وزير الأوقاف: الجماعات المتطرفة تحاول إلقاء سوادها على الناس
تحدث الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، في الحلقة الخامسة عشرة من برنامج "رؤية" عن: "الأمل والرجاء"، حيث أشار إلى أن هذا الموضوع من أهم الموضوعات التي تناولها كتاب "الجاهلية والصحوة" الصادر ضمن الإصدار الثاني في سلسلة "رؤية" حول دعاة الإحباط ودعاة الأمل، ذلك أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة تحاول أن تلقي سوادها على الناس، وأن تبث فيهم عوامل الإحباط والتيئيس.
وأكد جمعة، أن الناس قد سئموا من ثقافة الإحباط والاكتئاب ، وحق لهم ، إذ إن هذه الثقافة المرة مرارة الحنظل إنما تنضح من أوان صدئة ، ونفوس مظلمة ، تنظر نظرة سوداء للكون والحياة ، ولا ترى من الكوب سوى نصفه الفارغ أو جانبه الصدئ، فتريد أن تضفي سوادها على الكون ، وعلى الحياة ، وأن تحمله أوجاعها ومآسيها ، عَنتًا وبغيًا على نحو ما تمثلت به ليلى بنت طريف في رثاء أخيها مالك ، عندما توجهت إلى شجر الخابور المورق ، وكأنها تعاتبه لماذا لم تحزن على أخي؟، وكأنها تريد من الكون كله أن يتشح بسوادها وبحزنها ، فقالت:
أَيَا شَجَرَ الْخَابُوْرِ مَالَكَ مُوْرِقاً
كَأنَّكَ لَمْ تَجْزَعْ عَلَى ابْنِ طَرِيْفٍ
وهنا يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
وَالَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ
لا يَرى في الوُجودِ شَيئاً جَميلا
والذي بداخله السواد ماذا يرى؟ ماذا يرى في الكون إلا السواد؟ وَالَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ ، الذي عُدم الإنسانية لا يَرى في الوُجودِ شَيئاً جَميلا ، ويقول:
إِنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأَرضِ نَفسٌ
تَتَوَقَّى قَبلَ الرَحيلِ الرَحيلا
وَتَرى الشَوكَ في الوُرودِ وَتَعمى
أَن تَرى فَوقَها النَدى إِكليلا
وعندما حاول الشاعر البائس عبد الحميد الديب أن يصبَّ جانبًا من بؤسه أو أن ينفس عنه فقال:
إن حظى كدقيقٍ فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
صعُبَ الأمر عليهم ثم قالوا اتركوه
إن من أشقاه ربى كيف أنتم تُسْعِدُوه
لقد عَدَّ العلماء اليأس ، والتيئيس ، والإحباط ، والتحبيط ، ومحاولة تيئيس الناس ، وبث اليأس في المجتمع ، وفي نفوس الناس من الكبائر ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا" ، والدعوة للتفاؤل هي دعوة العقلاء ، دعوة النفوس الصافية ، هذا الشاعر يقول:
قالَ: السماءُ كئيبةٌ وتجهما
قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهم في السما
قال: الليالي جرعتني علقما
قلت: ابتسم و لئن جرعت العلقما
فلعل غيرك إن رآك مرنّما
طرح الكآبة جانبًا و ترنما
وتابع وزير الأوقاف: "تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ" ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعروفِ شيئًا ، ولو أنْ تَلْقَى أخاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ" أي: بسماحة ، ديننا يريد أن تعم البسمة ، وأن تعم السماحة بين الجميع ، رحمة الله واسعة ، لا تيأس أبدًا ، لا تخش الفقر مادام الرزاق موجود ، ولا تيـأس من مرضك ما دام الشافي موجود ، يقول (سبحانه وتعالى): "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ، ويقول (سبحانه وتعالى): "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ" ، ويقول (سبحانه وتعالى): "وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ" ، وكان سيدنا الإمام علي (رضي الله عنه) يقول: "قَرَأَتُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَرَ آيَةً أَحْسَنَ وَأَرْجَى مِنْ قَوْلِ الله (عز وجل): "قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" ، نحن في شهر الرحمة ، شهر المغفرة، لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا ، يقول (سبحانه وتعالى): " قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" ، قال بعض أهل العلم: "إذا كان هذا هو خطاب الرحمن الرحيم لعباده المسرفين على أنفسهم فما بالك بخطابه لعباده المؤمنين ، التائبين ، القانتين ، القائمين ، الراكعين ، الساجدين" ، ونحن في شهر الرحمة والمغفرة ، فأقبلوا على الله بنفوس آمنة مطمئنة ، مؤملة في رضوان الله ، في رحمته ، في مغفرته ، فرب العزة يقول: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي" ، ونحن يا رب نحسن بك الظن أنت الرحمن ، الرحيم ، الغفور ، الودود ، ويقول (سبحانه وتعالى) على لسان سيدنا إبراهيم (عليه السلام): "وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ" ، وعن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "مَن قالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ عِيسَى عبدُ اللهِ ، وابنُ أمَتِهِ ، وكَلِمَتُهُ ألْقاها إلى مَرْيَمَ ورُوحٌ منه ، وأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وأنَّ النَّارَ حَقٌّ ، أدْخَلَهُ اللَّهُ مِن أيِّ أبْوابِ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةِ شاءَ" ، وعن سيدنا أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة (سبحانه وتعالى) ، يقول رب العزة (عز وجل): "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد" ويقول (سبحانه وتعالى): "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" .
واختتم وزير الأوقاف، قائلاً :"وفي الحديث القدسي يقول رب العزة: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن جاء بالسيئة فجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها أو أغفِرُ ، ومن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا ، ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا" ، وعن سيدنا معاذ بن جبل (رضي الله عنه) يقول: كنت رديف النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: "يا مُعاذُ قلتَ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ ، قالَ: يا مُعاذُ قلتَ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ ، قالَ: يا مُعاذُ قلتَ: لَبَّيْكَ رَسولَ اللهِ وسَعْدَيْكَ" - أعادها ( صلى الله عليه وسلم) ثلاثًا ليلفت انتباه سيدنا معاذ ويلفت انتباهنا جميعًا معه - قالَ ( صلى الله عليه وسلم): "ما مِن عَبْدٍ يَشْهَدُ أنَّ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ إلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ علَى النَّارِ ، قالَ: يا رَسولَ اللهِ ، أفَلا أُخْبِرُ بها الناس فَيَسْتَبْشِرُوا ، قالَ: إذًا يَتَّكِلُوا ، فأخْبَرَ بها مُعاذُ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا" خشية أن يكون قد كتم شيئًا سمعه من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ديننا دين الأمل ، دين الرحمة ، دين المغفرة ، ونحن في شهر الرحمة والمغفرة ، نسأل الله أن يتغمدنا جميعًا بواسع رحمته ، وأن يفتح لنا أبواب رحمته ، وأن يفتح لنا أبواب الأمل الصادق واسعة يا رب العالمين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.