الكاتب الصحفى محمود شاكر يكتب ..إحذروا الطماعين
القناعة صفة كريمة، وسجية حميدة، وهي تعرب عن غنى النفس وعزتها، وتبعث على الزهد والعفة والنزاهة والحياة الطيبة الهادئة، والاكتفاء بما تيسر من العيش والرزق الحلال، والاقتصار من متاع الدنيا وزينتها وزخرفها ، والرضا بما قسم الله تعالى له، وشكره عليه.
فالإنسان القنوع من أغنى الناس، لأن الغنى الحقيقي هو غنى النفس لا غنى المال، لما روي عن الإمام عليّ عليه السلام: «القَناعَةُ تُغني»، وعنه عليه السلام قال: «طَلَبتُ الغِنى فما وَجَدتُ إلّا بالقَناعَةِ، علَيكُم بالقَناعَةِ تَستَغنُوا».
وفى المقابل نجد الطمع لما في يد الغير،عمل ذميم، وخلق منقوص، وسلوك سيئ، وآثاره مدمرة على صاحبه ومهلكه، لا يجلب له سوى السمعة السيئة، ولا يمنحه سوى وصمة العار، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله " من نفس لا تشبع "،فالطمع وحب الاستحواذ نقيصة وهذا حال من لا يرضى لنفسه قدراً وأنفة وعزة، لذا نرى الإنسان الجشع يهين نفسه لأجل المغنم وأن كان حقيراً، والمكسب بسيطاً، أن الجشع والطمع صفة ذميمة، وخلق رذيل، وعمل رديء، ومن كانت هذه الصفة فيه لم يذق طعم النعيم في حياته قط ، لأنه سيكون طماعا في كل ما يملكه الآخرين ولن تشبعه النعم التي يحيا فيها .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الطمع أشد التحذير فقال: "وأهل النار خمسة: ... والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه..." الحديث.
ولربما وجدنا أن أكثر الأمثال شيوعاً بيننا في هذا الصدد هو المثل القائل «طمعه قتله». ولهذا المثل حكايات مختلفة أعجبتني منها حكاية «التاجر والشاعر».
قيل إن شاعراً مثل أمام أحد كبار التجار، وألقى قصيدة في مدحه، فكافأه بما عدَّه مناسباً وكافياً. بيد أن الشاعر عدَّ الهدية دون ما يستحق، وأظهر البرود الذي لاحظه التاجر. فنادى عليه وقال: لك فضلاً عن ذلك أرض ما وسعك أن تمشيها يوم غد. فلما جاء الغد انطلق الشاعر يحث الخطى راكضاً يسابق الشمس في جريه ليكسب أوسع ما أمكنه من مسافة. وكلما توقف حدثته نفسه الطماعة بالجري لما هو أبعد من ذلك. هذه المزرعة وتلك القرية وهذا الحقل. وظل يحث نفسه على المضي أكثر وأكثر حتى مالت الشمس للمغيب، فتملكه الإعياء، وخر ساقطاً على الأرض، وفارقته روحه.
أمر ذلك التاجر الكبير بأن يحفروا قبراً للشاعر حيث سقط ، دفنوه وواروه التراب، وكان قبره كل ما كفاه من الأرض. وكتبوا عليه: هذا فلان الشاعر قتله طمعه.
الجشع كما يعلم الجميع يذل صاحبه ولا يرفعه، ويضره ولا ينفعه، أن أستحوذ عليه أودى به إلى الهاوية، يقول الشافعي: (العبدُ حرٌّ إن قنع، والحرُّ عبدٌ إن طمع، فاقنع ولا تطمع فلا شيء يشين سوى الطمع)، قال هارون الرشيد: النفس تطمع والأسباب عاجزة .. والنفس تهلك بين اليأس والطمع
ومن لزم الطمع، عدم الورع، إن عزة النفس وكرامتها وأنفتها لا توجد عند بخيل، ولا توجد عند شحيح، ولا توجد عند جشع طماع، إن الجشع الطماع لا ترضيه لقمة ولقمتان، ولا تمرة ولا تمرتان، ولا يكتفي بالشيء المتناول، والشيء الهين اليسير، لكنه دائماً يبتغي المزيد، ولا يستنكف عن سؤال الناس، ما عندهم خفة دم، ولا عفة نفس، يده سفلى، وليست عليا، والجشع الطماع سيماه في بطنه، لذا نرى كرشه تهدلت من كثرة الولائم، وحضور المناسبات الدسمة، يستجيب لدعوة الناس فوراً، ولا يدعو الناس لبيته مطلقاً، عبداً للجنية وللمال واللقمة، لا يرضى بالنصيب، ويبتغي المزيد.
من هنا أدعوا الجميع الابتعاد عن الجشعين الطماعين، أشيحوا بوجوهكم عن هذه المخلوقات النهمة العجيبة، أبداً لا تبجلوهم ولا تنزلوهم منزلة التقدير والاحترام.
من أراد أن يعيش حرا ،أيام حياته فلا يسكن الطمع قلبه ،نسأل الله خلال شهر رمضان الكريم ،أن يقينا شر الطمع، وأن يرزقنا القناعة.
كاتب المقال الكاتب الصحفى محمود شاكر مدير تحرير جريدة الوفد