ مصطفة عبد الررازق، تأثر هو الآخر بالحضارة والثقافة الفرنسية، من خلال سفره إلى فرنسا ودراسته بجامعة "السوربون"، ثم جامعة ليون التى حاضر فيها فى أصول الشريعة الإسلامية، وحصل على شهادة الدكتوراه برسالة عن "الإمام الشافعى أكبر مشرعى الإسلام"، وترجم إلى الفرنسية "رسالة التوحيد" للإمام محمد عبده بالاشتراك مع "برنار ميشيل" وألفا معا كتابا بالفرنسية.
وعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، كذلك كانت له رحلته مع فرنسا، بعهدما سافر عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين عام 1914 إلى مونبلييه الفرنسية، حيث أوفدته الجامعة المصرية لاستكمال دراسته هناك، ويبدو أن تأثر "حسين" بالثقافة والحضارة وطرق التعليم الفرنسية كان سريعا، وآثار عددا من الانتقادات للتعليم الجامعى فى مصر، خاصة جامعة الأزهر، وهو ما كاد يكلفه حرمانه من تكاليف نفقاته الدراسيه هناك، لولا تدخل السلطان حسين كامل.
رائد المسرح المصرى، الاديب الكبير توفيق الحكيم، سافر إلى باريس بعدما أرسله والده لدراسة القانون هناك، لكنه كنا شغوفا بالمسرح، فاتجه إلى الأدب المسرحى والقصص، بعدما تردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا، ما جعله يكتسب الكثير من الثقافة والأدب هناك، وهو ما يظهر من خلال نشره أول أعماله الأدبية من باريس عام 1936، وهى مسرحية شهرزاد.