زينب بنت الإمام.. ملتقى فضائل آل البيت
كانت زينب صوت الحسين وصولته ودم الحسين وديمومته وشخص الحسين وشخصيته وبصر الحسين وبصيرته.. كانت هى الحسين فى قالب امرأة حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة كان قلبه مطمئنا بأن أخته ستحمل رايته فى كل مكان حتى لايبقى على وجه الأرض من لم يسمع باسم الحسين.. كفى بزينب فخرا أنها أخذت علم جدها وشجاعة أبيها وصلابة أمها وحلم أخيها.
عقيلة بنى هاشم
كرم الله النساء مرة فى القرآن، ومرة أخرى عندما جعل منهن زينب عقيلة بنى هاشم وكيف لاتكون عقيلتهم وجدها هو رسول الله عليه الصلاة والسلام وأبوها على بن أبى طالب وأمها فاطمة الزهراء وشقيقاها الحسن والحسين.. ولدت السيدة زينب فى الخامس من جمادى الأولى عام 6هجريا وقد اختار لها سيدنا محمد اسم زينب على اسم ابنته الكبرى زينب التى توفيت قبل مولدها بفترة قصيرة، وهناك قولان فى معنى اسم زينب، الأول أنه اسم مركب من كلمتين هما زين وأب والثانى أنه اسم بسيط لشجرة أو وردة كانت تنبت فى الصحراء وهو نبات عشبى معمر من فصيلة النرجسيات أزهاره جميلة بيضاء اللون فواحة الرحيق، أما لقب العقيلة الذى أطلق عليها فهو وصف وليس اسماً، فله عدة معانٍ منها السيدة الكريمة أو سيدة قومها وكبيرتهم كما أطلق عليها عدة ألقاب أخرى منها زينب الكبرى وأم المصائب لكونها شهدت مصيبة وفاة جدها رسول الله ومقتل أبيها على بن أبى طالب ووفاة أمها السيدة فاطمة ومقتل أخويها الحسن والحسين ومصيبتها الكبرى كانت عندما قتل أمام عينيها ولداها محمد وعون مع خالهما الحسين وحملت بعد ذلك أسيرة من كربلاء الى الكوفة، ولقبت أيضا بعدة ألقاب تكشف عن عظيم شخصيتها منها العارفة والمويقة والفاضلة والكاملة والمعصومة الصغرى.
بناتنا لبنينا
كانت السيدة زينب محط أنظار الجميع وخاصة شباب بنى هاشم ومن ثم لما بلغت مبلغ النساء تقدم الكثير لخطبتها ومنهم ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبى طالب وكان سيدنا على بن أبى طالب أمير المؤمنين يرغب فى تزويج بناته من أبناء عمومتهن تمسكا بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام حين نظر الى أولاد الإمام على وأولاد جعفر بن أبى طالب فقال " بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا " فتزوجت زينب من عبدالله بن جعفر وأنجبت منه على وعون ومحمد وأم كلثوم ورقية، وكانت السيدة زينب من أقرب الناس لقلب رسول الله حتى أنه وصف لها حياتها من رؤية عندما ذهبت إليه وكانت فى عمر الطفولة وقالت له: يا جداه رأيت البارحة أن ريحا عاصفة قد انبعثت فاسودت الدنيا وما فيها وأظلمت السماء وحركتنى الرياح من جانب الى جانب فرأيت شجرة عظيمة فتمسكت بها وإذا بالريح تقلع الشجرة من مكانها وتلقيها على الأرض فتمسكت بغصن قوى من أغصان الشجرة فكسرتها الريح العاصفة فتمسكت بغصن آخر فكسرته الريح فتمسكت بغصن أصغر وآخر أصغر فهوى أيضا ثم استيقظت من نومى، وحينما سمع رسول الله عليه الصلاة والسلام هذه الرؤيا بكى وقال: أما الشجرة فهى جدك وأما الغصنان الكبيران فهما أبوك وأمك وأما الغصنان الصغيران فأخواك الحسنان.
كربلاء .. اليوم الأسود
تعد معركة كربلاء من أكثر المعارك جدلا فى التاريخ الإسلامى لما لها من آثار سياسية ونفسية وعقائدية لاتزال موضع جدل حتى الآن، وقد وقعت كربلاء فى 10 محرم سنة 61 هجريا وذلك بعدما استقرت خلافة المسلمين لمعاوية بن أبى سفيان بعد أن تنازل الحسن بن على عن الخلافة وبايع معاوية وكان هذا بعد سلسلة من الصراعات حتى تم الصلح وكان من بنوده أن ترجع الخلافة إلى مبدأ الشورى بعد وفاة معاوية وبعد وفاة سيدنا الحسن، وظل سيدنا الحسين ملتزما ببنود الصلح حتى قام معاوية بترشيح ابنه يزيد للخلافة بعده مخالفا ما تم الاتفاق عليه ورافضا نظام الشورى، فبدأت الانشقاقات فى صفوف الدولة الإسلامية وظهرت حركة المعارضة لحكم معاوية ورفض الحسين مبايعة يزيد وخرج الى مكة واعتصم بها وقامت بعض الحركات المؤيدة للحسين.
وقامت المعركة حين عبأ عمر بن سعد جيشه وحبس الماء عن أنصار الحسين فباتوا أياما يعانون من العطش وعندما التقى الجيشان قتل خمسون من أنصار الحسين وعندما تقدم سيدنا الحسين بنفسه للقتال قام شمر بن ذى الجوشن بفصل رأسه عن جسده وتمزيقه وكان للسيدة زينب دور أساسى فى هذه الثورة وذلك بعد أن شهدت بعينيها قتل شقيقها وولديها وكل رجال بيتها فيما عدا على بن الحسين وقيل إنه من الأساس لم يشارك فى كربلاء لأنه كان مريضا وأن الله عز وجل نجا به من الموت ليستمر نسل سيدنا الحسين إلى أن تقوم الساعة، وقد خرجت السيدة زينب بنفسها الى ساحة المعركة تبحث عن جسد أخيها بين القتلى غير عابئة بالأعداء، وعندما وجدته ظلت ترفعه الى السماء وهى تدعو الله قائلة: "اللهم تقبل منا هذا" وقد أعطت بصمودها دروسا قيمة فى التضحية من أجل العقيدة، وعندما أدخلوا السبايا على ابن زياد أمير الكوفة وكان يعلم أن السيدة زينب بين النساء فأراد إذلالها فى مجلسه أمام الملأ فالتفت نحوها قائلا: من هذه الجالسة فلم تجبه استهانة به واحتقارًا لشأنه، فأعاد السؤال فأجابته إحدى السبايا إنها زينب بنت فاطمة ابنه رسول الله فخاطبها شامتا الحمدلله الذى فضحكم وقتلكم وكذب أحدوثتكم، فردت عليه قائلة: " الحمدلله الذى أكرمنا بنبيه محمد وطهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر" فاهتز كيان ابن زياد من ردها الشجاع رغم ما تمر به من مأساة فأراد أن يتشفى بها فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟ فأجابته: "ما رأيت إلا جميلا.. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتال وسيجمع بينك وبينهم فانظر لمن الفلاح يومئذ"، وقد تجاوزت السيدة زينب الموقف العظيم بإرادتها وبصيرتها النافذة معلنة أنه لاينتابها أى شعور بالهزيمة فما حدث لأسرتها ليس إلا استجابة لأمر الله تعالى الذى فرض عليهم الجهاد ضد الظلم والعدوان.
لك الله يا طاهرة يا رئيسة الديوان
تعتبر السيدة زينب من المجددين فى الإسلام لما لها من مآثر كثيرة فقد كانت عند أهل العزم والتصميم "أم العزائم" وعند أهل مصر والسودان "الطاهرة أم هاشم" وكان يرجع إليها فى الرأى والمشورة الأئمة الكبار ومنهم أبوها نفسه سيدنا على بن أبى طالب وأخواها الحسن والحسين لذا أطلق عليها صاحبة الشورى وكانت دارها فى المدينة المنورة ملتقى الضعفاء فلقبت بأم العواجز وقيل إنها عندما ذهبت الى مصر أنزلها الوالى فى بيت كبير وطلب منها أن تحضر لقاءاته بالرعية من خلف ستار ليستنير برأيها وتحول بيتها فى مصر لمقر يعقد فيها اجتماعاته برجاله ورعيته، فعرفت برئيسة الديوان وقيل إن السيدة زينب جاءت الى مصر برغبتها بعدما أعطاها معاوية فرصة اختيار منفاها بعد أن أصبح بقاؤها بالمدينة يؤجج نيران الثورة ضد الخلافة الأموية وقال لها عبدالله بن عباس: "يا ابنة بنت رسول الله اذهبى الى مصر فإن فيها قوما يحبونكم لله ولقرابتكم لرسول الله وإن لم تجدى أرضا تسكنيها هناك فستجدين قلوب أهلها وطنا"، ووصلت السيدة زينب الى مصر فى شعبان عام 61 هجريا واستقبلها أهل مصر فى منطقة بلبيس بفرحة غامرة حبا فى جدها رسول الله عليه الصلاة والسلام وشقيقاها الحسن والحسين؛ لذا فقد دعت دعوتها الشهيرة لأهل مصر فقالت: "أهل مصر نصرتمونا نصركم الله وآويتمونا آواكم الله وأعنتمونا أعانكم الله وجعل لكم من كل مصيبة مخرجا ومن كل ضيق فرجا"، وبعدما استقرت بالمحروسة وهبها مسلمة بن مخلد والى مصر وقتها قصرا كبيرا للإقامة به فاختارت الشريفة غرفة واحدة وجعلتها مكانا للتعبد وجعلت باقى القصر مقصدا لكل محتاج وعاجز وتحولت غرفتها هذه بعد وفاتها الى مقامها وأوصت السيدة زينب قبل وفاتها بأن يتحول باقى القصر الى مسجدا فكان لها ذلك وتحول قصر الوالى الى مسجد السيدة زينب رضى الله عنها.
وفاة عقيلة بنى هاشم
اختلف المؤرخون فى تحديد سنة وفاتها وإن كان الأرجح أنها توفيت يوم 15 رجب سنة 62 هجريا وذكر البعض أنها توفيت ودفنت فى دمشق وآخرون قالوا: إنها دفنت فى البقيع بينما أكد بعض المؤرخون أنها دفنت فى القاهرة بعدما جاءت الى مصر بأحد عشر شهرا وخمسة عشر يوما، وأنها دفنت بمخدعها فى دار مسلمة وتحول باقى الدار الى مسجد كما أوصت، وظل كما هو حتى يومنا هذا مع إجراء عدة توسعات عليه، وبقى المصريون حتى الآن يحتفلون بيوم مولد السيدة زينب رضى الله عنها تيمنا ببركتها وحبا فى جدها المصطفى صلوا عليه وسلموا تسليما.