كان موجودًا عند العرب قبل الإسلام.. عبدالرحمن بدوي: صيام المسلمين يختلف عن الديانات السابقة
تاريخ المستشرقين ضد الإسلام مزدحم بالهجوم ولكنه فى الوقت نفسه زاخر بالردود ذات الحجج والبراهين من علماء المسلمين، ونحن فى شهر الصيام المبارك فقد شن مستشرقون هجوماً عنيفاً ملاوعاً حاقداً ضد الفريضة الرابعة «الصيام»، وهنا نجد واحداً من أبناء المسلمين يدافع عن الصيام يرد ويصد ويتخدم الأدلة والأقيسة وعلم التاريخ، فقد هاجم المستشرقون كايتانى وجريم وشبرنجر وغيرهم الصيام ونسبوه كذباً إلى الديانات والمذاهب السابقة كذباً وزوراً وبهتاناً تنطعاً بالجدل العقيم والفهم السقيم، ودافع كثيرون من أبناء الإسلام .
وفى هذا الصدد نعيش مع الدكتور عبدالرحمن بدوى (1917-2002) الفيلسوف المصرى الذى وصفه الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى بقوله (لأول مرة نشاهد فيلسوفاً مصرياً) أو كما قال عنه المفكر الجزائرى الكبير «محمد أركون» (إننى أحسد هذا الرجل على قدراته العقلية والذهنية الجبارة وهو يجبرنى على احترامه وتقديره فى كل عمل اقرأه له).
وقد ألف الدكتور عبدالرحمن بدوى أكثر من 200 كتاب منها كتاب نيتشة وكتاب من تاريخ الإلحاد فى الإسلام وكتاب دراسات فى الفلسفة الوجودية وكتاب النفس لإبن سينا وكتاب أفلوطين عند العرب وكتاب دفاع عن محمد ضد المنتقصين من قدره، وهذا الكتاب فى دفاع عن محمد ضد المنتقصين من قدره واجه الدكتور عبدالرحمن بدوى إدعاءات المستشرقين عن الصيام، فقد افتروا وقالوا أن الإسلام قلد السابقين فى الصيام وأن صيام الديانات السابقة أصح من صيام المسلمين وقالوا أن صيام المسلمين مثل صيام المانويين والبوذيين وبعض الوثنيين .
ويؤكد الدكتور عبدالرحمن بدوى: فى الواقع إن صيام رمضان كان موجوداً عند العرب قبل الإسلام, وأن محمداً خلال إقامته فى مكة كان يحافظ على هذه الشعيرة قبل الإسلام، ولكن بعد الهجرة إلى المدينة وفى شعبان من السنة الثانية من الهجرة أمر بصيام شهر رمضان، وبعد أن فرض صيام شهر رمضان كله تنحى صيام يوم عاشوراء ولم يعد إجبارياً.
ويشرح كايتانى هذا التغير: فى الصيام من يوم واحد مثل صيام اليهود إلى صيام شهر كامل, هذا التغير يعود إلى سببين الأول لأنه لو كان على العرب أن يصوموا مثل اليهود لكان عليهم أن يتبعوا التقويم اليهودى أو يسألوا اليهود كل سنة فى أى يوم يوافق يوم عاشوراء، ولكن اعتماد التقويم اليهودى كان مستحيلا؛ لأنه كان للعرب شهورهم الخاصة والتى توافق أعيادهم السنوية وتوافق الأسواق فى مختلف أنحاء الجزيرة العربية الوثنية, وإذا لم يتح التقويم اليهودى للمسلمين فإنهم سوف يكونون فى وضع متدن أمام اليهود الذين كان يمكن أن يكونوا وحدهم فى وضع يسمح لهم أن يحددوا بدقة بداية السنة الوثنية، ولم يكن محمد ليستطيع أن يصل بخضوعه لشعائر اليهود إلى هذا الحد، ويشعر إلى أى مدى يمكن أن يقوم بإصلاحاته.
ويضيف كايتانى: والسبب الثانى لصيام شهر كامل بالنسبة للمسلمين منفصلين عن المسيحيين واليهود كان هو نفس السبب الذى يعرفه محمد وحده والذى دفعه إلى تحويل القبلة، وهذا دليل جديد على عملية تحرير الإسلام الناشئ من المفاهيم التقليدية للحضارة اليهودية والدين اليهودى والذى جعله الآن فى تماسك معين مع قوانين الماضى .
ويرد الدكتور عبدالرحمن بدوى: هذه خرافات وكلام غير متماسك فالقول بأن محمداً غير الصيام من صيام يوم إلى ثلاثين يوماً حتى لا يضطر لاعتماد التقويم اليهودى هل يمكن أن يكون منطق رجل سليم العقل؟ وأنه ليس هناك أية علاقة بين الصيام اليهودى والصيام الإسلامى وهذه هى الفروق: الصيام اليهودى محدد بخمسة أيام بعيدة جداً عن بعضها البعض وهو يوم الغفران ويوم العاشر من تشرين ويوم التاسع من آب واليوم الموافق بصيحة تدمير المعبد الأول والثانى ويوم السابع عشر من تموز إحياءً لذكرى سقوط جدران أورشليم فى زمن المعبد الأول وسقوط هذه الجدران على يد نبوس من سنة 7 ميلادية, ويم العاشر من توت ذكرى جلوس فايوسود ونورملك بابليون على عرش أورشليم، والثالث عشر من آزار وهو اليوم السابق على يوم بوريم، ويستمر الصيام أربعاً وعشرين ساعة وعلى العكس من ذلك يستمر صيام المسلمين شهراً كاملاً .
وأضاف الدكتور بدوى: فى يوم صومهم يمزق اليهود ملابسهم ويلبسون ملابس من الخيش ويضعون الرماد أو الطين على رءوسهم، ويزورون المقابر كما أنه من المحرم عليهم أن ينتقلوا، وليس فى الصيام الإسلامى أى من هذا ويوضح الدكتور بدوى: على العكس من ذلك فى أثناء الصيام الإسلامى لا يسمح فقط بالعمل بل يحث عليه بشدة، أما الصوم عند المسيحية فليس له أى علاقة لا مع الصوم اليهودى ولا مع الصوم الإسلامى, ويكفى أن نلاحظ أن الصوم المسيحى والمسمى بالصوم الكبير: يتراوح بين 36 يوماً وستة أسابيع يشتمل بشكل بدائى على وحبة واحدة فى اليوم يتنوع وقتها بين 11 صباحاً و 3 ظهراً لا يحرم فى هذا الصوم إلا لحم الحيوانات, وأغلب الناس يأكلون البيض ومنتجات الألبان, ولم تعد الخمر التى حرمت فى القرنين الثالث والخامس محرمة, وبداية من القرن السابع والثامن أصبح البيض واللبن والجبن والسمك تشكل وجبات الصوم الكبير فى أنحاء كثيرة دون أن تجد فيها أى شيء من التحريم، وكل المشروبات مباحة أثناء الصوم .