فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمالى يكتب.. حرب الطاقة ... بسيف الروبل
حرب بدأها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على "الدول غير الصديقة – على حد قوله" ردا على العقوبات الاقتصادية على روسيا التي فرضتها دولا عديدة في مقدمتها أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، فالمرحلة الأولى من هذه الحرب كانت بالتهديد بالحرب الراهنة وبقطع إمدادات الغاز عن أوروبا، والمرحلة الثانية هي الحرب الاقتصادية باستخدام الغاز سلاحاً.
حيث وقع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 31 مارس الماضي، مرسوما يحدد نظاما جديدا لدفع ثمن إمدادات الغاز الروسي من قبل المشترين من الدول "غير الصديقة لروسيا".
وبموجب المرسوم الرئاسي يتوجب على الشركات الأوروبية من الدول "غير الصديقة " التي تشترى الغاز الروسي فتح حسابين في بنك "غاز بروم بنك" الأول باليورو والثاني بالعملة الروسية الروبل.
وستقوم الشركات الأوروبية بتحويل ثمن الغاز الروسي باليورو فيما سيقوم "غاز بروم بنك" بتحويل أموال اليورو في بورصة موسكو إلى الروبل الروسي ومن ثم إرسالها إلى شركة "غاز بروم". ويعني ذلك أن الشركات الأوروبية عمليا ستسدد ثمن الغاز الروسي باليورو لكن إلى حساب جديد.
الرئيس الروسي بوتين بقراره هذا سلط سيفا على الدول "غير الصديقة" ليس لقطع الرؤوس بل لتوجيه طعنة "بموافقة رضوخ " الى قلب وجوهر العقوبات الاقتصادية على روسيا تؤدى الى إضعاف تأثيرها على الاقتصاد الروسي الى أدنى مستوى، بل إن هذا القرار وبآلية تنفيذه ستضيف أصولا جديدة الى البنك المركزي الروسي’ حيث أن عملية تحويل اليورو والدولار من الحساب الأول الى الحساب الثاني بالروبل تمر حتما على البنك المركزي الروسي،
والجدير بالذكر أن المتحكم في سعر الدولار واليورو مقابل الروبل في هذه الحالة ليس الأمريكان أو الأوروبيين بل هي البورصة والبنك المركزي الروسيين.
أدى قرار الدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي الى فوائد منها:
1- استعادة الروبل عافيته مقابل الدولار الى مستويات ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
2- وسيؤدى الانصياع الأوروبي الى قرار بوتين " الروبل مقابل الغاز" الى مزيدا من الإرتفاع في قيمة الروبل مقابل اليورو والدولار.
3- وإضافة مزيداً من الأصول الى البنك المركزي الروسي.
4- وتحسن إضافي في مؤشرات البورصة الروسية.
5- مما سيؤدى الى عودة الاستثمارات التي هربت من روسيا مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
6- مما سينتج عنه تحسنا عام في الاقتصاد الروسي وإمكانية تصفير الآثار الإقتصادية للعقوبات على روسيا.
7- وربما تحقيق روسيا معدل نمو قريبا مما كان مخططا قبل هذه الحرب.
أما من ناحية الأضرار التي حدثت والمتوقعة لقرار " الروبل مقابل الغاز" على القرار الأوروبي وتعميق الخلافات الأوروبية -الأوروبية (حيث اعتبرت المفوضية الأوروبية الخميس الماضى أنّ رضوخ دول أوروبية لشرط موسكو بتسديد ثمن المحروقات الروسية بالروبل وفقاً للآلية التي حدّدها الكرملين يمثّل التفافاً على العقوبات الأوروبية، في تفسير يتعارض مع رغبة الكثير من الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي بالحفاظ على وارداتها من هذه المحروقات) :-
أولا: ماخرج به اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين من تصريحات حول وصف تأثير قرار بوتين بأنه التفاف على العقوبات الاقتصادية، دون قرار موحد برفض السداد بالروبل مقابل الغاز الروسي أو بحظر النفط والغاز الروسيين، بل اكتفوا بإدانة قرار (غاز بروم) الأحادي الجانب بقطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا", والتأكيد على أنه يجب على جميع المشترين الوفاء بالتزاماتهم وفقا للعقود المبرمة، وأنهم سيواصلون العمل مع الشركات المشغلة والمفوضية الأوروبية لتطوير نهج مشترك للدفع، يمثل لقواعد الاتحاد الأوروبي والعقود بالشكل الذي أبرمت به،
ثانيا: أربع شركات بدأت السداد بالروبل وخمس دول أبدت استعدادها للانصياع لقرار بوتين، الشركات منها شركة الطاقة الألمانية "يونيبير" (Uniper)، والدول هي بلغاريا وبولندا وألمانيا والنمسا والمجر.
وفى رد من الخبراء الروس وآخرون حول العالم على أقرانهم فيما يتعلق بالتأثير السلبي على الاقتصاد الروسي إذا ما قررت روسيا قطع إمداد الغاز والنفط عن مزيد من الدول التي ترفض السداد بالروبل، قولهم إن روسيا لديها السوق الصيني والهندي اللذان لديهما الاستعداد لاستيعاب الفائض في إنتاج روسيا من الطاقة، في حين أن الدول الأوروبية ليس لديها البنية التحتية الازمة للتعامل مع الغاز المسال المنتج في دول مثل مصر والجزائر.
ثالثا: فصل الدولار عن النفط :-
برأي خبراء أمثال الخبيرة في حوكمة النفط، ديانا قيسي على تساؤل: هل تسديد الشركات الأوروبية الأربعة للغاز الروسي بالروبل، هو بداية فصل الدولار عن النفط في التبادل العالمي؟ إنّ "هذا يُعدّ خطوة"، ولا يمكن معرفة إن كانت خطوة منفردة أم ستليها شركات أخرى. وفي هذا السياق تتّجه الأنظار، إلى جانب روسيا، إلى السعودية والإمارات التي قد تقرّر في مرحلة معيّنة فصل الدولار عن النفط.
كاتب المقال فتحى ندا الخبير الاقتصادى والمالى